هزائم الميليشيات توسّع الخلافات بين جناحيها السياسي والعسكري

TT

هزائم الميليشيات توسّع الخلافات بين جناحيها السياسي والعسكري

تسبب إخفاق الميليشيات الحوثية في ملف الحديدة وارتفاع أعداد قتلاهم في جبهات القتال الرئيسية في نشوب خلاف كبير بين ما يعرف بـ«الجناح السياسي» و«الجناح العسكري» التابعين للميليشيات، كما أسهم في فرار أكثر من 30 قياديا حزبيا وعسكريا خلال اليومين الماضيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية الشرعية، حسبما أفادت مصادر مطلعة.
وذكرت مصادر من داخل صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن فشل الجناح السياسي التابع للحوثيين في إقناع المبعوث الأممي مارتن غريفيث خلال الفترة الماضية برؤيته للصراع والتوصل إلى حل يجنِّب الانقلابيين المواجهة مع الجيش اليمني في معركة تحرير الحديدة، عجل بالصدام مع الجناح العسكري الذي يتزعمه محمد علي الحوثي.
ويرصد الجيش اليمني ما يجري داخل صنعاء من خلافات وانشقاقات بين قيادات الصف الأول في مجلسي الانقلابيين، ويتعامل معها بدقة كاملة خاصة أن هذه المعلومات تؤكد أن الوضع داخل العاصمة الخاضعة لسيطرة الانقلابيين يزداد سوءا بين فصائلهم.
وقال العميد عبده عبد الله مجلي، المتحدث الرسمي للجيش اليمني، في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط» إن الخلافات بين الميليشيات جاءت نتيجة للهزائم الكبيرة التي منيت بها على الأرض، مقابل التقدم الكبير الذي يحققه الجيش الوطني المدعوم بطيران تحالف دعم الشرعية ونجاحه في تدمير الكثير من منصات الصواريخ التي تستخدمها الميليشيات في ضرب المدن الآهلة بالسكان في اليمن والمدن السعودية والمراكز الرئيسية ومقرات للقيادة وما نتج منها ارتفاع قتلى القيادات العسكرية البارزة للميليشيات.
وأشار العميد مجلي، إلى أن انتشار الجيش حول مدينة الحديدة، وقربه من مينائها الذي لم يعد يفصله عنه سوى 10 كيلومترات، يشكل عامل ضغط على الانقلابيين وسببا رئيسيا في اتّساع رقعة الخلاف، مشدداً على أن العمل العسكري هو الحل لتحرير البلاد من الميليشيات الانقلابية التي رفضت جميع المبادرات السلمية. وتابع العميد مجلي أن من نتائج اتّساع الخلاف بين قيادات الانقلابيين، تمكّن 30 عضوا من مجلس النواب، وقيادي عسكري وأمني، من الفرار خلال اليومين الماضيين حيث وصلوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية. ولفت إلى أن كل ما يرصد من داخل صنعاء يؤكد أن عدد الفارين من القيادات مرشح للارتفاع خلال الفترة المقبلة، وأن هؤلاء الفارين ينتمون إلى كافة القطاعات الإدارية والعسكرية.
إلى ذلك، قال عبد الباسط الشاجع، مدير مركز العاصمة الإعلامي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن صنعاء تشهد هذه الأيام تحركاً كبيراً للميليشيات لحشد كل إمكاناتها وجهودها لمعركة الحديدة خاصة بعد أن فشلت مساعي الميليشيات في تجنب المواجهة مع الجيش رغم المفاوضات التي تحدث وجولات المبعوث الأممي إلى المنطقة. وتابع أن الميليشيات تعد العدة لما بعد المفاوضات وكيفية البقاء أطول فترة في الحديدة.
وأردف الشاجع، أنه جرى، خلال الأيام القليلة الماضية، رصد خلافات متعددة بين قطبي الميليشيات الانقلابية، على خلفية المواجهات العسكرية وعدم الوصول حتى هذه اللحظة إلى حل يرضي الانقلابيين في ملف الحديدة. وأضاف أن هذه الخلافات بدأت بنشر صور قتلى الحوثيين من صعدة في جميع المواقع في صنعاء، ورفضهم وجود صور القتلى الآخرين من صنعاء وذمار وإب بذريعة أن مقاتلي صعدة هم الأصل وهم الذين يحكمون.
ويرى الشاجع أن الخلافات اتسعت أيضا إلى مجال إدارة مؤسسات الدولة وخاصة الخدمية التي تحظى بدعم من المنظمات الدولية، إذ قام محمد علي الحوثي بنكث الاتفاق الذي أبرمه مع مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي للانقلابيين والقاضي بسحب العسكريين من مواقع إدارة المؤسسات. ولفت إلى أن احتدام الخلاف بين الجانبين دفع زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي إلى التدخل من أجل وضع حد للانقسام.
وسيعجل تأخر إيجاد حل يناسب الانقلابيين في ملف الحديدة، بحسب الشاجع، في نشوب صراع علني داخل صنعاء، خاصة أن الميليشيات الانقلابية تدرك أنها ستخسر نصف الإيرادات المالية التي كانت تحصل عليها من عوائد الميناء.



مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
TT

مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)

شهدت الآونة الأخيرة تصريحات إسرائيلية تضمنت مخاوف بشأن «تسليح» مصر وانتهاكات لمعاهدة السلام، التي أُبرمت بين البلدين في 1979، وسط توتر متصاعد منذ احتلال الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية قبل نحو عام، وإصراره على عدم تنفيذ رغبة القاهرة في الانسحاب من محور «فيلادلفيا» الحدودي مع مصر.

أحدث التصريحات الإسرائيلية ما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال إن بلاده لن تسمح للقاهرة بـ«انتهاك معاهدة السلام»، وهو ما يرى رئيس مجلس الشؤون الخارجية المصرية وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي، ورئيس الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري والخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج، لـ«الشرق الأوسط»، أنها «رسائل للخارج لجلب مزيد من الدعم وتزيد التوتر الذي صنعته إسرائيل مع القاهرة»، بخلاف أنها «محاولات لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا بزعم المخاوف»، متوقعين رفض مصر تلك الضغوط وتمسكها بموقفها دون أن تجر لصدام أو المساس بمعاهدة السلام.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ومنذ توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام، لم تشهد علاقات الجانبين توتراً كما هي الحال مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وزادت حدته منذ مايو (أيار) الماضي، مع احتلال إسرائيل محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وكذلك معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفضها الانسحاب كما تطلب القاهرة.

وذكر كاتس، في كلمة خلال ذكرى وفاة رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، الاثنين، أن معاهدة السلام «أخرجت مصر من دائرة الحرب، في قرار قيادي غيّر وجه التاريخ ووضع دولة إسرائيل - ولا تزال كذلك حتى اليوم، لكننا لن نسمح لهم (المصريين) بانتهاك معاهدة السلام، لكن الاتفاق قائم»، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن تصريحات كاتس جاءت على خلفية شائعات ترددها عناصر من اليمين المتطرف على شبكة الإنترنت عن استعدادات عسكرية مصرية لمهاجمة إسرائيل بشكل غير متوقع، لافتةً إلى أن هذه الشائعات أثارت القلق بين العديد من الإسرائيليين.

تلك المخاوف ليس الأولى إسرائيلياً، إذ أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، في 26 فبراير (شباط) الماضي، عن قلقه من «التهديد الأمني من مصر التي لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة»، معتبراً أنه لا يشكل تهديداً حالياً لتل أبيب لكن الأمر قد يتغير في لحظة، وفق «القناة 14» الإسرائيلية.

جنديان إسرائيليان قرب ممر فيلادلفيا بمحاذاة الحدود المصرية (أرشيفية - أ.ب)

سبق ذلك حديث مندوب تل أبيب الدائم في الأمم المتحدة داني دانون، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي عن مخاوف إسرائيل بشأن تسلح الجيش المصري، مضيفاً: «ليس لديهم أي تهديدات في المنطقة. لماذا يحتاجون (المصريون) إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟».

ورد النائب المصري مصطفى بكري على تلك التصريحات قائلاً عبر منشور بمنصة «إكس»، إن «إسرائيل هي التي تنتهك اتفاقية السلام (..) واحتلت محور صلاح الدين (فيلادلفيا)»، مؤكداً أن «تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي ومن قبله رئيس الأركان ومندوب إسرائيل بالأمم المتحدة نوع من التلكيك وجر شكل (استفزاز) ومصر تتعامل بحكمة ولديها دور هام لصالح السلام لكنها لن تقبل إملاءات أو تهديداً من أحد ولا تفرط في سيادتها وثوابتها وأمنها القومي»، محذراً: «فلتكف إسرائيل عن العبث واللعب بالنار، لأنها أول من سيكتوي بها».

وسبق أن رد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق على نظيره الإسرائيلي، في تصريحات فبراير (شباط) الماضي، قائلاً: «الدول القوية والكبرى مثل مصر تلزمها جيوش قوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومي بأبعاده الشاملة عبر تسليح كافٍ ومتنوع».

ويرى العرابي أن تلك التصريحات الإسرائيلية تعكس ازدياد حالة التوتر بين مصر وإسرائيل، التي صنعتها الأخيرة منذ دخول رفح، وهي تحاول أن تنقل انطباعات غير صحيحة للعالم الخارجي بأن لديها قلقاً من جيرانها للبحث عن دعم.

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أرشيفية - إ.ب.أ)

بينما يرى اللواء فرج أن التصريحات الإسرائيلية محاولة لخلق أزمات مع مصر، مؤكداً أن مصر بالتأكيد حافظت على تنوع تسليحها، لأنها دولة قوية وتحتاج ذلك لكنها لم تنتهك ولم تخترق المعاهدة، بل الجانب الإسرائيلي هو من يفعل ذلك ولا يريد الالتزام بما تم الاتفاق عليه في اتفاق هدنة غزة.

تأتي هذه التصريحات المتصاعدة في إسرائيل، قبل أيام قليلة للغاية من التزام على حكومة نتنياهو بتنفيذ الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا، المقرر أن يتم في اليوم الخمسين من اتفاق الهدنة في غزة، الذي بدأ في 19 يناير الماضي، وسط حديث يسرائيل كاتس، في 27 فبراير (شباط)، عن البقاء في محور فيلادلفيا في المرحلة الحالية، وحديث مماثل متزامن من وزير الطاقة إيلي كوهين.

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل، قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط»، قبل أن تعيد احتلاله خلال حرب غزة ورفض مطالب مصر بالانسحاب.

ويرجح العرابي أن يكون استمرار التصريحات الإسرائيلية بهدف الضغط لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، مستبعداً أن يؤدي التوتر بين البلدين لصدام عسكري أو انهيار معاهدة السلام.

ويرى فرج أن إسرائيل تحاول إثارة تلك المخاوف لتهيئة الرأي العام الداخلي لاستمرار البقاء في محور فيلادلفيا، وعدم الانسحاب كما هو مقرراً، مؤكداً أن التوتر المتصاعد حالياً لن يمس معاهدة السلام ولن يرجع القاهرة عن مواقفها، ولن يقود لصدام خاصة وأن نتنياهو يرى أن العدو الرئيسي إيران وليس مصر.