آيرلندا.. تاريخ حافل لا تزال آثاره واضحة

قلعة «بلارني» وبقايا المصنع الفرنسي وهزيمة أسطول «أرمادا»

آيرلندا.. تاريخ حافل لا تزال آثاره واضحة
TT

آيرلندا.. تاريخ حافل لا تزال آثاره واضحة

آيرلندا.. تاريخ حافل لا تزال آثاره واضحة

في الليلة التي سبقت وصول «إيمرالد برنسيس»، السفينة الأميركية السياحية المحيطية العملاقة الأنيقة التابعة لشركة برنسيس كروز، إلى آيرلندا، ألقى آيرلندي متقاعد، وكان أستاذا جامعيا، محاضرة عن آيرلندا. وفي اليوم التالي، وخلال يوم كامل، تحدث مرشد سياحي آيرلندي عن آيرلندا.
ركز الأول على الحاضر، وركز الثاني على الماضي. ولكنهما اتفقا على نقد (إن لم تكن كراهية) البريطانيين، في الماضي وفي الحاضر.
لنبدأ بالماضي:
بعد أن رست السفينة في ميناء كوبه، في جنوب آيرلندا، بدأ المرشد السياحي ماك حديثه بتفسير أصل كلمة «كوبه». قال إنها كلمة آيرلندية (اللغة الكلتيكية) للكلمة الإنجليزية «كوف» (كهف).
لكن، غير الإنجليز الاسم إلى «كوينزتاون» (مدينة الملكة) عام 1850، عندما زارت الملكة فيكتوريا المدينة. ولكن، في عام 1922، بعد أن نالت آيرلندا الاستقلال، أعاد الآيرلنديون اسم «كوبه».
وخلال رحلة حافلة أنيقة تقل سياحا أميركيين، وعددا قليلا من السياح البريطانيين، بين «كوبه» و«كورك»، ثاني أكبر مدن آيرلندا (بعد دبلن العاصمة)، كرر المرشد السياحي «1922» ربما مائة مرة. هذه هي السنة التي استقلت فيها آيرلندا عن بريطانيا. لم يلعن البريطانيين، وهو المرشد السياحي المهذب، وربما ما كان السياح البريطانيون في الحافلة سيقبلون ذلك.
تململ بعض السياح البريطانيين، وعلق بعضهم، ولكن بطريقة مهذبة، وكأنهم يقولون للمرشد السياحي: «لننس الماضي، ولنفتح صفحة جديدة».
لكن، كان واضحا من معلومات وتعليقات ماك، المرشد السياحي، أن العلاقة بين البريطانيين وجيرانهم الآيرلنديين ليست ودية (إن لم تكن عدائية).
وإن لم يكن التوتر (أو العداء) واضحا من جانب ماك والسياح البريطانيين في الحافلة، كان واضحا في القلاع، والكاتدرائيات، والقصور، وساحات القتال، المنتشرة في جنوب وشرق آيرلندا.
على لسان المرشد السياحي:
في عام 1172 (خلال حكم النورمانديين، رجال الشمال، لإنجلترا)، شهدت آيرلندا أول غزوات الإنجليز، ولأربعمائة سنة، احتلوا جزءا منها. وفي عام 1495 (عام اكتشاف أميركا، وخلال حكم عائلة تيودور لإنجلترا) احتلوا ما تبقى من آيرلندا.
لكن، لم يصمت الآيرلنديون. وثاروا مرات ومرات.
كانت أول وأهم ثورة في عام 1534، عندما هجموا على قلعة دبلن، وأعلنوا تمردهم على الملك هنري الثامن. وانتقم الملك بإعدام كبير القساوسة جون إلين، رأس الكنيسة الكاثوليكية، الذي كان قال إن الثورة «دينية لإعادة المارقين إلى دين المسيح الحقيقي» (إشارة إلى البروتستانت الذين كانوا انتشروا في شمال أوروبا، وألمانيا، وهولندا، وبريطانيا).
بعد إعدام كبير القساوسة الكاثوليك، اضطر توماس فتزجيرالد، قائد الثورة، لإعلانه هزيمته، وطلب العفو من الملك، وطلب منه الملك أن يفعل ذلك في لندن. وعندما وصل إلى لندن مع أعمامه الخمسة، وضعوا في البرج التاريخي (القصر والقلعة). ثم أعدموا. ووصف ذلك مؤرخ بريطاني: «شنقوا، ثم قطعت رؤوسهم، ثم فصلت أيديهم وأرجلهم عن أجسامهم، ثم أحرقوا...».
منذ ذلك الوقت، ولخمسمائة سنة، حتى نالت آيرلندا استقلالها عام 1922، (آخر الثورات)، ثار الآيرلنديون ثورات كبرى عشرين مرة تقريبا، منها:
أولا: ثورة التسع سنوات (عام 1594)، عندما أرسل الإنجليز عشرين ألف جندي (مليون جندي تقريبا بمقاييس اليوم).
ثانيا: «الثورة الأميركية» (عام 1798)، وسميت هكذا لأنها سارت على خطى ثورة الولايات الأميركية التي حققت الاستقلال قبل ذلك بعشرين سنة تقريبا (1976).
ثالثا: ثورة «آيريش بروثرهود» (الإخوان الآيرلنديين) عام 1866، بالتعاون مع الآيرلنديين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة. نظموا حملات، وجمعوا تبرعات، وأرسلوا أسلحة إلى إخوانهم في آيرلندا.
رابعا: ثورة «الإرهابيين» (عام 1881). هذا وصف الصحف البريطانية في ذلك الوقت، عندما بدا متطرفون آيرلنديون يقتلون المسؤولين الإنجليز في آيرلندا، وكانوا يسمون أنفسهم «إنفينسيبولز» (الذين لا يقهرون).
خامسا: ثورة «إيستار» (عيد الفصح) عام 1916، وقادها «الإخوان الآيرلنديون». وتعمدوا أن تكون في وقت انشغال بريطانيا في أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى (بل سافر بعضهم إلى ألمانيا، عدوة بريطانيا، وطلبوا مساعدتها. ورافقهم بعض من «الإخوان الآيرلنديين» الأميركيين).
وتعمدوا أن تبدأ الثورة يوم «إيستار» (عيد صعود المسيح ابن مريم إلى السماء. ورفعوا شعار «عيسى معنا»).
لكن، ضربتهم القوات البريطانية ضربا عنيفا، ودمرت نصف دبلن تقريبا. ورغم أن الثورة فشلت، مهدت لتطورات سياسية وإجراءات دستورية، حققت استقلال آيرلندا عام 1922، ولا تزال تؤثر على الوضع في آيرلندا الشمالية، حيث يظل التوتر بين الآيرلنديين الكاثوليك، وحكومة الملكة إليزابيث، راعية الكنيسة البروتستانتية.

* مشاهدات في «كورك»
خلال جولة الحافلة السياحية في كورك (ثاني أكبر مدن آيرلندا بعد دبلن)، تعمد ماك، المرشد السياحي الآيرلندي، أن يشير إلى آثار الصراع التاريخي الدموي مع الإنجليز.
وقال إنه، مثلما غير الإنجليز اسم ميناء «كوبه» إلى «كوين إليزابيث»، ثم أعاد الآيرلنديون الاسم الآيرلندي بعد الاستقلال، غيروا اسم «كورك»، ثم أعاده الآيرلنديون بعد الاستقلال.
تعنى الكلمة في اللغة الآيرلندية (الكلتيكية) «مستنقعات»، إشارة إلى كثرة البحيرات والأنهار فيها. وهي أكبر ميناء طبيعي محصن في أوروبا. ميناء، داخل ميناء، داخل ميناء. لكن، لا تقدر السفن المحيطية السياحية العملاقة على الوصول إلى «كورك»، ولهذا ترسو في «كوبه».
خلال جولة الحافلة السياحية في «كورك»، ظل ماك، المرشد السياحي، يشير إلى آثار الصراع التاريخ الدموي مع الإنجليز:
أولا: هذه مبان محروقة باقية منذ القرن السابع عشر، عندما حرقت القوات البريطانية نصف مدينة كورك.
ثانيا: هذه بقايا مصنع لصناعة النبيذ بناه الفرنسيون عندما احتلوا كورك، نكاية في البريطانيين. كان هؤلاء من طائفة «هوغونوتز» الكاثوليكية.
ثالثا: هنا كان البريطانيون يستعملون «هاف هانغ» (نصف الإعدام). يضعون المناضل الآيرلندي داخل حبل المشنقة، وكأنهم يريدون إعدامه، ويشدون الحبل ليجبروه على الاعتراف، بينما هو يختنق ويفقد الوعي، ويعيش بين الموت والحياة.
رابعا: هناك آثار معركة «أرمادا» (معركة بحرية بين الأسطولين البريطاني والإسباني للسيطرة على آيرلندا).
خامسا: هذه هي الكنيسة الكاثوليكية التي قادت التمرد على سيطرة الكنيسة البروتستانتية البريطانية.
سادسا: هذه هي الكنيسة الفرنسية التي بناها مهاجرون من فرنسا. كانوا يريدون «طعن بريطانيا من الخلف»، بسبب العداء التاريخي بين فرنسا وبريطانيا.

* قلعة «بلارني»
ركز جزء كبير من جولة السياح على قلعة «بلارني»، والمناطق الأثرية المجاورة لها. ولم يكن ذلك صدفة. ولم تكن صدفة، أيضا أصوات أجراس القلعة، وأجراس كنائس مجاورة، عند وصول السياح.
كان عرضا «أثريا، وطنيا، كاثوليكيا». جعل السياح البريطانيين يتململون. وأظهر أن بعض السياح الأميركيين لهم أصول آيرلندية، أو هم كاثوليك. وبدوا وكأنهم يريدون إعلان «ثورة» على زملائهم الأميركيين (أغلبية الأميركيين بروتستانت).
في عام 1200، بنيت قلعة «بلارني»، ولهذا شهدت كل الثورات الآيرلندية ضد الاستعمار البريطاني، أكثر من مرة قصفوها، وأكثر من مرة حرقوا أجزاء منها، وأكثر من مرة صادروها بحجة أنها «قلعة معادية».
في الوقت الحاضر، هي قلعة شبه محطمة، لكنها قبلة كثير من السياح. وفي أعلاها «حجر سحري»، يقال إن كل من يقبله يصير فصيحا جدا. ليس ليلقى خطبا سياسية، ولكن ليتغزل في النساء. غير أن الحجر موضوع في أعلى القلعة بالقرب من حافتها. ولا بد للذي يريد أن يقبله أن ينحني كثيرا، ويمكن أن يسقط من أعلى القلعة، وسقط رجال كثيرون كانوا يريدون تحسين قدراتهم على الغزل (في وقت لاحق، وضعت أعمدة من الحديد للوقاية).
من وقت لآخر، خلال شروحات ماك للسياح داخل الحافلة، يغير تقديم المعلومات، ويغني أجزاء من أغاني عاطفية عن الآيرلنديين. وربما لا يوجد غناء آيرلندي من دون نقد (أو الهجوم على، أو الإساءة إلى ) الإنجليز.

* جيمس جويس
ووسط الأناشيد الوطنية والأغاني العاطفية داخل الحافلة، رفعت سائحة أميركية رواية تقرأها: «يوليسيز»، للروائي الآيرلندي جيمس جويس. هذه ربما أهم رواية في تاريخ آيرلندا، وكتبها أهم روائي آيرلندي عام 1922.
تحمست السائحة، وحملت الكتاب من مؤخرة الحافلة إلى مقدمتها، حيث ماك، المرشد السياحي، وسألته إمكانية الحديث قليلا في ميكروفون الحافلة عن الرواية.
تعمدت السائحة مخاطبة السياح البريطانيين في الحافلة. وافترضت أنهم لا يعرفون أي شيء عن (إن لم يكونوا يكرهون) الرواية، ومؤلفها. واعترفت بأن جدودها هاجروا من آيرلندا إلى الولايات المتحدة، واعترفت بأنها كاثوليكية.
وقالت إن الرواية نشرت في حلقات في مجلة أميركية، ثم صارت أفلاما سينمائية، ومسرحيات، ومسلسلات تلفزيونية.
بالإضافة إلى عكس نضال الآيرلنديين ضد الإنجليز، اشتهرت الرواية كرائدة في فن الروايات الحديثة، بسبب تركيزها على تفاصيل دقيقة، وإنسانية، وعادية (كل الرواية، ربع مليون كلمة، عن حوادث يوم واحد: 16-6-1904، يوم أول لقاء بين المؤلف وزوجته المستقبلية).
بطل الرواية هو «يوليسيز»، الاسم الآيرلندي للبطل اليوناني القديم «أوديساس»، صاحب ملحمة الشاعر اليوناني القديم هومر، الذي كتب أيضا ملحمة «الإلياذة».
منذ أول فصل في الرواية، انعكس الصراع بين الآيرلنديين والإنجليز:
ها هما طالبان آيرلنديان يختلفان لأن واحدا منهما صار صديقا لطالب إنجليزي.
وها هو مدير المدرسة يشترك في نقاش ساخن مع واحد من الطالبين الآيرلنديين عن دور الإنجليز واليهود في استعمار الآيرلنديين. ومما قال مدير المدرسة: «لم نضطهد اليهود هنا لأننا، منذ البداية، لم نسمح لهم أن يأتوا إلى هنا».
وها هو «بلوم» نصف اليهودي ينتظر زيارة صديقه «مولي»، الذي يشاركه في العلاقة الجنسية مع زوجته، غير أن «بلوم» نفسه كانت له مغامرات جنسية مع أكثر من امرأة.
يبدو أن حديث السائحة الأميركية عن رواية «يوليسيز» شجع سائحة بريطانية للتقدم إلى مقدمة الحافلة، وتمسك الميكروفون، وتوضح نقطتين:
أولا: ليس غريبا أن جون لينون، مغني فرقة الخنافس، غنى أغنية الهجوم على الاستعمار البريطاني لآيرلندا، والسبب هو أن والده آيرلندي (أمه إنجليزية).
ثانيا: كررت أنها أسكوتلندية، وفرقت بين إنجلترا وبريطانيا، وقالت إن أسكوتلندا صارت جزءا من بريطانيا بعد إعلان المملكة المتحدة عام 1801.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.