ربما حان الوقت كي يتوقف لوريس كاريوس عن النظر إلى نفسه باعتباره فناناً، وأن يشرع في التفكير في دوره كعالم. لقد واجه حارس مرمى ليفربول فترة عصيبة على الصعيد المهني في الفترة الأخيرة، أو على الأقل عصيبة تبعاً لمعايير أي شخص يتقاضى أجراً أساسياً يبلغ قرابة 25 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، وذلك منذ وقوعه في خطأين فادحين خلال مباراة نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا التي انتهت بالهزيمة أمام ريـال مدريد في مايو (أيار).
في وقت لاحق، جرت الإشارة إلى صدمة ارتجاج مخي لم يتم تشخيصها في حينها باعتبارها السبب وراء فقدان حارس المرمى الألماني تركيزه مرتين أثناء المباراة النهائية في كييف. أما كلوب فقد أبدى تعاطفه مع الحارس قبل أن ينفق 65 مليون جنيه إسترليني لضم حارس مرمى روما، البرازيلي أليسون. ويبدو هذا القرار مبرراً عبر بضعة أخطاء، سرعان ما جرى تضخيمها، سقط فيها كاريوس خلال المباريات التي جرت استعداداً لانطلاق الموسم الجديد لبطولة الدوري الممتاز. وذكرت هذه الأخطاء الجميع بقسوة أنه في الوقت الذي يمكن في الغالب للاعبي جميع المراكز الأخرى الإفلات من مجموعة متنوعة من الأخطاء، فإن حراس المرمى على وجه التحديد نادراً ما يفلحون في التمويه على زلاتهم.
وفي أعقاب الهزيمة بنتيجة 3 - 1 أمام بوروسيا دورتموند في نورث كارولينا، جاءت انتكاسة اتفق الكثيرون على أن كاريوس المسؤول عنها لتسببه في اختراق هدفين لمرماه.
وسرعان ما اجتاحت موجة من العداء والهستيريا موقع «تويتر»، ما أثار حارس المرمى ليعبر من خلال منشور عاطفي قال فيه: «إلى من يستمتعون برؤية الآخرين يخفقون أو يعانون، أشعر بالأسى لحالكم. أياً ما كان ما يجري في حياتكم وخلق كل هذا الغضب والكره، أدعو أن يتلاشى ويأتيكم الخير».
وشعر محمد صلاح بالتأثر ما دفعه للتدخل، وقال مهاجم ليفربول مغرداً وداعماً لحارس مرماه: «ابقَ قوياً يا كاريوس. لقد حدث هذا من قبل مع أفضل اللاعبين. تجاهل الكارهين».
تبدو نصيحة وجيهة بالفعل، لكن حارس المرمى قد يخالجه بعض الشك في صحة حدسه. في رده عن سؤال له الموسم الماضي حول ما إذا كان حاول دراسة التوجهات الغريبة للمهاجمين، قال كاريوس: «ليس هذا شيئاً أفعله بصورة خاصة. إلى حد معين، من الجيد أن يتولى المرء التحليل، لكن في النهاية لا تدري ما الذي سيحدث».
ويبدو هذا التوجه القدري متناقضاً مع شخصية مولعة بالتفاصيل الدقيقة لنظام الغذاء ومستوى جودة النوم، لكن كاريوس يعتقد أن الإبداع الحقيقي لحارس المرمى يكمن في أن «يكون معتمداً على حدسه بصورة كبرى». ولدى كاريوس مكتبة «دي في دي» لتصديات مبهرة حققها مع فريق ماينز الألماني وليفربول للتأكيد على صحة وجهة نظره. إلا أن الواقع يؤكد أن أفضل لاعبي كرة القدم لا يعتمدون فحسب على استعدادات الفيديو التي يضطلع بها محللو الأندية.
من جانبه، يقضي حارس مرمى إيفرتون والمنتخب الإنجليزي جوردون بيكفورد ساعات في دراسة حركات وتكنيك خصومه. في سبتمبر (أيلول) الماضي عندما مد بيكفورد ساقه ليحرم جيرمين ديفو من تسجيل هدف في غوديسون بارك، شرح أنه مرت أمام عينيه مجموعة من السيناريوهات المرتبطة بديفو وأنه أجرى أبحاثاً حول الخطوات الأكثر احتمالاً التي قد يقدم عليها ديفو.
وقال: «لقد فعلت الواجب الدراسي الخاص بي كي لا أضطر إلى التخمين. لقد كنت واثقاً من أن ديفو سيدفع بالكرة إلى يميني، لذا انتظرت وكان هذا ما فعله حقاً وتمكنت من التصدي للكرة وخرجنا فائزين».
وإذا لم يكن ضعف المجهود البحثي السبب وراء الهدف الذي جرى تسجيله من كرة حرة ضعيفة سجل منها فريق ترانمير روفرز هدفاً في مرمى كاريوس خلال مباراة ودية أخرى على أرض استاد «برينتون بارك» خلال فترة ما قبل انطلاق الموسم الجديد، فإن السبب يعود إذن بالتأكيد إلى مزيد من الضغوط وفقدان الثقة.
من جانبه، توقع بروفسور ستيف بيترز، الطبيب النفسي المتخصص في المجال الرياضي الذي عمل بصورة مكثفة مع ليفربول في السنوات الأخيرة، أن الأمر سوف يستغرق من كاريوس 3 شهور كي يتعافى من المحنة التي تعرض لها في كييف.
وقال: «الأمر ليس أنه فقد أياً من قدراته أو مهاراته، وإنما تلك هي طبيعة الرياضة وتمر على المرء أحياناً أيام تسوء فيها الأمور»، مشيراً إلى أنه مثلما الحال مع العظام المكسورة أو الأربطة الممزقة، يحتاج الرأس وقتاً كي يتعافى. وأضاف: «القاعدة العامة التي لا نعلم لها تفسيراً حتى اليوم أن المخ يحتاج قرابة 3 شهور كي يتمكن من معالجة هذه الأمور، لكن مع توافر مساعدة مهنية من طبيب نفسي يعمل بالحقل الرياضي فإنه يمكن للاعب ضمان أن هذه التجربة ستقويه، ولن تضعفه عندما يتعافى منها (بعد فترة الشهور الثلاثة)».
ومع هذا، تكمن المشكلة بالنسبة لكاريوس في أنه بحلول أغسطس (آب)، من الممكن أن يصبح أليسون الخيار الأول بالنسبة لكلوب في حراسة المرمى. واتفق الحارس البالغ 25 عاماً على أنه: «بالطبع هذا ليس وضعاً مثالياً بالنسبة لي». إذن، هل من الممكن أن يرحل عن النادي قبل الموعد النهائي للانتقالات الشهر المقبل؟ أجاب كاريوس: «لا أدري. لا يمكنني تحديد ما سأفعله الآن». وبالنظر إلى أن ليفربول دفع مبلغاً متواضعاً - بمعايير الدوري الإنجليزي الممتاز - إلى نادي ماينز بلغ 4.75 مليون جنيه إسترليني مقابل ضم كاريوس الذي جاء قرار ضمه بصورة أساسية من أجل تحدي سيمون مينيوليه، فإن كلوب قد ينظر إلى صفقة ضم الحارس الألماني باعتبارها مقامرة منخفضة المخاطرة لم تؤتِ الثمار المرجوة.
والسؤال الآن: ماذا سيحدث لاحقاً؟ مع تقاضي كاريوس أجراً أقل عن السائد داخل كثير من الأندية وارتباطه مع النادي بعقد ممتد حتى عام 2021، فإن السماح بانتقاله لنادٍ آخر على سبيل الإعارة يبدو أمراً محتملاً للغاية. في المقابل، فإنه حال انتقال مينيوليه ربما للاضطلاع بدور الحارس الاحتياطي لدى برشلونة - قد يعود كاريوس حينها إلى مقعد البدلاء في «أنفيلد».
ومن هناك، قد ينجح كاريوس في استعادة مكانته حال لجوء الفريق إليه إذا تعرض أليسون لإصابة أو اضطر للغياب لأي سبب آخر. إلا أنه في كل الأحوال، ينبغي لكاريوس توجيه مزيد من الاهتمام إلى الجانب التحليلي وألا يغفل حقيقة أن «الشيطان يكمن في التفاصيل».
كاريوس يحتاج الكثير ليبقى حارس ليفربول الأول
اللاعب الألماني يبحث عن نادٍ آخر بعد الأخطاء المكررة والتعاقد مع أليسون
كاريوس يحتاج الكثير ليبقى حارس ليفربول الأول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة