ماكرون يخرج عن صمته ويتحمل مسؤولية {فضيحة بنعالا»

أصوات معارضة تطالب بمثوله أمام لجنتي التحقيق البرلمانيتين

TT

ماكرون يخرج عن صمته ويتحمل مسؤولية {فضيحة بنعالا»

تتوالى في فرنسا فصول ما اصطلح على تسميته «بنعالا غيت»، نسبة لألكسندر بنعالا، أحد المقربين من رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، الذي تسبب في أكبر أزمة سياسية يعرفها الأخير منذ وصوله إلى السلطة في ربيع العام الماضي.
وفيما يبدو أنه بادرة لاستعادة زمام المبادرة السياسية بعد أسبوع سياسي هائج، تعرضت خلاله الرئاسة والحكومة لانتقادات لاذعة من المعارضة يميناً ويساراً، متّهمة إياهما بالسعي للتستر على الفضيحة، دخل ماكرون حلبة الصراع لإطفاء الحريق الذي أخذ ينسف شيئاً فشيئاً سمعة عهده الذي أراده «مثالياً»، أي بعيداً عن الفضائح والمحسوبيات. وفيما تتواصل أعمال لجنتي التحقيق البرلمانيتين، واحدة من مجلس النواب والثانية من مجلس الشيوخ، ويستمر القضاء في تحقيقاته بعد توجيه اتهامات رسمية لألكسندر بنعالا وأربعة أشخاص آخرين، اختار ماكرون مناسبة اجتماع مقرر سابقاً لنواب حزبه «الجمهورية إلى الأمام» ليحاول لملمة الوضع، والحد من الخسائر وإيقاف الهجوم السياسي الذي يتعرض له.
وتفيد آخر استطلاعات الرأي بأن شعبية ماكرون هبطت إلى أدنى مستوى منذ وصوله إلى السلطة، وأن صورة العهد لدى الفرنسيين قد تدهورت. ورغم خروجه عن صمته، لا يبدو أن المعارضة ستكتفي بذلك، بل إنها أخذت تطالب بأن يمثل مباشرة أمام لجنتي التحقيق. لكن أمراً كهذا يبدو مستبعداً لأسباب دستورية وقانونية، لأن الرئيس يتمتع بحماية الدستور طيلة ولايته، ولا يمكن محاسبته لا سياسياً ولا قانونياً. أما السبب الآخر فهو الفصل بين السلطات.
في المقابل، فإن الحكومة لن تنجو من المحاسبة لأن حزب «الجمهوريون»، اليميني المعارض، يتأهب لتقديم طلب إلى رئاسة مجلس النواب لطرح الثقة بالحكومة. لكن هذه الأخيرة غير مهددة بالسقوط بفضل الأكثرية الساحقة التي تتمتع بها داخل البرلمان.
في كلمته المطولة أمام نواب حزبه، لم يسع ماكرون للتقليل من خطورة ما حدث في الأول من مايو (أيار) الماضي، حيث عمد بنعالا الذي كان يشغل وظيفة مستشار في قصر الإليزيه مسؤولاً عن أمن الرئيس وتنقلاته الداخلية، إلى التدخل بعنف بالغ في مظاهرة مناهضة للحكومة، رغم أن لا صفة رسمية له تؤهله لأن يقوم بما قام به من ضرب شاب وشابة، ورميهما أرضاً، وكيل اللكمات لهما بمساعدة شخص آخر سبق له أن عمل معه. وخلال أكثر من شهرين، بقيت هذه الفضيحة بعيداً عن الأنظار إلى أن كشفتها صحيفة «لوموند» في 18 يوليو (تموز)، وبثّت شريط فيديو يبيّن وحشية بنعالا الذي رافق ماكرون في حملته الرئاسية حارساً شخصياً له، ووُظّف لاحقاً في قصر الإليزيه مساعداً لمدير مكتب الرئيس. وتبين شيئاً فشيئاً أن بنعالا ليس فقط مسؤولاً عن أمن الرئيس وعائلته، بل إنه أكثر من ذلك، إذ إنه كان يرافقه في كل تنقلاته الرسمية والخاصة. وحظي بنعالا بسيارة وظيفية وبشقة سكنية في مبنى تابع للرئاسة، كما أنه كان يحضر العديد من الاجتماعات الرسمية. وخلال تدخله في المظاهرة، كان يعتمر خوذة الشرطة ويحمل شارتها. وكل هذه العناصر وكثير غيرها أثارت الكثير من علامات الاستفهام التي سعى ماكرون للرد عليها.
بداية، أكد ماكرون أن ما حصل ذلك اليوم «كان أمراً جدياً وخطيراً، وأنه كان بالنسبة لي بمثابة خيبة لا بل خيانة». وبعد عرض مطول لما حصل في الأول من مايو وما تبعه، سارع الرئيس الفرنسي إلى التأكيد أنه «المسؤول الوحيد عما حصل»، وأنه سيتحمل مسؤولياته ولن يختبئ وراء معاونيه أو يضحي بهم لأنه هو من «أولى بنعالا ثقته»، ولأنه هو من «صادق» على العقوبة الإدارية التي أنزلت به، وهي كف يده طيلة 15 يوماً من غير راتب، وإحالته إلى أشغال إدارية داخل القصر. وفي بادرة تحد لم يفهم إن كانت موجهة لمنتقديه أو للنواب، قال ماكرون ما معناه: «إذا كانوا يبحثون عن مسؤول، فإنه موجود أمامكم، فليأتوا إليَّ. وهذا المسؤول (يحاسبه) الشعب الفرنسي، سيد نفسه وليس أي شخص آخر». كذلك سعى ماكرون لدحض بعض الأخبار الملفقة حول بنعالا وحول علاقته به، وقال: «ألكسندر بنعالا لم تكن لديه أبداً الأرقام السرية للقوة النووية (وفق ما نشرت صحيفة بلجيكية)، ولم يعط أبداً شقة مساحتها 300 متر مربع قريباً من ساحة ألما، ولم يكن يحصل على راتب مقداره 10 آلاف يورو شهرياً». والأكثر إثارة أن ماكرون رد على الإشاعات التي نسبت له علاقة حميمية مع بنعالا بقوله: «ألكسندر بنعالا هو أيضاً لم يكن قَط عشيقي».
وخلال كلمته، دافع الرئيس الفرنسي عن طريقة تعامل القصر الرئاسي مع ما قام به بنعالا الذي «خرج عن مهمته مراقباً وتحول إلى فاعل» خلال المظاهرة المشار إليها. وواضح أن ماكرون يريد أن ينزع عما حصل صفة «فضيحة دولة»، ورده إلى تصرّف فردي لا غير. والحال أن ما يؤخذ على السلطات، أكان الإليزيه أو وزارة الداخلية أو كبار مسؤولي الشرطة، أن «العقاب» الإداري الذي أنزل ببنعالا لا يتلاءم مع خطورة الجنحة التي قام بها. ومن جهة ثانية، لم تقم أي جهة من هذه الجهات بإبلاغ القضاء بما حصل، وهو ما يفرضه القانون الفرنسي؛ ما أثار الظنون برغبة السلطات التستر على بنعالا ولفلفة ما حصل. وهذا صحيح إلى حد كبير، لأنه لو لم تقم صحيفة «لوموند» بنشر الخبر والفيديو، لماتت الفضيحة ودفنت إلى الأبد.
هل سيكفي ما قاله ماكرون لوضع حد لهذه المسألة؟ بالطبع الجواب سلبي. فمن جهة تستمر اللجنتان البرلمانيتان في عملهما لجهة استدعاء المسؤولين الواحد تلو الآخر، بمن فيهم كبار مسؤولي قصر الإليزيه. واليوم سيمثل أمام لجنة مجلس الشيوخ وزير الداخلية جيرار كولومب، الذي استمعت إليه أول من أمس اللجنة النيابية، حيث رمى المسؤولية على الرئاسة. ومن المقرر أن يمثل بنعالا أيضاً أمامهما في وقت لاحق.
وفي أي حال، يبدو واضحاً أن المعارضة لن تتخلى عن هذا الممسك الذي هو آخذ بإضعاف ماكرون سياسياً. وطالما أن اللجنتين البرلمانيتين ستبقيان فاعلتين، فإن هذه الفضيحة التي يقارنها البعض بـ«ووترغيت» ستبقى موضع أخذ ورد. ويبدو أنها تحولت إلى مسلسل سيلهي الفرنسيين، وهم في مواطن إجازاتهم الصيفية بحراً أو جبلاً في فرنسا أو خارجها.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.