لبنان يمضي بقرار إنهاء الفلتان الأمني في البقاع الشمالي

مراقبون يربطونه بخطة تنمية وتثبيت الدولة كسلطة وحيدة

قطع الطريق الدولية في بريتال أمس احتجاجا على أحداث الحمودية (الوكالة الوطنية) - حرق علم «حزب الله» في البقاع من فيديو انتشر على مواقع التواصل
قطع الطريق الدولية في بريتال أمس احتجاجا على أحداث الحمودية (الوكالة الوطنية) - حرق علم «حزب الله» في البقاع من فيديو انتشر على مواقع التواصل
TT

لبنان يمضي بقرار إنهاء الفلتان الأمني في البقاع الشمالي

قطع الطريق الدولية في بريتال أمس احتجاجا على أحداث الحمودية (الوكالة الوطنية) - حرق علم «حزب الله» في البقاع من فيديو انتشر على مواقع التواصل
قطع الطريق الدولية في بريتال أمس احتجاجا على أحداث الحمودية (الوكالة الوطنية) - حرق علم «حزب الله» في البقاع من فيديو انتشر على مواقع التواصل

تمضي الدولة اللبنانية بقرار الحسم الأمني في منطقة البقاع الشمالي بهدف إنهاء ظاهرة التفلت الأمني والاعتداء على المواطنين، ويتصدر الجيش اللبناني رأس الحربة في هذه المهمة، استكمالاً لخطة تعزيز الأمن في المنطقة الواقعة في شرق لبنان، بعد عام تقريباً على تطهير الجرود الحدودية مع سوريا من التنظيمات المتشددة، وسط دعوات لأن تقترن المهام الأمنية بخطة تنمية وتثبيت الدولة كسلطة وحيدة في المنطقة.
ولم تمر عملية الجيش أول من أمس في بلدة الحمودية التي أفضت إلى الإطاحة بواحد من «أخطر تجار المخدرات» في لبنان من دون تداعيات، تمثلت في قطع للطرقات نفذه محتجون على أحداث بلدة الحمودية، حيث قطعوا الطريق الدولية عند مفرق بلدة بريتال بالإطارات المشتعلة بالاتجاهين. لكن قرار الحسم، يبدو أنه اتخذ على أعلى المستويات، إذ أعلن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أن «شبابنا اليوم معرض لأخطار كثيرة وأهمها المخدرات التي تعصف بهم، والأجهزة الأمنية تقوم بعملها لمكافحة هذه الآفة، علما بأن خطرها بات يطال كل الفئات العمرية وبنسب عالية وهو أمر غير مقبول».
ونوه وزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصراف، في بيان: «بالإنجاز الذي حققه الجيش اللبناني إثر العملية التي نفذها في الحمودية»، وقال: «نفتخر بكل الإنجازات التي يحققها الجيش والجهود التي يقوم بها للحفاظ على الأمن والاستقرار في كل المناطق اللبنانية». وأضاف: «بالأمس انتصار فجر الجرود، واليوم عشية الأول من آب (عيد الجيش)، يستمر الجيش بالضرب بيد من حديد لكل مخل ومعتد ومجرم لينعم الشعب بالأمان والاستقرار».
ومع ظهور تداعيات طفيفة على نطاق ضيق للعملية الأمنية، إلا أنها وصفت بـ«عملية نظيفة»، بحسب ما أكد مصدر عسكري، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن العملية «احتاجت إلى أكثر من شهرين من التحضيرات»، مشيراً إلى أن العملية نظيفة «بدليل التحضير لها وتجهيز العناصر ومشاركة عدة وحدات من الجيش التي نفذت العملية من غير أن يُصاب أي عسكري بأذى».
وبدا أن قرار الحسم لن يتوقف عند هذه العملية، بالنظر إلى أن قرار الحسم تم تفعيله أخيراً. وأشار المصدر العسكري إلى أن أمن المواطنين وتأمين المنطقة «هو ملف أعطاه الجيش أولوية مطلقة بعد تحرير الجرود الشرقية من الإرهاب»، مشدداً على أن العملية «جاءت تطبيقاً لوعود قائد الجيش العماد جوزيف عون بأنه ممنوع المسّ بأمن المواطنين وحياتهم».
لكن قرار الحسم، ليس جديداً، واتخذ عملياً بعد الانتهاء من «تنظيف الجرود»، كون الجيش كان «يركز على الخطر الإرهابي في الحدودي الشرقية»، وكانت بموجبه ألوية كثيرة من الجيش تنتشر في تلك المنطقة لتنفيذ مهمة طرد التنظيمات المتطرفة من المنطقة. وبعد «تنظيف الجرود»، تفرغ الجيش للتعامل مع الهاجس الأمني، وبات التركيز منصباً على هذا الملف. وقال المصدر العسكري: «نحن واعون لحجم الخطر من الجانب الأمني سواءً أكان ناتجاً عن تجار المخدرات أو الخلايا النائمة أو جهات تعمل على زعزعة الأمن، وبات التركيز مشدداً على الملف الأمني»، مؤكداً أن هناك قراراً بالحسم، لكن «التنفيذ هو رهن زمان وتوقيت يختاره الجيش وحده».
ويتعزز القرار بالحسم إثر الترتيبات التي يجريها الجيش ميدانياً، حيث بات حجم انتشاره في المنطقة أكبر من ذي قبل، علما بأنه، عرفاً، ينتشر بحسب ما تقتضيه الحاجة والضرورات.
وتضم المنطقة مئات المطلوبين بمذكرات توقيف غيابية بسبب الاتجار بالمخدرات أو حيازة السلاح أو إطلاق النار على الجيش والقوى الأمنية، فضلاً عن عصابات سرقة السيارات. وبعد الاشتباكات الأخيرة في الشهر الماضي بين مسلحين من العشائر، فر كثير من المطلوبين باتجاه الأراضي السورية.
وتحظى المقاربة الأمنية لحسم ملف التدهور الأمني في منطقة البقاع الشمالي، بتأييد سياسي، عبر عنه عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) أنطوان حبشي بالقول: «كلنا داعمون للقوى الأمنية، ولا يحق لأحد إطلاق النار على القوى الأمنية»، لكنه ينظر إلى المقاربة على أنها غير مكتملة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «أي مواطن يرى الدولة بالزي العسكري فقط، ولا يراها بالتنمية والمسألة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، سيكون متوجساً». وأضاف: «صحيح أن الخطة الأمنية أساسية، لكنها لا تحل المشكلة القائمة في البقاع الشمالي بشكل جذري، بالنظر إلى أنه من الضروري أن تواكب بدخول الدولة إلى بعلبك الهرمل بكل الاتجاهات، وتكون معنية بالمواطن».
وقال حبشي، وهو ممثل «القوات اللبنانية» في البرلمان عن المقعد الماروني في بعلبك - الهرمل: «يجب أن تكون الدولة معنية بشكل أساسي بالمواطن وحاجاته وتنمية المنطقة»، لافتاً إلى أن التأخير في إطلاق عجلة التنمية بعد الانتخابات النيابية «ينتظر تشكيل الحكومة، وتنفيذ مقررات مؤتمر (سيدر - 1) الذي سيخصص جزءاً منه للإنماء في المنطقة».
غير أن الإنماء وحده، لا يختصر المشكلة في المنطقة، كاشفاً أن المعوقات تتمثل في أن الدولة ليست المرجع الوحيد في المنطقة، بالنظر إلى أن «هناك أحكاماً قضائية لا تطبق، في ظل سلطة الأمر الواقع، وقوانين لا تُنفذ، وملفات إشكالية أخرى مثل مسألة التوزيع العادل لمياه الري ووضع الأيدي على الأراضي وغيرها». وقال حبشي: «كيف تكون الدولة حاضرة من غير تطبيق القوانين، ولا تمتلك السلطة على تنفيذها، أو لا تنفذ الأجهزة الأمنية الأحكام؟». وشدد على ضرورة أن تكون الدولة «حاضرة فعلياً، وتكون السلطة الوحيدة في المنطقة، ولا يشاركها فيها أحد».
وعما إذا كان هناك رهان على الخطة الأمنية لتفعيل حضور الدولة لتطبيق القانون وتنفيذ القرارات، أكد حبشي أن القانون يحتاج إلى قوة تحميه، مضيفاً: «عندما يتم توقيف المطلوبين، ستكون هناك قوة رادعة للمخالفات وللخروج عن القانون»، لكنه لفت إلى أن الخروج عن القانون «ينطلق من أن الدولة لا توفر لهذا المخالف الحد الأدنى من المقومات الاقتصادية»، آملاً أن تكون الإجراءات الرسمية «متكاملة تشمل التنمية وتعزيز حضور الدولة إلى جانب تنفيذ الخطة الأمنية، وتكون الدولة هي السلطة الفعلية والوحيدة في المنطقة».
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمجموعة من الشبان أثناء اعتصامهم في قضاء بعلبك وهم يحرقون علم «حزب الله»، وذلك احتجاجاً على المداهمات الأخيرة التي نفذها الجيش في بريتال لاعتقال عدد من المطلوبين والتي أسفرت عن مقتل تاجر مخدرات.
ويظهر في الفيديو شبان وهم يلقون اللوم على النائب حسين الحاج حسن قائلين: «لقد قدّمت بلدتنا 11 شهيداً في معركة فجر الحمودية وليس معركة فجر الجرود، وهو بدوره مسرور لإعادة إعمار سوريا».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».