850 نازحاً في عرسال يعودون إلى سوريا

ترقب رجوع الحريري لتشكيل لجنة أمنية وتقنية تنسق مع موسكو

أطفال سوريون نازحون في شاحنة عند نقطة تفتيش لبنانية في طريقهم إلى القلمون السوري (أ.ف.ب)
أطفال سوريون نازحون في شاحنة عند نقطة تفتيش لبنانية في طريقهم إلى القلمون السوري (أ.ف.ب)
TT

850 نازحاً في عرسال يعودون إلى سوريا

أطفال سوريون نازحون في شاحنة عند نقطة تفتيش لبنانية في طريقهم إلى القلمون السوري (أ.ف.ب)
أطفال سوريون نازحون في شاحنة عند نقطة تفتيش لبنانية في طريقهم إلى القلمون السوري (أ.ف.ب)

سلك أمس نحو 850 نازحا سوريا الطريق من بلدة عرسال اللبنانية الحدودية باتجاه بلداتهم وقراهم في منطقة القلمون من الجانب السوري، بعدما كان قد سبقهم إليها نحو ألف آخرين في الأشهر القليلة الماضية شجعوهم على العودة وأبلغوهم بانطلاق عملية إعادة الإعمار ولو على مستويات ضيقة، وإن كان عدد منهم ترك أفرادا من عائلته في لبنان بانتظار تبيان وضع ممتلكاته وترتيب أوضاعه في سوريا.
ومن المتوقع أن تتصاعد عملية العودة قريباً لتتخذ طابعاً رسمياً مع الإعلان عن اتفاق أميركي - روسي على إعادة نحو مليوني نازح سوري إلى بلدهم بينهم 890 ألفاً موجودين حاليا في لبنان. وأفاد مصدر مقرب من رئاسة الحكومة اللبنانية بأنه فور عودة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى بيروت في الساعات القليلة المقبلة فسيتم اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة في ما يتعلق بخلق الإطار الذي سيتولى التواصل مع الجهات المعنية لتحديد الخطوات العملية لإتمام العودة. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «اللجنة التي سيتم تشكيلها أمنية - تقنية، وجهاز أمني لبناني سيتولى هذه العملية».
وتُعد الدفعة التي غادرت أمس، الكبرى مقارنة بالدفعات الـ3 الأخرى التي انطلقت منذ أبريل (نيسان) الماضي وشملت 500 نازح من بلدة شبعا في جنوب شرقي لبنان غادروا إلى بلدة بيت جن عند المقلب الشرقي لجبل الشيخ، لحقهم آخرون على دفعتين تركوا عرسال إلى قرى القلمون في يونيو (حزيران) الماضي ويوليو (تموز) الحالي.
وأوضحت نائبة رئيس بلدية عرسال ريما كرنبي، أن نحو ألفي نازح غادروا البلدة التي تُعد أكبر تجمع للنازحين السوريين، في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن كانوا قد سجلوا أسماءهم لدى الأمن العام اللبناني، لافتة إلى أن ألفاً آخرين سيغادرون أيضاً قريباً؛ على أن يحدد الجهاز الأمني اللبناني الموعد بعدما وافقت السلطات السورية على لائحة الأسماء التي رُفعت إليها وضمت 3 آلاف اسم. وأشارت كرنبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى حماسة لدى النازحين المغادرين باعتبار أن من سبقهم أبلغهم بانطلاق عملية إعادة الإعمار في القلمون، علما بأن المنطقة هناك لم تتعرض إلى دمار كبير، وبالتالي الكل يتوق للذهاب لترتيب أوضاعه وحجز مكان له في هذه العملية. وأضافت: «كما أن بعض التسهيلات التي أعلن النظام في سوريا عن تقديمها للمتخلفين عن خدمة العلم؛ سواء من خلال إعطائهم مهلة سماح لـ6 أشهر وراتباً أفضل، كما حصر الخدمة بعام واحد بدلا من العامين، كلها عوامل ساهمت بزيادة عدد الراغبين بالعودة».
واغرورقت عينا إحدى النسوة بالدموع لدى حديثها إلى الكاميرا أثناء انتقالها من عرسال إلى بلدتها في القلمون الغربي عبر إحدى الحافلات الصغيرة، وأشارت إلى أنها تتوق للعودة إلى منزلها لكنها متأثرة لأنها مضطرة لترك أحد أفراد عائلتها في لبنان على أن يلحق بهم قريبا. وكما هذه المرأة الأربعينية، كذلك بدا أحد الرجال خمسيني العمر متحمسا لتوجهه إلى بلدته السورية، لافتا إلى أنه يغادر وحيدا حتى ترتيب أوضاعه، على أن يلحق به أفراد عائلته في وقت قريب. بالمقابل، استغرب أحد النازحين الموجودين في عرسال، وهو شاب ثلاثيني، حماسة المغادرين في القافلة التي انطلقت أمس، وتساءل: «ما الذي يجعلهم تواقين للعودة؟ ألا يخشون على أرواحهم؟».
من جهته، أكد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، انطلاق عملية إعادة الإعمار في القلمون الشرقي والغربي على حد سواء، لافتا إلى أن القانون رقم «10» يسرع عودة اللاجئين وإعادة الإعمار باعتبار أن المالكين يتخوفون من خسارة عقاراتهم. وأضاف عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، أن «موسكو بدأت اتصالاتها مع دول وشركات لإطلاق عملية إعادة الإعمار على نطاق واسع، وهي تتواصل مع تركيا وقطر في هذا الخصوص».
من جهتها، أشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أن عملية عودة طوعية لنحو 850 من النازحين السوريين في عرسال، تمت أمس بإشراف الأمن العام اللبناني ومكتب مفوضية شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة وسط إجراءات للجيش اللبناني ومخابرات الجيش، بمشاركة فرق إسعاف وعيادة متنقلة تابعة للصليب الأحمر اللبناني. وأفيد عن استحداث الأمن العام اللبناني مركزا عند نقطة وادي حميد، حيث تم تسجيل المغادرين باتجاه معبر الزمراني إلى الداخل السوري بواسطة آليات خاصة من مختلف الأنواع من سيارات سياحية وجرارات زراعية وعربات نقل ودراجات من مختلف الأنواع. واتجه معظم المغادرين أمس إلى بلدات الجراجير وراس المعرة وفليطة وقارة في القلمون الغربي.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم