نتنياهو يصدر تعليمات مضللة لصد موجة انتقادات لقانون القومية

المجلس الوطني الفلسطيني يطالب بمعاقبة الكنيست على إقراره القانون

TT

نتنياهو يصدر تعليمات مضللة لصد موجة انتقادات لقانون القومية

توجه المجلس الوطني الفلسطيني برسالة إلى الاتحادات البرلمانية الدولية، يناشدها أن تعلن رفضها واستنكارها لـ«قانون القومية اليهودية» الذي أقرّه الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، بهدف تغليب العرق اليهودي على العربي داخل إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة. ودعا المجلس البرلمانات المختلفة إلى معاقبة إسرائيل على هذا القانون الذي يعتبر عنصرياً ومخالفاً للعرف والتقاليد البرلمانية.
ورأى المجلس الفلسطيني، في بيان رسمي له أمس، أن هذا القانون الإسرائيلي «يجمع في مواده كل مواصفات الجريمة المثبتة بحق الشعب الفلسطيني»، وأشار إلى أنه، وبحسب القانون الجديد، أصبح تقرير المصير حقاً «حصرياً للشعب اليهودي»، منوهاً بأن القانون يهدف إلى «تزوير التاريخ والحقائق، ومصادرة حقوق شعبنا في تقرير مصيره على أرضه التي عاش فيها منذ ما يزيد على 6 آلاف عام».
وشدد المجلس على أن «الدولة التي تعتبر تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته، كما ورد في القانون، يجب مقاطعتها ومحاصرتها وفرض العقوبات عليها حتى تلتزم بالقانون الدولي، بصفتها دولة مارقة تشجع على العنف، وتدمر حل الدولتين المعترف به دولياً».
وأكد على أن «مرجعية حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، بتقرير مصيره وعودته إلى أرضه، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها مدينة القدس، ليست القوانين التي يصادق عليها كنيست الاحتلال الإسرائيلي، إنما هي مرجعية طبيعية وتاريخية وقانونية محمية بالقانون الدولي ومئات القرارات الدولية»، ودعا البرلمانات الدولية إلى اتخاذ الإجراءات العقابية بحق «الكنيست» لانتهاكاته المتواصلة للقانون الدولي.
تجدر الإشارة إلى أن موضوع القانون العنصري استحوذ على شعارات المظاهرات السلمية الأسبوعية التي جرت أمس (الجمعة) في نعلين وبلعين وكفر قدوم، وغيرها من البلدات في الضفة الغربية. واعتبره المتظاهرون أخطر القوانين الإسرائيلية منذ قانون ضم القدس الشرقية وهضبة الجولان السورية إلى «السيادة الإسرائيلية»، ودعوا إلى مقاومته واستغلاله لفضح وجه إسرائيل كدولة «أبرتايد».
وفي مواجهة الانتقادات الواسعة في الشارع الإسرائيلي والدولي التي تعالت ضد القانون، عمم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، «ورقة رسائل» على وزرائه، ليستخدموها خلال المقابلات الصحافية. وعلى الرغم من أن هذا القانون العنصري يرسخ التمييز ضد العرب ولغتهم، فإن نتنياهو اعتبر في «ورقة الرسائل» أنه «لن يتم المس باللغة العربية»، وأن «القانون ضروري». كما زعم في ورقته أن «الكثير من البنود في القانون تظهر في دساتير دول ديمقراطية غربية مختلفة». وادعى نتنياهو أن «إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. وهذا المبدأ الأساسي يظهر في كل الوثائق الأساسية الوطنية والدولية المتعلقة بدولة إسرائيل: من وعد بلفور، مروراً بكتاب تفويض الانتداب البريطاني، وقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة، وحتى وثيقة الاستقلال».
وعاد نتنياهو لتكرار الادعاء بأن إسرائيل هي «دولة يهودية وديمقراطية»، علماً بأن الكثير من الإسرائيليين يؤكدون على أن هذا مزيج غير معقول، وأنه إما تكون يهودية أو ديمقراطية. كذلك ادعى نتنياهو أن «قانون القومية»، وهو قانون أساس يعتبر في إسرائيل بمثابة قانون دستوري، لا يتناقض مع «قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته».
ورد ناطق باسم القائمة المشتركة على رسالة نتنياهو، قائلاً: «لدينا رئيس حكومة لا يتردد في الكذب. فالنصوص واضحة، وكلها تشير إلى أن قانون القومية يتعامل مع المواطن العربي بعنصرية، ويشجع الاستيطان اليهودي على حسابه، ويمنعه من السكن في قرابة ألف بلدة، كما أنه يستهدف اللغة العربية، وعاصمة تراثه، أي القدس المحتلة، ويخفض مكانة اللغة العربية التي تعتبر الآن لغة رسمية ثانية في إسرائيل، إلى لغة ذات مكانة خاصة» ضمن قانون آخر، وأكد أن «قانون القومية» يشجع الاستيطان لليهود فقط، ويقونن مخططات التهويد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.