مخاوف من تداعيات احتجاجات العراق

استمرت لليوم الـ12 وحصدت مئات الضحايا

TT

مخاوف من تداعيات احتجاجات العراق

أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن أكثر من 600 شخص؛ بينهم رجال أمن، سقطوا في المظاهرات والاحتجاجات التي لا تزال مستمرة لليوم الثاني عشر على التوالي. وقال الدكتور أنس العزاوي عضو مفوضية حقوق الإنسان بالعراق في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «مكاتب المفوضية رصدت منذ اليوم الأول للاحتجاجات في البصرة مظاهر التعدي من قبل الطرفين»؛ سواء من رجال الأمن أو من المتظاهرين.
وأضاف: «لاحظنا استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين المطالبين بحقوق طبيعية، وكذلك فإن القوة من جانب المتظاهرين ضد رجال الأمن تمثل انتهاكا لسلمية التظاهر التي كفلها الدستور». وأضاف العزاوي أن «المكاتب التابعة للمفوضية في محافظات الوسط والجنوب كانت في بعضها جزءاً من اللجان الرئيسية لتسلم مطالب المتظاهرين حتى نكون على تواصل مع الجميع. وبينما كنا نرصد حالات التعدي تعرض مدير أحد مكاتبنا إلى اعتداء»، وبيّن أن «الأرقام المعلنة لعدد الضحايا من الطرفين صحيحة تماما، وهو ما يدعونا إلى التأكيد على أهمية أن يلتزم الطرفان؛ المتظاهرون والقوات الأمنية، بالقانون والأصول». وأوضح أنه «في الوقت الذي يطالب فيه المتظاهرون بحقوق طبيعية، وهي نتيجة تراكم سنوات من الأداء الحكومي الفاشل؛ فإن رجل الأمن مكلف هو الآخر بمهمة حفظ الأمن والمنشآت العامة التي جرى الاعتداء عليها من قبل بعض المتظاهرين».
وأوضح العزاوي أن «المفوضية أعدت مستندات رسمية تتضمن مواقف وإحصاءات دقيقة سيتم إطلاع رئاسة الوزراء عليها لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، فضلاً عن الأمم المتحدة من خلال بعثتها لدى العراق، وكذلك مجلس حقوق الإنسان العالمي، حتى لا تأتي المعلومات وبشكل مغلوط من جهات أخرى بهدف خلط الأوراق».
وكشف العزاوي عن مقتل 12 متظاهرا من المدنيين وإصابة نحو 571 شخصا؛ من بينهم 195 جريحا مدنيا، و371 من القوات الأمنية. ولحقت أضرار بـ47 مبنى؛ من بينها 18 مقراً حكومياً، و22 مبنى مقرات لأحزاب، إضافة إلى 7 مبان سكنية، وحرق 25 سيارة وكرفانا.
وأشار إلى أن «المفوضية وثقت اعتقال 302 متظاهر؛ قسم منهم كان من دون مذكرات قبض وبشكل عشوائي». غير أن نقابة المحامين في محافظة المثنى جنوب العراق أعلنت عن إطلاق سراح جميع المتظاهرين الذين ألقي القبض عليهم في المحافظة والبالغ عددهم 70 شخصا، ما عدا 4 أقيمت ضدهم دعاوى شخصية من جهات حزبية بتهم تتعلق بحرق مقار والقيام بأعمال تخريب. وقال مسؤول فرع نقابة المحامين في المثنى صالح العبساوي في تصريح صحافي إن «جميع المتظاهرين الذين اعتقلوا أطلق سراحهم بعد عرضهم على القضاء، بكفالات مالية». وأضاف أن «فرع النقابة عمل على تشكيل هيئة للدفاع عن المعتقلين، ونظم وكالات خاصة للمرافعة أمام القضاء»، مشيرا إلى أن «النقابة ستعمل على إيجاد مخرج قانوني للمتهمين الذين لم يطلق سراحهم لارتباط الإفراج عنهم بكفالات مالية».
وتعد المظاهرات المستمرة حاليا في العراق هي الأكبر من نوعها منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. ورغم انطلاق احتجاجات وبشكل مستمر كل يوم جمعة في عدد من المحافظات؛ وفي مقدمتها العاصمة بغداد، فإنها لم تشهد هذا المستوى من أعمال العنف أو عدد الضحايا كما في الأيام الأخيرة.
ورأى مراقبون سياسيون في العراق أن السبب الرئيسي لهذه المظاهرات هو تراكمات الفشل بسبب الفساد المالي والإداري الذي عجزت كل الحكومات التي توالت على السلطة في العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم، عن معالجته والحد منه.
وفي هذا السياق، قال عضو البرلمان العراقي السابق رحيم الدراجي لـ«الشرق الأوسط» إن «مجموع ما دخل ميزانية العراق منذ استئناف صادرات النفط العراقي عام 2004 وحتى اليوم هو نحو ألف مليار (تريليون) دولار؛ منها 800 مليار مبيعات نفط، ونحو 200 مليار دولار معونات وقروض»، وبيّن أنه «رغم هذه المبالغ الهائلة، فإننا نشاهد اليوم كل هذه الأعداد الغفيرة من المواطنين يحتجون ويتظاهرون في محافظات الوسط والجنوب ولم يحصلوا على أي شي من هذه الأموال». وأضاف الدراجي أن «مجموع ما تم هدره بسبب الفساد المالي والإداري هو 320 مليار دولار، وهي مبالغ كافية لبناء البلد، بينما ذهبت كلها إلى جيوب الفاسدين»، موضحا أن «المواطن العراقي بدأ يعرف هذه الحقيقة ويتعامل معها يوميا، ولذلك لم يعد أمامه سوى التظاهر والاحتجاج وبغضب من أجل وضع حد لهذا الاستهتار بأبسط حقوقه؛ وهي الماء والكهرباء والبنى التحتية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.