ارتفاع قيمة أنشطة الدمج والاستحواذ عالمياً

TT

ارتفاع قيمة أنشطة الدمج والاستحواذ عالمياً

حققت أنشطة الدمج والاستحواذ العالمية انطلاقة قوية خلال النصف الأول من عام 2018، حيث ارتفع إجمالي الصفقات العالمية من حيث القيمة بنسبة 59 في المائة، ليصل إلى 2.5 تريليون دولار، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك رغم انخفاض حجم الصفقات بنسبة 12 في المائة.
وواصلت سوق منطقة الشرق الأوسط تحقيق أداء استثنائي، من حيث أنشطة الدمج والاستحواذ، التي ارتفعت قيمة تلك الصفقات فيها بنسبة 62 في المائة للنصف الأول من عام 2018، مقارنة بالنصف المقابل لعام 2017، وذلك وفقاً لأحدث تقرير صادر عن شركة المحاماة العالمية «بيكر مكنزي».
واتسمت عمليات الدمج والاستحواذ الكلية خلال النصف الأول من عام 2018 بقلة حجمها وارتفاع قيمتها، فقد انخفضت عمليات الدمج والاستحواذ العابرة للحدود من حيث الحجم بنسبة 14 في المائة، غير أن قيمتها الإجمالية قفزت بنسبة 81 في المائة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وبالمثل، شهدت الصفقات المحلية انخفاضاً من حيث الحجم بنسبة 12 في المائة، في حين ارتفعت القيمة الإجمالية لتلك الصفقات بنسبة 46 في المائة، مقارنة بالعام السابق.
وواصلت الولايات المتحدة الأميركية حفاظها على مكانتها، كواحدة من أكثر المناطق استحواذاً واستهدافاً على النطاق العالمي في النصف الأول من عام 2018، حيث بلغت إيرادات الصفقات العابرة للحدود الصادرة منها 419 مليار دولار، بزيادة قدرها 51 في المائة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2017. وفي المملكة المتحدة، ارتفعت قيمة الصفقات العابرة للحدود والصفقات المحلية بنسبة غير مسبوقة، بلغت 130 في المائة و96 في المائة، على التوالي.
ويعود ذلك إلى توجه المملكة المتحدة نحو استكشاف فرص استثمارية في الخارج، لا سيما في أعقاب تطورات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما أحرزت أنشطة الدمج والاستحواذ الصينية العابرة للحدود تقدماً لافتاً، على الرغم من القيود الصارمة الأكثر تشدداً المطبقة على التعاملات الصينية، حيث بلغت قيمة الصفقات الواردة 33 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي قيمة الصفقات الصادرة 75.9 مليار دولار.
وخلال النصف الأول من عام 2018، كان قطاع التكنولوجيا المتقدمة هو الرابح الأكبر، من حيث إجمالي حجم صفقات الدمج والاستحواذ العالمية، إذ استأثر بحصة بلغت نسبتها 18 في المائة. ومع ذلك، اجتذب قطاع الطاقة والكهرباء أكبر صفقات الدمج والاستحواذ، من حيث إجمالي القيمة التي بلغت 379 مليار دولار، وهو ما يمثل 15 في المائة من القيمة الكلية لصفقات الدمج والاستحواذ العالمية.
عمليات الدمج والاستحواذ في الشرق الأوسط
كانت نسبة 65 في المائة من جميع أنشطة الدمج والاستحواذ في الشرق الأوسط ذات طبيعة عابرة للحدود في النصف الأول من عام 2018، وواصلت دولة الإمارات العربية المتحدة حفاظها على مكانتها، كقوة دافعة لصفقات الدمج والاستحواذ الواردة والصادرة في المنطقة. كما ارتفعت القيمة الإجمالية لصفقات الدمج والاستحواذ في الشرق الأوسط كافة بنسبة 62 في المائة في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، لتقفز من مبلغ 15.7 مليار دولار إلى مبلغ 25.4 مليار دولار، مع بقاء حجم الصفقات عند مستويات مشابهة.
وارتفعت عمليات الدمج والاستحواذ العابرة للإقليم أيضاً من حيث القيمة (بزيادة 22 في المائة) والحجم (بزيادة 13 في المائة) في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، حيث صنّفت صفقة استحواذ بنك «الإمارات دبي الوطني» على «دينيز بنك إيه إس»، بمقره في تركيا، بقيمة 3.2 مليار دولار، كأكبر وأهم صفقة عابرة للحدود الإقليمية للنصف الأول من عام 2018.
وارتفعت قيمة الصفقات المحلية في النصف الأول بمقدار 3 أضعاف، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، مدفوعة إلى حد كبير بدعم صفقة الاندماج قيد الإنجاز بين البنك السعودي البريطاني (ساب) والبنك الأول في المملكة العربية السعودية، بقيمة 5 مليارات دولار.
وارتفعت قيمة الصفقات العابرة للإقليم المستهدفة لمنطقة الشرق الأوسط من 6.4 مليار دولار في النصف الأول من عام 2017 إلى 8.1 مليار دولار في النصف الأول من عام 2018.
وقد اكتسبت أنشطة الصفقات الواردة زخماً كبيراً ناتجاً عن الاستحواذ على امتيازات حقل نفط شركة بترول أبوظبي الوطنية من قبل شركة «أو إم جي إيه في» النمساوية، وشركة «توتال» للنفط والغاز الفرنسية العملاقة، التي بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار. كما ارتفع حجم الصفقات بنسبة 26 في المائة في النصف الأول من عام 2018، حيث بلغ إجمالي عدد الصفقات الواردة 54 صفقة، مقارنةً بالنصف الأول من عام 2017.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.