قمة هلسنكي: حسابات الربح والخسارة في ملفات ترمب ـ بوتين

بوتين يهدي ترمب كرة قدم من كأس العالم التي استضافتها روسيا خلال قمتهما أول من أمس في هلسنكي (أ.ف,ب)
بوتين يهدي ترمب كرة قدم من كأس العالم التي استضافتها روسيا خلال قمتهما أول من أمس في هلسنكي (أ.ف,ب)
TT

قمة هلسنكي: حسابات الربح والخسارة في ملفات ترمب ـ بوتين

بوتين يهدي ترمب كرة قدم من كأس العالم التي استضافتها روسيا خلال قمتهما أول من أمس في هلسنكي (أ.ف,ب)
بوتين يهدي ترمب كرة قدم من كأس العالم التي استضافتها روسيا خلال قمتهما أول من أمس في هلسنكي (أ.ف,ب)

أما الآن وقد بدأ غبار قمة هلسنكي في الانقشاع، هل يمكن القول إنه كان هناك رابح وخاسر في لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يوم الاثنين؟ قد يبدو للوهلة الأولى أن بوتين خرج منتصراً لأن مجرد انعقاد قمة مع أكبر زعيم دولة غربية، أخرج بلاده من عزلة كانت جهات عدة تحاول فرضها عليها. وما زاد الشعور بهذا الانتصار أن ترمب نفسه وجّه انتقادات للأجهزة الأمنية الأميركية وأعلن صراحة أنه «يصدّق» نفي بوتين لتدخل استخبارات بلاده في الانتخابات الأميركية عام 2016.
لكن الحقيقة أن معايير الربح والخسارة لا يمكن قياسها اعتماداً فقط على ما قيل في المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين. المحك الأساسي، هنا، لقياس الربح والخسارة قد لا يكون واضحاً للعين المجردة، لأنه يعتمد، في جزء منه، على ما حصل في خلوة ترمب وبوتين والتي دامت ساعتين (ضعف موعدها المحدد). لا يعرف فحوى هذه الخلوة سوى الرئيسين ومترجميهما، وفيها يمكن قياس الربح والخسارة بناء على ما قدّم هذا الطرف أو ذاك للآخر من تنازلات ووعود، في كل الملفات المعروضة على طاولتهما مثل سوريا وإيران وأوكرانيا وتدخلات روسيا في دول غربية، مثل بريطانيا. والأرجح أن الرئيسين، في خلوتهما، قدّما تنازلات، وحصلا على تنازلات مقابلة. فقواعد البيع والشراء والتفاوض تحتم ذلك.
كانت سوريا من بين نقاط الاتفاق الأوضح بين الرئيسين، فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً فيما يخص نشاط إيران وميليشياتها في الجنوب السوري. فقد كشف الرئيس الأميركي أن نظيره الروسي يأخذ في الاعتبار أمن إسرائيل فيما يخص الوضع في سوريا، وهو ما أكده بوتين نفسه عندما شدد على ضرورة إعادة تطبيق اتفاق الهدنة وسحب القوات السورية من المنطقة الفاصلة في الجولان.
وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي لم يتحدث صراحة عن سحب إيران وميليشياتها من الجنوب السوري، فإن حديثه عن ضمان «سلام» حدود إسرائيل يتطلب إبعاد الإيرانيين عنها، وهو أمر تمسك الإسرائيليون به أكثر من مرة. والأرجح أن بوتين قد أطلع ترمب بالتفصيل على المفاوضات التي تردد أنها جرت، عبر الوسيط الروسي، بين الإسرائيليين والإيرانيين خلال وجود بنيامين نتنياهو وعلي أكبر ولايتي في موسكو الأسبوع الماضي. وهي مفاوضات يفترض أنها تركزت على مسألة سحب إيران ميليشياتها من جنوب سوريا.
وفي حين لم يتحدث الرئيسان عن الانتقال السياسي في سوريا ولا مصير الرئيس بشار الأسد، إلا أن ترمب كان واضحاً عندما قال إنه لن يسمح لإيران بأن تستفيد من جهود أميركا وحلفائها في القضاء على آخر جيوب «داعش»، في إشارة إلى تمسك الأميركيين بعدم السماح لإيران بالتمدد شرق الفرات. لكن ليس واضحاً هل هذا يعني بقاء الجنود الأميركيين هناك أو سحبهم في المستقبل «القريب»، كما وعد ترمب نفسه قبل شهور.
ومن بين نقاط الاتفاق الأخرى في الشأن السوري استمرار التعاون العسكري بين الأميركيين والروس، وتقديم مساعدات إنسانية للنازحين السوريين.
في الاتفاق النووي الإيراني، لا يبدو أن الرئيسين توصلا إلى اتفاق. فقد تمسك بوتين ببقاء العمل بهذا الاتفاق ودافع عن مزاياه، على الرغم من انسحاب ترمب منه وإعادة فرضه العقوبات التي كانت مفروضة على الإيرانيين قبل توقيعه. لكن لم يتضح ما إذا كان الرئيسان قد ناقشا تفصيلاً خطة أميركا لـ«تصفير» صادرات النفط الإيرانية، ومعاقبة الشركات التي تتعامل معها. لكن كان لافتاً، في هذا المجال، اتفاق بوتين وترمب على التعاون لضمان استقرار سوق النفط والغاز في العالم.
كان واضحاً أن من مجالات الاتفاق الأخرى بين الرئيسين التعاون الاستخباراتي والأمني، لا سيما في شأن تهديدات الجماعات المتطرفة، مثل «داعش» و«القاعدة». ولا يُعتقد أن هذا التعاون يمكن أن يكون شاملاً، بسبب انعدام الثقة بين أجهزة أمن البلدين. ولذلك فالمرجح أن يكون التعاون محصوراً بالتهديدات الأمنية، بحيث يبلغ الأميركيون نظراءهم الروس، أو بالعكس، بأي معلومات يمكن أن يحصلوا عليها في شأن تهديد إرهابي ما، كما حصل العام الماضي عندما أحبطت روسيا، بناء على معلومات أميركية، مؤامرة إرهابية في سان بطرسبرغ. ويتوقع أيضاً أن يتعاون البلدان في مجال خفض التسلح، وقد يكون ذلك عبر إطلاق مفاوضات تؤدي في نهاية المطاف إلى نسخة ثالثة من اتفاقات «ستارت» لخفض ترسانات الأسلحة الأميركية والروسية.
ولم يتضح ما إذا كان الرئيسان قد توصلا إلى تفاهمات غير علنية في شأن أوكرانيا. لكن الرئيس الروسي كشف أن ترمب يختلف معه في شأن القرم وضمها إلى روسيا ويعتبر ذلك غير شرعي، لكنه هو يعتبر ذلك شرعياً. أما في شأن الأزمة الأوكرانية في شكل أشمل فقد كرر الروس تمسكهم باتفاق مينسك لخفض التصعيد في شرق أوكرانيا، بما في ذلك وقف النار وفصل القوات المتحاربة وبدء حوار سياسي بين الجماعات المدعومة من موسكو وحكومة كييف.
ولم يتطرق الرئيسان في مؤتمرهما الصحافي إلى الخلافات البريطانية - الروسية على خلفية عملية تسميم الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال وابنته يوليا بغاز «نوفيتشوك» في مدينة سالزبري، جنوب إنجلترا، في مارس (آذار) الماضي، وهي قضية تسببت في أكبر عملية طرد للدبلوماسيين الروس من الدول الغربية. وشهدت هذه القضية تداعيات جديدة قبل أيام عندما تسبب السم ذاته في وفاة امرأة بريطانية وإصابة صديقها إصابات خطيرة. ويبدو في حكم المؤكد أن ترمب قد أثار هذه المسألة مع بوتين في لقائهما الانفرادي، خصوصاً أنه ذهب إلى قمة هلسنكي مباشرة من بريطانيا حيث التقى نظيرته تيريزا ماي وناقش معها هذه المسألة.
ومن بين نقاط الاتفاق الأكثر إثارة للحساسية بين ترمب وبوتين قضية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية. وقد أثار موقف ترمب من هذا المسألة عاصفة انتقادات في الولايات المتحدة نفسها. وإشكالية كلامه في المؤتمر الصحافي أنه بدا مسانداً للموقف الروسي ومؤيداً لعرض بوتين التعاون في التحقيق ومشككاً في معلومات أجهزة أمن بلاده، طارحاً تساؤلات علنية في شأن أدلتها على التدخل الروسي.
وعلى الرغم من أن تساؤلات ترمب مشروعة، فإن إدلاءه بها علناً، وبجانب الرئيس الروسي، سمح لخصومه بشن حملة ضده. وربما كان ممكناً تلافي ذلك كله لو أعلن ترمب موقفاً مماثلاً لما أدلى به بوتين، وهو موقف يقوم على أن الأمر في يد القضاء الأميركي ويجب ترك العملية القانونية تسلك مسارها الصحيح. لكن الأرجح أن ترمب يشعر بأن هناك في داخل أجهزة بلاده، وداخل شريحة من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام، من لم يغفر له فوزه غير المتوقع على غريمته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ويريد بالتالي إبقاء ملف التدخل الروسي في الانتخابات سيفاً مسلطاً على رقبة إدارته.
نوقشت ملفات أخرى عدة في القمة، تم التحدث عن بعضها في المؤتمر الصحافي في حين بقيت أخرى طي كتمان أروقة قصر الرئاسة الفنلندي الذي استضاف الرئيسين الأميركي والروسي. وفي هذه الملفات قد يكون حصل أيضاً اتفاق على بعضها واختلاف على بعضها الآخر.
لكن حسابات الربح والخسارة لا بد من أن تأخذ في الاعتبار في نهاية المطاف أن الرئيس الأميركي رجل لم يخش خوض التحدي الصعب وهو إعادة إطلاق مسار العلاقات مع روسيا، في مواجهة معارضة واسعة في بلده وفي الكثير من البلدان الغربية الأخرى. وبهذه السياسة، يكون ترمب قد خاض مغامرة ومجازفة على المدى القصير. لكن نجاح هذا المسار في تفادي أزمات عالمية وفي حل بعضها أو التخفيف من آثارها، سيعني أن المنتصر الأكبر في نهاية المطاف هو ترمب، وتكريس سياسة الحوار عوضاً عن المواجهة. لكن نجاح ترمب هنا مشروط أيضاً بتعاون بوتين، والانتصار سيُحسب لهما سوياً.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.