مذكرات حمادي الجبالي الحلقة (3): كنت أميل عاطفيا إلى اليسار الفرنسي

{ديمقراطية} إيران وإسرائيل.. إقصائية > بداية عمل «النهضة» كانت بعيدة عن السياسة

الجبالي وأحد أقربائه عندما كان شابا يجلسان على حائط بالقرب من منزله
الجبالي وأحد أقربائه عندما كان شابا يجلسان على حائط بالقرب من منزله
TT

مذكرات حمادي الجبالي الحلقة (3): كنت أميل عاطفيا إلى اليسار الفرنسي

الجبالي وأحد أقربائه عندما كان شابا يجلسان على حائط بالقرب من منزله
الجبالي وأحد أقربائه عندما كان شابا يجلسان على حائط بالقرب من منزله

بعد جلساتي التوثيقية مع حمادي الجبالي، خطر على بالي، وفي عدة مناسبات، أنه لو لم يكن إسلاميا، أو سياسيا، فماذا يمكن أن يكون.
هو مهندس، مهتم بالقطاعات العلمية وبمجال الطاقة، ولم تخلُ جلسة من جلساتنا من إطلاعي على أحد برامجه التي يطلعني عليها بكل شغف وتطلع لإنجازها، والجملة الحاضرة دائما أن ضيق الوقت هو المانع، مشاريع مصغرة قد تبدأ من ضيعات أو مصانع بسيطة، لكن الطموح هو تطبيقها على مستوى كل البلاد، وحتى خارجها.
آيديولوجيا، وبعد أن حدثني عن شغفه في شبابه بالبحث، وجدت في كلامه ما توقعت، فقد تحدث عن ميله العاطفي إلى اليسار الفرنسي لدى إقامته في فرنسا، وبحثه في أي تجربة ثورية يمكن أن تتطابق مع محيطه الاجتماعي لبعث تنظيم، وكان في الوقت نفسه يبحث عن تنظيم يمكن أن يستوعب أفكاره وحماسه الشبابي، وفي هذه الحلقة، لم أجد أجوبة، بل تساؤلات بقيت مفتوحة، وهي: لو لم ينضم الجبالي إلى النهضة، لو لم يكن إسلاميا، فماذا يمكن أن يكون؟

* الانضمام إلى النهضة

* البداية مع التوجه الإسلامي كانت في باريس، بعدما اتصلت بنا المجموعة في تونس، وكانوا من الطلبة خريجي الجامعات، مثل صالح كركر، راشد الغنوشي، محمد صالح النيفر، ومجموعة من الطلبة الذين بدأوا الحركة الإسلامية، وفي ذلك الوقت كانوا في المرحلة الأولى من تنظيم أنفسهم، وكانت مرحلة التجميع والتنظيم والبحث عن هيكلية مناسبة للعمل.
ولم يكن التوجه هو البحث عن نخبة، لكن الأمور جاءت بطبيعتها، حيث لم يكن البحث عن العمال خاصة بالنسبة للموجودين في فرنسا.
وعملنا في البداية على مستوى النخبة والطلاب الذين نعرفهم، وهذه المجموعة كانت الرابط مع تونس، وهي التي ستسهم في بناء التنظيم، في ذلك الوقت كثفنا لقاءاتنا، وأصبحنا نلتقي تقريبا مرة في الأسبوع، في أوقات الصلاة، ونتقابل أيام الأحد، ولم تكن لدينا رؤية واضحة حول ما نريد.
عند بدأ فكرة التنظيم بدأت في 1974، مجموعة في باريس، وبعد ذلك الطلبة ينضمون إلينا، كانوا كلهم من التونسيين، في عدة مدن فرنسية، مثل رانس وليل، وفي بلدان أخرى فرنكوفونية مثل بلجيكا، وحتى في الشرق، بدأت هذه المجموعات تتزايد، وبدأ نوع من التنظيمات مواز للتنظيم في تونس يتكون.
ورغم أن علاقتنا مع الجماعة بدأت في تونس، لم أنقطع عن العمل في فرنسا، بل توسعت، ولم أقطع علاقتي بالمسلمين الفرنسيين، ولا بـ«الجامع الكبير» في باريس، ولا بجمعية حميد الله الذي كان يعمل على تعزيز الحوار مع الكنيسة أيضا، كان منفتحا جدا على الآخرين، وحدد مهمته في نقل الإسلام للمسيحيين، وحتى لرجال الكنيسة.
كانت كل الحوارات تدور باللغة الفرنسية، وكنت أحضر وأقدم محاضرات في عدة أماكن وحتى في «المسجد الكبير» في الدائرة الخامسة، ولكن كما سبق لي الذكر، المشكلة أنهم لم يقبلوا دمج الجانب السياسي بالدين على الإطلاق، وأثيرت هذه المسألة مع الأستاذ حميد الله، لكنه كان واعيا بأن ما يقدمه هو الإسلام الذي يريده المجتمع الفرنسي، وطريقة عمله ذكرتني بجماعة التبليغ، الذين أرادوا أن يقدموا الإسلام على أنه صلاة وعمامة، كانوا، كما يقول حميد الله، لا يريدون صدم الآخر، وهذا يدخل في فقه الدعوة، وحرصا على عدم تنفير الشبان الغربيين من الإسلام، خاصة بعد أحداث تفجيرات قطار الأنفاق في مدريد، وما أثير بعدها من قضايا، مثل الجهاد في أوروبا.
أنا أرى أن الأحزاب الإسلامية، خاصة العربية التي عملت في فرنسا، لم تقدم الإسلام بالشكل الذي ينتظره الآخرون، بل صدموا الآخرين ونفروهم، كما أن خلافاتنا، مثل قضية التركيز على الآذان، وعلى أن تكون المئذنة طويلة، وغيرها من الأمور الشكلية، هذا مثلا يزعجهم، حتى في مجال الهندسة المعمارية،.والمشكلة كانت فعلا الصدمة التي أصبنا بها المجتمع الغربي، بتقديم نموذج غريب عنه، ومحاولة فرضه عليه.

* ما تعلمته من تجربتي في فرنسا
* لقد استفدت كثيرا من تلك الفترة، وتعلمت فيها العديد من الأشياء، خاصة القضايا الخاصة بالحريات والممارسة والحياة السياسية والأحزاب، و الحياة السياسية الفرنسية، خاصة اليسار وميتيران وجوسبان، وفهمت اليمين وتوجهاته العنصرية، ووجدت في اليسار العدالة الاجتماعية والحريات ومناصرة الشعوب المستضعفة، فكنت أميل عاطفيا إلى اليسار، ليس للشيوعية، لكن اليسار الفرنسي.
كانت تجربتي في فرنسا عبارة عن مرحلة تدريبية، أو تحضيرية، خاصة عبر حضور اجتماعات والمشاركة في الحياة السياسية للأحزاب. وهذا ما أثر على طريقة تفكيري وعملي في ما بعد في حركة النهضة.
رأيت في فرنسا كل شيء منظما، ويبدأ عملهم بتكوين وتأهيل الكوادر، ولديهم ديمقراطية في أخذ القرار، وشبابهم يتمتع بالروح النضالية والحماس، ما ساعدهم في حملاتهم؛ سواء التأسيسية للأحزاب، أو الانتخابية، التي شاهدتها عن قرب، وعبر شاشة التلفزيون، لقد تأثرت جدا بطريقة عملهم، وفي الوقت نفسه، كنت أرى أن هذا ليس بغريب علينا، وأن الإسلام يتضمن هذا المفهوم للحريات،.هذه المرحلة التي كانت بين سبع وثماني سنوات أحدثت نقلة نوعية في حياتي، خاصة في مسألة المنهج في العمل السياسي وقضية القيم وحريات الصحافة، وكانت عندي قناعات بأن الإسلام جاء بالحريات، وقضية الانفتاح وحقوق المرأة.
وهنا قررت قطع عملي مع جماعات التبليغ، التي تعتمد أساليب التنفير من الدين الإسلامي، وتقتصر على كونه كلام طقوس وصورا خارجية تنحصر في العمامة وشكل المئذنة. ونفرت من عنف الخطاب الذي يقدمه المسلمون وقتها في الغرب، واقتنعت بأن الأوروبي سيسعى للبحث في البوذية وأديان أخرى، أو أساليب تمنحه الراحة الروحية، التي يريد، وليس في خطابنا العنيف وأصواتنا المرتفعة وخلافاتنا التي لا تنتهي.كانت قناعاتي بشمولية التصور الإسلامي، لكن ما رأيته في ذلك الوقت أن الإسلام كان يقطع إربا إربا، وبعيدا عن المجالات العلمية وعن الاقتصاد، ويمكنني القول إن أهم ما أخذته من الفكر الإسلامي هو شمولية الإسلام، وهنا يجب التنبه إلى الفارق بين شمولية التصور وشمولية التنزيل (يعني التبليغ)، وهنا أقصد أنه لم يكن من الضروري اتباع المنهج نفسه في التبليغ، بل اتباع المرونة التي تناسب المجتمعات.
ليس بالضرورة أن نقدم كل شيء في الوقت نفسه، فهناك سلم أولويات، وهذا السلم أيضا غير ثابت، بل تتغير الأولويات فيه حسب البيئة والمناخ الذي تعمل فيه، مثلا في فرنسا لا يمكن أن نبدأ بإقناع الفرنسيين وتلقينهم دروسا حول قضايا الحريات والديمقراطية وهم متشبعون بها. هنا يمكن أن يكون من الأنجع العمل معهم على الجانب الروحي، وعلى التوازن النفسي الذي يحققه الإسلام والعلاقة بالأسرة، مثلا يجب النظر إلى ما ينقصهم، والعمل على هذا المجال.
في تونس ،مثلا، الوضع كان مختلفا عنه في باكستان، وكان مختلفا جدا وقتها عن الفكر الإسلامي في مصر.
إذا أخذنا فكرة الانتخابات ببساطة، فستعود كلمة الفصل، إما لرئيس يتسلط، أو لشعب يختار النواب ويتسلط كذلك عبرهم، هنا تتداخل قضية الفكر السياسي وقضية الحريات، وهل الأحزاب التي لا تؤمن بالإسلام لها حرية التعبير أو ستتعرض للإقصاء ونقول عنهم: ملحدون ما يوصف ب»الديموقراطية» في ايران واسرائيل، لا تعطي الحرية لأحزاب تتناقض مع مبادئ المجتمع الإسرائيلي، والدليل ان الأحزاب االعربية في إسرائيل ليست لها الحرية. التعددية اذا يجب أن تكون ضمن المنظومة الفقهية.
رجعت إلى تونس متشبعا بالأفكار التي اكتسبتها من تجربتي في فرنسا، بعد أن أتممت دراستي وعدت وفتحت مكتب دراسات مختصا بمجال الطاقة، وبعد الاستقرار في تونس قمنا بإنجاز مشاريع كبيرة في مجموعة من الفنادق والمستشفيات، وانضممت في الوقت نفسه إلى الحركة الإسلامية في تونس، التي بدأت تتكون وقتها، وكان اسمها الجماعة الإسلامية، التي بدأت ملامحها تتضح منذ عام1971، وحتى قبل ذلك بقليل، وتطورت الأفكار لتتحول إلى اجتماعات كانت تعقد بين راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو ومحمد صالح النيفر، وصلاح الدين الجورشي، وصالح كركر، وصالح بن عبد الله. كان هؤلاء الأوائل المكونين لحركة الجماعة الإسلامية.
لم يهتموا بمسألة التسمية في البداية كثيرا، وعندما تواصلت معهم في البداية، رأيت أن الجانب السياسي لم يكن محور اهتمامهم، بل كانوا مهتمين أكثر بالجانب الدعوي، ولهذا اختاروا اسم «الجماعة»،
وكانت الدروس أساسا في المساجد ونشاطا في الجماعة، وحتى في الجامعة كان التركيز على ما يسمى بناء الفكر العقائدي.

* عمل «النهضة» في البداية

* في البداية كانت طريقة «الجماعة» تعتمد على الدعوة والإقبال من طرف شرائح مختلفة من الناس وليس الطلبة فقط، وبدأ عمل الغنوشي، و مورو، خاصة من على المنابر، بتقديم الدروس والحلقات، والملة القرآنية، خاصة التركيز على التفسير، لأن أفراد «الجماعة» وقتها كانوا يعتقدون أنه لا بد من تحقيق الصحوة الإسلامية التي ماتت، والتي بقيت فقط في مشايخ الزيتونة.
وعاد الشباب بقوة للصلاة وللإقبال على المساجد، لكن الكل كان يجب أن يصلي ويترك، والأئمة كانوا موجودين لكن خطبهم بعيدة كل البعد عن الواقع في المجتمع، والفهم العصري للدعوة الإسلامية.
ولأن أغلب الشباب لم يكن جامعيا، حرصنا على تقديم دروس نسميها بالحلقات الأسبوعية تلم الشباب، ولكن هناك جمهورا بدوا خائفين، أغلبهم كان من التلامذة وبعض الحرفيين.

البداية كانت بعيدة عن السياسة
كانت تونس في بداية عقد السبعينات تعيش كبتا سياسيا كبيرا، وكانت سياسة الحزب الواحد طاغية على المجتمع، وكان الحزب الشيوعي محظورا منذ بداية الستينات، وبالتالي ممارسة السياسة كانت ممنوعة.
الدستور كان يقول إن هناك حرية، لكن فعليا لم تكن موجودة، ورأينا كيف تصرف النظام مع اليسار، وما تعرض له اليساريون من سجن وتشريد ومحاكمات، لهذا توصلنا لقناعة أن العمل يجب ألا يبدأ سياسيا، بل عبر الدعوة التي تبدأ من الجانب الفردي ثم الأسرة ثم الحي الذي تسكن فيه، لكن هذا لم يمنع أنه دارت كثير من النقاشات والجدل داخل «الجماعة» حول كيفية بداية العمل.
فكانت منا مجموعة تدعو إلى تجنب توخي أسلوب التصادم مع الدولة، وتدعو الى تحاشي التعجل وتقول بضرورة تأطير الشباب ودعوتهم، من دون فتح جبهات، لأن هذه المجموعة كانت تريد تجنب قمع الدولة والسجن وغيره وقتها، وكانت غالبية المجموعة من الكهول والكبار نسبيا في السن.
وفي المقابل كان النفس الآخر طلابيا شبابيا تأثر بالبعد الآيديولوجي لـ«الجماعة»، والبعد الاجتماعي، لأن المسألة تخص قضية العدالة الاجتماعية والعمال والنقابات، وبدأت في ذلك الوقت قوى شبابية تتشكل، وانتقلت من الجامعة إلى الحياة العامة.

* محمد صالح النيفر

* محمد صالح النيفر من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي عام 1981، ولد في المرسى عام 1902، ودرس بالمعاهد الزيتونية، وارتقى إلى جميع مستوياتها، إلى أن تحصل على شهادة التطويع. أدار النيفر الفرع الزيتوني للبنات، وساهم في بعث جمعية الشبان المسلمين، أواخر العشرينات من القرن الماضي، بزعامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
واهتم كذلك بالأطفال اللقطاء المهملين، وأحدث لفائدتهم دار الرضيع، وكان الشيخ النيفر مقصد عدد من الشخصيات الوطنية السياسية والنقابية، على غرار الزعيم النقابي فرحات حشاد، والزعيم الوطني الحبيب بورقيبة، وقدم عليه كثير من أعلام العالم، مثل الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، وعبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية، وضباط مصر مثل أنور السادات وحسين الشافعي لدعوته للتوسط في الأزمة بين بورقيبة وعبد الناصر، في بداية استقلال تونس.
ولقد عاش الشيخ محمد الصالح النيفر ثلاث مراحل حياتية لم تخل جميعها من التضييقات السياسية، وأولها مرحلة الصراع مع بورقيبة باني دولة الاستقلال، التي انتهت بتضييق الخناق عليه، وهجرته الإجبارية إلى الجزائر، التي تزامنت مع استقلالها. وخلال وجوده في الجزائر، مارس الشيخ محمد صالح النيفر التدريس في جامعة قسنطينة وقدم دروسا في المساجد والإذاعة، وكذلك في جمعية الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي. لكن هذا الأمر أحرج الرئيس الجزائري هواري بومدين، فاختار الشيخ العودة إلى تونس. وتعد هذه المرحلة الثالثة من حياته، وهي التي توّجها بتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1981، لكنه، بسبب المرض، انسحب من النشاط السياسي، وواصل متابعة الأوضاع السياسية إلى أن وافته المنية في فبراير (شباط) 1993.

* صالح كركر

* يعد صالح كركر من القيادات الأولى لحركة النهضة الإسلامية في تونس، ولد يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1948، بقرية صغيرة في الساحل التونسي.
أسس عام1981 مع راشد الغنوشي حركة الاتجاه الإسلامي، التي أصبحت، منذ سنة 1989، تحمل اسم «حركة النهضة».
نفت سلطات النظام التونسي السابق كركر لمدة 18 سنة في فرنسا، وبقي فيها قيد الإقامة الجبرية، ولكنه تُرك حرا لكونه يحمل صفة «اللاجئ السياسي».
رفعت عنه السلطات الفرنسية قرار النفي والإقامة الجبرية في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بعد شهرين من الثورة التونسية، وعاد الى تونس يوم 19 يونيو (حزيران) 2012 وشارك في المؤتمر التاسع لحركة النهضة. يحمل كركر درجة ثالثة من الدراسات المعمقة في الاقتصاد، وشهادة الدكتوراه في الإحصاء، وهو مؤلف عدة كتب علمية، من بينها كتاب «نظرية القيمة» و«النظام الاقتصادي في الإسلام».

* «الجماعة».. «الاتجاه الإسلامي» ثم «النهضة»

* قبل أن تبرز الجماعات المتشددة والتنظيمات المسلحة التي تنتسب إلى «الإسلام السياسي» في تونس، كان غالبية الإسلاميين التونسيين منذ مطلع السبعينات في القرن الماضي، ينتسبون مباشرة أو غير مباشرة إلى «الجماعة»، أو «الجماعة الإسلامية»، التي أسسها عشرات من الخطباء والوعاظ في الدين وخريجي جامع الزيتونة والجامعات التونسية العصرية عام 1972. وكان من بين أبرز «المؤسسين» بعض أساتذة الفلسفة والفكر الإسلامي والعلوم الشرعية، مثل راشد الغنوشي واحميدة النيفر وعبد الفتاح مورو وعبد القادر سلامة ومحمد الصالح النيفر.
لكن «الجماعة» ظلت تتأرجح في مرجعياتها الفكرية بين أدبيات علماء ومصلحين تونسيين ومغاربيين، مثل محمد الطاهر بن عاشور ونجله محمد الفاضل بن عاشور ومحمد الشاذلي النيفر ومحمد الحبيب المستاوي ومحمد بالحاج ومحمود الباجي، ورموز «الإسلام السياسي» في المشرق العربي، خاصة في مصر وسوريا ودول الخليج، مثل محمد الغزالي ومحمد قطب.
كما استفاد قادة «الجماعة الإسلامية» من انتشار كتب الإخوان المسلمين في تونس، بسبب خلافات الحبيب بورقيبة وجمال عبد الناصر، في النصف الثاني من الستينات، ومن معارضة بورقيبة لقرار إعدام زعماء الإخوان المسلمين، خاصة سيد قطب، الذي سمح بورقيبة خاصة بترويج كتابه «في ظلال القرآن».
لكن تأثير «الجماعة الإسلامية» بقي محدودا جدا، ومتمركزا حول الأنشطة الثقافية والدينية، إلى نهاية السبعينات، بسبب ثلاثة عوامل:
الأول: سماح بورقيبة بهامش كبير من حرية التعبير، مما سمح ببروز منظمات حقوقية واجتماعية مستقلة وصحف وأحزاب معارضة «ليبرالية» وأخرى «يسارية».. بما أدخل ديناميكية على البلاد ساهمت في دفع قيادات «الجماعة الإسلامية» نحو الشأن العام، ومحاولة المشاركة في الأحداث السياسية والنقابية الوطنية.
الثاني: ظهور تيار شبابي مسيَّس في الجامعة أطلق على نفسه «الاتجاه الإسلامي» نجح بسرعة في استقطاب غالبية عموم الطلبة حول خطاب «أكثر انفتاحا» انتقد «القراءات التقليدية» للإسلام، وبينها مدرسة الإخوان المسلمين.
وانتعش هذا التيار أكثر، أواخر السبعينات، بعد تزايد نفوذ «أقصى اليسار الماركسي الثوري» في الجامعة، ونجاح «الثورة الإسلامية ضد الاحتلال السوفياتي في أفغانستان»، و«الثورة الشعبية في إيران».
الثالث: بروز مراجعات فكرية وسياسية داخل قيادات «الجماعة»، أواخر السبعينات، ومطلع الثمانينات.. وتعالي أصوات في القيادة المركزية (بينها احميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي)، وخارجها تمسكت بخيار «التجديد والإصلاح والتميز عن مدرسة الإخوان المسلمين».
الرابع: الكشف في ديسمبر (كانون الأول) 1980 عن القيادة السرية لتنظيم «الجماعة الإسلامية» التي تأسست عام 1972 بزعامة راشد الغنوشي وعن كل المشاركين في هياكل الجماعة مركزيا وجهويا.. وقد دعم ذلك المستجد أنصار تقنين وضعية الحركة وتطويرها من «جماعة» إلى حزب سياسي قانوني ومدني، على غرار الأحزاب الليبرالية واليسارية، التي أعلنت عن نفسها رسميا.
لكن الإعلان الرسمي عن تأسيس حزب حركة الاتجاه الإسلامي في 6 يونيو (حزيران) 1981 لم يوقف مسار المحاكمات السياسية لقيادات الحركة وأنصارها، بدءا من محاكمة «القيادة التاريخية» في سبتمبر (أيلول)، وأكتوبر (تشرين الأول) 1981، بأحكام بلغت الـ11 عاما سجنا.
وأفرج بورقيبة في أغسطس (آب) 1984 عن تلك القيادة، لكنه عاد إلى تنظيم محاكمات شاملة ضدهم في 1987، بينها أحكام بالإعدام والمؤبد.
شاركت الحركة في انتخابات 1989 ضمن قوائم مستقلة بعد أن غيرت اسمها الى حركة النهضة.
لكن مواجهات جديدة اندلعت بين بن علي وقيادات «النهضة» مطلع التسعينات، كانت حصيلة حملة شاملة لاستئصالهم، وأحكاما بالإعدام والسجن شملت نحو عشرة آلاف من عناصر الحركة.
وبعد ثورة يناير 2011 عادت قيادات النهضة من منافيها إلى تونس، وأعادت مع قيادات الداخل تأسيس حزب قانوني في مارس (آذار) 2011 شارك في انتخابات أكتوبر 2011، التي دخلت بعدها الحركة إلى البرلمان الانتقالي والحكومة بالاشتراك مع اثنين من الأحزاب العلمانية.
لكن الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية الصعبة، والأستقطاب السياسي وبروز العنف المسلح أدت الى استقالة الحكومة الأولى برئاسة حمادي الجبالي.

الجبالي في مذكراته لـ «الشرق الأوسط»: كنت شاباً مسيساً بدون توجه إسلامي

مذكرات حمادي الجبالي الحلقة (2): لولا نكسة 1967 ربما كنت ثائرا غير إسلامي



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.