علاقة الحريري ـ باسيل تهتز حكومياً ولا تسقط

الرئيس المكلف متفائل بالتشكيل خلال أسبوعين... والكرة في ملعب «التيار»

الحريري لدى استقباله البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات (دالاتي ونهرا)
الحريري لدى استقباله البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات (دالاتي ونهرا)
TT

علاقة الحريري ـ باسيل تهتز حكومياً ولا تسقط

الحريري لدى استقباله البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات (دالاتي ونهرا)
الحريري لدى استقباله البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات (دالاتي ونهرا)

بعد أكثر من عام ونصف العام على التسوية الرئاسية التي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبنان نتيجة اتفاق بشكل أساسي بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وفريق عون المتمثّل في «التيار الوطني الحر»، بدأ هذا التحالف يتعرض لاهتزاز على خلفية تباين الآراء حول تأليف الحكومة مع تأكيد الطرفين أنه لن يسقط.
وأمس رد الحريري بشكل غير مباشر على المعلومات التي أشارت إلى تباعد وخلاف بينه وبين رئيس «التيار» وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، قائلاً: «لا شيء يمنعني من لقاء جبران باسيل»، معبراً في الوقت نفسه عن تفاؤله بقرب تأليف الحكومة خلال أسبوع أو اثنين. وقال: «أنا متفائل وأتواصل مع الجميع وهذا التواصل سيُنتج حكومة قريباً». وأضاف: «نحاول تهدئة الجميع، وجوّنا إيجابي وجوّ التيار الوطني إيجابي أيضاً»، مؤكداً أنه «متمسك بحكومة وفاق وطني يتمثّل فيها الجميع، وأنا من يشكّل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ولا أحد غيري، وكلّ من يظنّ عكس ذلك مخطئ».
لكن تفاؤل الحريري لا يعني أن العُقد الحكومية حُلّت، بل لا يزال التأليف متعثراً نتيجة الخلافات والمطالب، وتحديداً في ما بات يُعرف بـ«العُقدتين الدرزية والمسيحية» اللتين يشكّل «رئيس التيار» جبران باسيل طرفاً أساسياً فيهما، ويختلف موقفه تجاههما مع موقف الحريري الذي من جهته يميل إلى مطالب الطرفين الخصمين لباسيل، أي «القوات اللبنانية» و«الحزب الاشتراكي». إذ وبعدما كان الأول يطالب بمساواة حصته مع «التيار» انطلاقاً من اتفاق معراب الذي بات ساقطاً، عاد وقدّم تنازلاً بقبوله بأربعة وزراء، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه لاقى ردوداً إيجابية من قبل باسيل. وعلى خط العُقدة الدرزية، يطالب الاشتراكي بحصر حصة الطائفة به وهو ما يعارضه رئيس «التيار» دافعاً باتجاه توزير حليفه رئيس الحزب الديمقراطي وزير المهجرين طلال أرسلان. وبينما لا ينفي القيادي في «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش، وجود تباين في الآراء بين باسيل والحريري مع تأكيده أنه لن يصل إلى تدهور العلاقة بقرار وحرص من الطرفين، يرفض النائب في «التيار» سليم عون الحديث عن خلاف أو حتى تباين، منطلقاً في رأيه من أن مهمّة الحريري التأليف، ومهمّة باسيل كغيره من الأطراف المطالبة بالتمثيل الذي يراه مناسباً لحجمه النيابي، والكلمة الفصل تكون لرئيس الحكومة المكلف. ويقول عون لـ«الشرق الأوسط»: «تحميل فريقنا السياسي مسؤولية تأخير تأليف الحكومة مرفوض تماماً، ما نقوم به هو مطالبتنا بالتمثيل الصحيح، والحريري ليس ملزماً برأي أحد وسينفذ في النهاية قناعاته»، معتبراً أن كلاماً كهذا يوحي كأن فريقه السياسي يتعدى على صلاحيات رئيس الحكومة وهو ما ليس صحيحاً كما أنه ليس لديه أي مشكلة مباشرة مع أي طرف أو حزب.
في المقابل، يوضح علوش المعطيات الحكومية الأخيرة وما يدور حولها من مطالب ومطالب مضادة مع تأكيده أن الحريري وباسيل حريصان على بقاء العلاقة الجيدة بينهما، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن هناك وجهتَي نظر متناقضتين بين الطرفين، بحيث يطالب الأخير بالحصة المسيحية الأكبر بالحصول على 11 وزيراً (بين وزراء الرئيس والتيار) ويفرض وزيراً درزياً، وهو الأمر الذي يرفضه ليس فقط الرئيس المكلف إنما مختلف الأفرقاء، أي (الاشتراكي) و(القوات) و(الكتائب) ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما يشكل عائقاً أساسياً أمام تأليف الحكومة». ويضيف: «في المقابل، يطرح الحريري حصول التيار وعون على عشرة وزراء بمن فيهم وزير درزي غير حصة (الاشتراكي) المتمثلة بثلاثة وزراء، على أن يتوزع الوزراء المسيحيون الآخرون، بين أربعة لـ(القوات) وواحد لـ(تيار المردة) وواحد لـ(تيار المستقبل)، مقابل التنازل عن وزير سني لحصة رئيس الجمهورية».
ويلفت علوش إلى أن هذه الصيغة الأخيرة التي كان قد طرحها الحريري لا يبدو أنها تلقى قبولاً من باسيل الذي باتت الكرة في ملعبه مع استمرار المشاورات بين ممثلي الطرفين، وكان آخرها اللقاء الذي عُقد أمس بين وزير الثقافة غطاس خوري ممثلاً للحريري، والوزير السابق النائب إلياس بوصعب ممثلاً لباسيل. وبينما لم يعلن عن تفاصيل الاجتماع الذي كان تحت عنوان الحكومة، ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن التباحث تركز على مجموعة من النقاط الآيلة إلى تسهيل التأليف ومعالجة مجموعة العُقد التي تؤخِّر التشكيل والتي تعني غالبية الأطراف السياسية، واتفق الطرفان على أن يصار إلى وضع الرئيس المكلف ورئيس «التيار» بالاقتراحات المطروحة والعودة إلى عُقد لقاء غد.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».