فرنسا تعيش أياماً «جنونية» بعد فوز منتخبها بكأس العالم

اللاعبون استقبلوا في قصر الإليزيه وماكرون منحهم وسام جوقة الشرف

ملايين الفرنسيين خرجوا للاحتفال بمنتخبهم المتوج بطلاً للعالم (أ.ف.ب)
ملايين الفرنسيين خرجوا للاحتفال بمنتخبهم المتوج بطلاً للعالم (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تعيش أياماً «جنونية» بعد فوز منتخبها بكأس العالم

ملايين الفرنسيين خرجوا للاحتفال بمنتخبهم المتوج بطلاً للعالم (أ.ف.ب)
ملايين الفرنسيين خرجوا للاحتفال بمنتخبهم المتوج بطلاً للعالم (أ.ف.ب)

بعد ليلة «جنونية» لم تنم خلالها فرنسا إلا مع ساعات الصباح الأولى، بعد فوز فريق كرة القدم للمرة الثانية في تاريخه بكأس العالم، كان الباريسيون ومن جاء من مواطنيهم إلى العاصمة من المدن الأخرى والأرياف إضافة إلى آلاف السياح من كل أنحاء العالم على موعد مع «أبطالهم» الذين رجعوا إلى بلدهم من موسكو مظفرين ومكللين بالفوز المبين على فريق كرواتيا.
يقال عن الفرنسيين إنهم «شوفينيون». وما حصل أمس على جادة الشانزليزيه الشهيرة والجادات والشوارع المتفرعة عنها، يعصى على الوصف. عشرات الآلاف تدفقوا على المنطقة التي حُرّمت على السيارات، وأغلقت محطات المترو التي تخرج منها يوميا جحافل المتوجهين إلى مكاتبهم وخصوصا الأجانب والسياح الذين يعتبرون أنهم لم يزورا باريس إن لم يزوروا هذه الجادة، صعودا إلى قوس النصر ونزولا حتى ساحة الكونكورد الشهيرة بلمستها الفرعونية. لكن يوم أمس كان استثنائيا. فرنسا انتظرته طيلة عشرين عاماً ليعود كأس العالم إليها بعد أن ربحته مرة أولى في عام 1998، وكان بطلها اللاعب ديديه ديشان وزين الدين زيدان المعروف بـ«زيزو» وآخرين. وها هو ديشان «ينزل» مجددا الجادة التي شهدت على أهم أحداث تاريخ فرنسا الحديث، ولكن هذه المرة مرتديا ثياب «مدرب» الفريق الذي رفع اسم فرنسا عاليا في عالم كرة القدم. منذ ما قبل الساعة الحادية عشرة، بدأت «طلائع» المشجعين تتدفق على «ساحة الأتوال» التي يتوسطها قوس النصر وجادة الشانزليزيه وفريدلاند ومارسو وأينا. المقاهي والمطاعم امتلأت بالزبائن باكرا، إلا تلك التي حطم واجهاتها الزجاجية في أعمال شغب الليلة ما قبل الماضية ارتكبها عدة مئات من المشاغبين الذين لم ينجحوا في إفساد جو الوحدة والتلاحم الوطني الذي يجسده فريق كرة القدم المشكل من أعراق مختلفة وفرنسيين من أجيال وآخرين وصلت عائلاتهم حديثا ونزلت في ضواحي العاصمة الفقيرة.
من لم يحمل العلم ثلاثي الألوان، رسمه على خده أو كتفه أو حتى بطنه. صفارات وزمامير وكاميرات الهواتف الجوالة تعمل كلها دفعة واحدة. كبار مسنون وصغار وما بينهم، من كل الأديان والأعراق والبيئات، أغنياء وفقراء، كادرات في عالم البنوك والتأمين شركات «ستارت آب» وعاطلون عن العمل، كلهم يريدون الاحتفال بأبطالهم العائدين من روسيا. بعضهم انتظر ست أو خمس ساعات واقفا في مكانه، حتى لا يفوته شيء من اللحظة «التاريخية». كلهم انصبوا على النشيد الوطني: عشرات الآلاف من المرات أنشدوه.
التعبئة لم تكن جماهيرية فقط. الإعلام الفرنسي بكل مكوناته التلفزيونية والإذاعية وصحفه ووسائل التواصل الاجتماعي شحذت الهمم منذ أن تأهل الفريق الفرنسي للنهائيات. وأمس، تبارت كلها في استنباط العنوان «المانشيت» الأقوى. الجامع بينها كانت كلمة «تاريخي». حلقات نقاش وندوات وحوارات لا تنتهي. صرنا نعرف أدق التفاصيل عن حياة الشاب كيليان مبابي، الأصغر سنا (19 عاما). عن طفولته وعائلته وعلاقته الوثيقة بالمدرب ديديه ديشان. ولا ننسى جيرو وغريزمان وفاران وأومتيتي ورامي والآخرين. ماذا يحبون ويأكلون ويشربون وكيف يتسلون. وكان من الصعوبة بمكان في الأسبوع المنقضي وحتى اليوم، ألا يبدأ الفرنسيون صباحهم أو ينهوا مساءهم من غير إلقاء السلام على الذين «أنقذوا شرف فرنسا» وأعادوا المجد إلى ربوعها.
وبما أن الفائز يكافأ، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون لم يبخل بالمكافآت. المعنوية بالطبع. فقد حضر مباراتين في روسيا: التأهل للنهائيات ضد بلجيكا والنهائيات ضد كرواتيا. وعبّر عن غبطته وحماسه، والتقطت عدسات المصورين وثبته رافعا قبضتيه بعد الهدف الأول الذي سجله لاعب كرواتي ضد فريقه.
وبعد الفوز والقبلات، نزل إلى قاعات الملابس ليتبادل الحديث مع اللاعبين ومدربهم وليدعوهم إلى قصر الإليزيه الذي أتوه عصر أمس مع عائلاتهم وأصدقائهم وألف مدعو إضافي من الشباب، تمتعوا بحدائق القصر الجمهوري. ثم منح ماكرون الجميع وسام جوقة الشرف، وهو الأعلى في فرنسا ولا يمنح إلا لمن أسدى خدمة للجمهورية.
من مكتب «الشرق الأوسط» الكائن في أعلى جادة الشانزليزيه، كانت الأصوات تتعالى طيلة أمس. غير أن لحظة الجنون الحقيقية حلت عند وصول الفريق على متن حافلة «إمبريالية»، أي من غير سقف على شاكلة حافلات لندن، ومعه الكأس إلى ساحة الأتوال. صيحات وصراخ ورقص وأهازيج وتصفيق وتدافع. غابات من الأعلام ترفرف وتتمايل. الكل يريد أن يرى، وإن حالت الشرطة دون الاقتراب من حافلة الأبطال. منهم من كان افترش الأرض. ومنهم من تسلق ما توفر له: شباك منزل من هنا. مأوى أوتوبيس من هناك. ومن أسعفه الحظ ووصل باكرا جدا، تمترس خلف طاولة مقهى أو مطعم.
وبعكس ما حصل ليلة أول من أمس، حيث تطايرت الزجاجات وبعضها حط على واجهة المحلات أو تحطم أرضا، فقد منعت مديرية شرطة العاصمة بيع الكحول في منطقة الشانزليزيه لتلافي أن تستغل لأحداث الشغب.
لا يكتمل المشهد من غير الإشارة إلى تكاثر التحليلات من كل الأنواع: السوسيولوجية التي انكبت على «قراءة» تأثيرات فوز الفريق الفرنسي «المتنوع عرقا ولونا» على عملية الاندماج الاجتماعي، وصهر الضواحي في جسم الوطن بعد أن أكثر اللاعبون من إعلان حبهم لوطنهم فرنسا. والاقتصاديون الذين سعوا لقياس تأثير الفوز على الدورة الاقتصادية ومدى تأثير ارتفاع معنويات الفرنسيين على رغباتهم الشرائية. والأهم المحللون السياسيون الذين هرولوا لدراسة الفوز على شعبية الرئيس ماكرون وحكومته. الجميع مقتنع بأن شعبيته ستشهد ارتفاعا، ولكنها ستكون محدودة في الزمان طالما لا يرافقها تحسن في القدرة الشرائية وتراجع البطالة. ولا ينسى المحللون التنبيه من «استغلال» الحدث لتحقيق أغراض سياسية ضيقة. لكن الجميع كانوا متفقين على أن الفوز جلب البهجة وبعض التفاؤل لنفوس الفرنسيين، ورفع اسم بلادهم عاليا بين الأمم. إنها لحظة «عجائبية» في زمن غابت عنه العجائب.


مقالات ذات صلة

السعودية على بوصلة الأحداث الرياضية... «ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»

رياضة سعودية السعودية سجلت نفسها وجهة عالمية للأحداث الرياضية (الشرق الأوسط)

السعودية على بوصلة الأحداث الرياضية... «ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»

خلال الأعوام العشرة المقبلة، ستكون السعودية على موعد مع استضافة كأس آسيا 2027، ومن ثم استضافة كأس العالم 2034، واستضافة دورة الألعاب الآسيوية «آسياد 2034».

فهد العيسى (الرياض)
رياضة سعودية الاستضافة المونديالية أكبر تتويج لجهود المملكة على الصعيد الرياضي (وزارة الرياضة)

مونديال 2034... تتويج لائق لحقبة سعودية «وثابة»

«إننا في المملكة ندرك أهمية القطاع الرياضي في تحقيق المزيد من النمو والتطوير»... هذه الكلمات هي جزء من حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء،

فهد العيسى ( الرياض)
رياضة عربية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)

السيسي يهنئ السعودية باستضافة «مونديال 2034»

وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهنئة إلى المملكة العربية السعودية، بعد الفوز بتنظيم «كأس العالم 2034».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية توماس توخيل يبدأ رسمياً دوره مدرباً لإنجلترا في يناير (أ.ب)

مجموعة إنجلترا في تصفيات المونديال... كيف ستسير الأمور؟

ستواجه إنجلترا صربيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الموسعة المكونة من 48 فريقاً في عام 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

The Athletic (لندن)
رياضة عالمية قرعة متوازنة لتصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم لكرة القدم 2026 (د.ب.أ)

قرعة متوازنة لتصفيات أوروبا المؤهلة إلى المونديال

سحبت قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم لكرة القدم 2026 في زيوريخ بسويسرا، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)

«خليجي 26»... السعودية والعراق وجهاً لوجه في المجموعة الثانية

الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)
الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)
TT

«خليجي 26»... السعودية والعراق وجهاً لوجه في المجموعة الثانية

الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)
الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)

أسفرت قرعة بطولة كأس الخليج (خليجي 26) لكرة القدم التي أجريت السبت، وتستضيفها الكويت خلال الفترة من 21 ديسمبر (كانون الأول) 2024، وحتى 3 يناير (كانون الثاني) 2025، عن مجموعتين متوازنتين.

فقد ضمت الأولى منتخبات الكويت، وقطر، والإمارات وعمان، والثانية العراق والسعودية والبحرين واليمن.

ويتأهل بطل ووصيف كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي.

وسُحبت مراسم القرعة في فندق «والدورف أستوريا» بحضور ممثلي المنتخبات المشارِكة في البطولة المقبلة.

وشهد الحفل الذي أقيم في العاصمة الكويت الكشف عن تعويذة البطولة «هيدو»، وهي عبارة عن جمل يرتدي قميص منتخب الكويت الأزرق، بحضور رئيس اتحاد كأس الخليج العربي للعبة القطري الشيخ حمد بن خليفة، إلى جانب مسؤولي الاتحاد وممثلين عن الاتحادات والمنتخبات المشاركة ونجوم حاليين وسابقين.

السعودية والعراق وقعا في المجموعة الثانية (الشرق الأوسط)

وجرى وضع الكويت على رأس المجموعة الأولى بصفتها المضيفة، والعراق على رأس الثانية بصفته حاملاً للقب النسخة السابقة التي أقيمت في البصرة، بينما تم توزيع المنتخبات الستة المتبقية على 3 مستويات، بحسب التصنيف الأخير الصادر عن الاتحاد الدولي (فيفا) في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وتقام المباريات على استادي «جابر الأحمد الدولي» و«جابر مبارك الصباح»، على أن يبقى استاد علي صباح السالم بديلاً، ويترافق ذلك مع تخصيص 8 ملاعب للتدريبات.

وستكون البطولة المقبلة النسخة الرابعة التي تقام تحت مظلة اتحاد كأس الخليج العربي بعد الأولى (23) التي استضافتها الكويت أيضاً عام 2017. وشهدت النسخ الأخيرة من «العرس الخليجي» غياب منتخبات الصف الأول ومشاركة منتخبات رديفة أو أولمبية، بيد أن النسخة المقبلة مرشحة لتكون جدية أكثر في ظل حاجة 7 من أصل المنتخبات الثمانية، إلى الاستعداد لاستكمال التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026 المقررة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

وباستثناء اليمن، فإن المنتخبات السبعة الأخرى تخوض غمار الدور الثالث الحاسم من التصفيات عينها، التي ستتوقف بعد الجولتين المقبلتين، على أن تعود في مارس (آذار) 2025.

ويحمل المنتخب الكويتي الرقم القياسي في عدد مرات التتويج باللقب الخليجي (10) آخرها في 2010.

الكويت المستضيفة والأكثر تتويجا باللقب جاءت في المجموعة الأولى (الشرق الأوسط)

ووجهت اللجنة المنظمة للبطولة الدعوة لعدد من المدربين الذين وضعوا بصمات لهم في مشوار البطولة مع منتخبات بلادهم، إذ حضر من السعودية ناصر الجوهر ومحمد الخراشي، والإماراتي مهدي علي، والعراقي الراحل عمو بابا، إذ حضر شقيقه بالنيابة.

ومن المقرر أن تقام مباريات البطولة على ملعبي استاد جابر الأحمد الدولي، الذي يتسع لنحو 60 ألف متفرج، وكذلك استاد الصليبيخات، وهو أحدث الملاعب في الكويت، ويتسع لـ15 ألف متفرج.

وتقرر أن يستضيف عدد من ملاعب الأندية مثل نادي القادسية والكويت تدريبات المنتخبات الـ8.