من يقود العمل الفني؟

دراما وتمثيل

من يقود العمل الفني؟
TT

من يقود العمل الفني؟

من يقود العمل الفني؟

واحد من الأسس التي وضعها الناقد والمنظـر الفرنسي أندريه بازان كانت الدور الذي يلعبه النص في العمل الفني. بالنسبة إليه فإن النص هو من عليه فعل الاكتشاف وليس السرد فقط. هناك، لنقل، مشهد أول لمدرسة في قرية أو مشهد لحصان منطلق إلى وسط البلدة، أو أن هناك مسرحية تبدأ بصمت تام قبل أن ينطلق من ظلامها وصمتها صريخ زاعق. النص هو الذي اختار أيا من هذه البدايات المذكورة وذلك لغاية التعريف بالمكان والزمان وكنه الشخصيات والحياة.
على المسرح يتبلور السؤال على النحو التالي: من الذي يسرد الحدث؟ هل يقود النص المسرحية أو يقودها الممثل الذي يؤدي هذا النص؟ من الأسهل الاعتقاد بأن النص هو الذي يقود. لولاه لما كانت هناك مسرحية في الأصل. لكن ألم يتوقـف النص بشكله المكتوب عن التدخل أول ما ظهر التمثيل، أو أول ما ظهرت الحياة على المسرح؟
هذه الأمور نفسها ترصدها الكاميرا في الفيلم السينمائي ما يجعل السؤال المنطقي هو من الذي يسرد: السيناريو أو الكاميرا أو لعله يكون الممثل أيضا؟
وهناك فارق. عند بازان السيناريو هو ما يجب أن يسرد وذلك عبر اختياراته كما عبر مفهوم المعالجة للفكرة التي يطرحها. يبدأ سيناريو «راشامون» كما كتبه أكيرا كوروساوا وشينوبو هاشيموتو عام 1950 بلقطات تضعنا في «المكان» (بوابـة مخلوعة) ومع الشخصية (رجل راشامون واقف تحت المطر». ثم لقطة لرجلين آخرين كانا لجأا إلى المكان ووقف تحت سقفه اتقاء للمطر المنهمر بغزارة. لا يتحركان.
والعبارة الأولى التي ينطلق بها أحدهما (قاطع أخشاب، أما الثاني فهو راهب بوذي) هي: «لا أستطيع أن أفهم. لا أستطيع أن أفهم مطلقا».
الآن هناك سبب (أو أكثر) لكل اختيار موجود في النص قبل أن تصوره الكاميرا، بما في ذلك السبب وراء اختيار العبارة الأولى. ما الذي لا يفهمه المتحدث؟ سنعرف بعد قليل في الفيلم ما يقصده. لكن الكلمات هي تحديد لحالة قبل الشرح، بمعنى أنها لا تنتظر أن يقع المشهد التالي، ما يجعل طرح السؤال أمرا ملغى من الأساس.
يلفت بازان النظر إلى أن السيناريو هو النص الذي سيفرق بين جودة الفيلم وحسن تعبيره عن المخرج أكثر من الكاميرا. اتخاذ الكاميرا الوسيلة الأساسية نصًّا يقلص دور الكاتب ودور المخرج معا ويعطينا فيلما غير ذاتي. إنها مسألة من سيقوم بالكشف عما سنراه؟ والتفريق ليس هينا. مطلع فيلم مايكلانجو أنطونيوني «الخسوف» (1962) عبارة عن لقطات صغيرة ثم أكبر منها ثم أكبر منها لكي تشمل في النهاية البيت ومن فيه (هذا عوض العادة: لقطة شاملة للمكان، فالبيت من الخارج ثم البيت من الداخل مثلا). من قاد؟ ليس الكاميرا لأنها كانت تترجم المطلوب في بال المخرج. التفصيل يؤدي إلى الصورة الكبرى وليس العكس. إنها وسيلته أو أسلوبه - هذا ليس مهمـا. المهم هو أن هذا الاختيار يلتئم مع مفهوم أن يقود النص المشاهد عوض أن تقوم الكاميرا بتقديمه.
الأمور أوضح في السينما من المسرح في هذه النقاط المثارة؛ فعلى الخشبة تتساوى العناصر بسبب ارتباطها بالمكان المحدد وبنظام الفن المسرحي أساسا. كذلك فإن الخيارات محدودة مهما حاول المخرج التجديد مثل أن يأتي بالممثل من الصالة ذاتها أو يمنح الخشبة عمقا ديكوراتيا. بذلك تتساوى أيضا مسألة مـن يقود مـن إذ إن الجميع على المسرح أقرب لتكوين عنصر واحد متعدد الرؤوس.



خالد الكمار: مقارنة الأجيال الجديدة بالكبار ظالمة

لا يخفي الكمار دور المخرج في حماسه لتقديم الموسيقى التصويرية لأعمال دون غيرها (حسابه على {إنستغرام})
لا يخفي الكمار دور المخرج في حماسه لتقديم الموسيقى التصويرية لأعمال دون غيرها (حسابه على {إنستغرام})
TT

خالد الكمار: مقارنة الأجيال الجديدة بالكبار ظالمة

لا يخفي الكمار دور المخرج في حماسه لتقديم الموسيقى التصويرية لأعمال دون غيرها (حسابه على {إنستغرام})
لا يخفي الكمار دور المخرج في حماسه لتقديم الموسيقى التصويرية لأعمال دون غيرها (حسابه على {إنستغرام})

قال الموسيقار المصري، خالد الكمار، إن التطور التكنولوجي الكبير في تقنيات الموسيقى التصويرية للأعمال الدرامية ساعد صُنَّاع الدراما على الاستفادة من تلك التقنيات وتوظيفها درامياً بصورة أكبر من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن التعقيدات التقنية قبل نحو 3 عقود كانت تعوق تحقيق هذا الأمر، الذي انعكس بشكل إيجابي على جودة الموسيقى ودورها في الأحداث.

وقال الكمار لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن شارات الأعمال الدرامية لم تعد تحظى بفرص الاستماع والعرض مع العمل بالشكل الأفضل، فإن هذا لم يقلل من أهميتها».

وأضاف أن «منصات العرض الحديثة قد تؤدي لتخطي المقدمة عند مشاهدة الأعمال الدرامية على المنصات، أو عدم إذاعتها كاملة؛ بسبب الإعلانات عند العرض على شاشات التلفزيون، على عكس ما كان يحدث قبل سنوات بوصف الموسيقى التصويرية أو الأغنية الموجودة في الشارة بمنزلة جزء من العمل لا يمكن حذفه».

يسعى الكمار لإقامة حفل خلال قيادة أوركسترا كامل لتقديم الموسيقى التصويرية على المسرح مع الجمهور (حسابه على {فيسبوك})

وعدَّ الكمار أن «عقد مقارنات بين جيل الشباب والكبار أمر ظالم؛ لأنه لا تصح مقارنة ما يقدِّمه الموسيقيون الشباب من أعمال في بداية حياتهم، بما قدَّمه موسيقيون عظماء على غرار عمار الشريعي بعد سنوات طويلة من خبرات اكتسبها، ونضجٍ فنيٍّ وظَّفه في أعماله».

ولفت إلى أن «الفنان يمرُّ في حياته بمراحل عدة يكتسب فيها خبرات، وتتراكم لديه مواقف حياتية، بالإضافة إلى زيادة مخزونه من المشاعر والأفكار والخبرات، وهو أمر يأتي مع كثرة التجارب والأعمال التي ينخرط فيها الفنان، يصيب أحياناً ويخطئ في أحيان أخرى».

وأضاف أن «تعدد الخيارات أمام المشاهدين، واختيار كل شخص الانحياز لذوقه شديد الخصوصية، مع التنوع الكبير المتاح اليوم، أمور تجعل من الصعب إيجاد عمل فني يحظى بتوافق كما كان يحدث حتى مطلع الألفية الحالية»، مؤكداً أن «الأمر لا يقتصر على الموسيقى التصويرية فحسب، ولكن يمتد لكل أشكال الفنون».

خالد الكمار (حسابه على {فيسبوك})

وأوضح أن فيلماً على غرار «إسماعيلية رايح جاي»، الذي عُرض في نهاية التسعينات وكان الأعلى إيراداً في شباك التذاكر «أحدث تأثيراً كبيراً في المجتمع المصري، لكن بالنظر إلى الفيلم الأعلى إيراداً خلال العام الحالي بالصالات وهو (ولاد رزق 3) فإن تأثيره لم يكن مماثلاً، لوجود تفضيلات أكثر ذاتية لدى الجمهور، وهو ما لم يكن متاحاً من قبل».

لا يخفي الكمار دور المخرج في حماسه لتقديم الموسيقى التصويرية لأعمال دون غيرها، مؤكداً أن اسم كل من المخرج والكاتب يكون له دور كبير في حماسه للتجارب الفنية، خصوصاً بعض الأسماء التي عمل معها من قبل على غرار مريم نعوم وكريم الشناوي وبيتر ميمي؛ لثقته بأن الموسيقى التي سيقدمها سيكون لها دور في الأحداث.

وذكر الكمار أنه «يفضِّل قراءة المسلسلات وليس مجرد الاستماع إلى قصتها من صُنَّاعها، لكن في النهاية يبدأ العمل وفق المتاح الاطلاع عليه سواء الحلقات كاملة أو الملفات الخاصة بالشخصيات»، مشيراً إلى أنه «يكون حريصاً على النقاش مع المخرج فيما يريده بالضبط من الموسيقى التصويرية، ورؤيته لطريقة تقديمها؛ حتى يعمل وفق التصور الذي سيخرج به العمل».

ورغم أن أحداث مسلسل «مطعم الحبايب» الذي عُرض أخيراً دارت في منطقة شعبية؛ فإن مخرج العمل أراد الموسيقى في إطار من الفانتازيا لأسباب لها علاقة بإيقاع العمل، وهو ما جرى تنفيذه بالفعل، وفق الكمار الذي أكد أنه «يلتزم برؤية المخرج في التنفيذ لكونه أكثر شخص على دراية بتفاصيل المسلسل أو الفيلم».

لا ينكر خالد الكمار وجود بعض الأعمال التي لم يجد لديه القدرة على تقديم الموسيقى الخاصة بها؛ الأمر الذي جعله يعتذر عن عدم تقديمها، في مقابل مقطوعات موسيقية قدَّمها لأعمال لم تكن مناسبة لصُنَّاعها ليحتفظ بها لديه لسنوات ويقدِّمها في أعمال أخرى وتحقق نجاحاً مع الجمهور، مؤكداً أنه يقرِّر الاعتذار عن عدم تقديم موسيقى ببعض الأعمال التي يشعر بأن الموسيقى لن تلعب دوراً فيها، ولكن ستكون من أجل الوجود لاستكمال الإطار الشكلي فحسب.

وعن الاختلاف الموجود في الموسيقى التصويرية بين الأعمال الفنية في مصر ونظيرتها في السعودية، قال الموسيقار المصري الذي قدَّم تجارب عدة بالمملكة من بينها الموسيقى التصويرية لفيلم «حوجن»: «صُنَّاع الدراما والسينما السعوديون يفضِّلون استخدام الموسيقى بشكل أكبر في الأحداث أكثر مما يحدث في مصر».

ولفت إلى حرصه على الانغماس في الثقافة الموسيقية السعودية بشكل أكبر من خلال متابعتها عن قرب، الأمر الذي انعكس على إعجاب صُنَّاع الأعمال بما يقدِّمه من أعمال معهم دون ملاحظات.

وحول تجربة الحفلات الموسيقية بعد الحفل الذي قدَّمه في أغسطس (آب) الماضي بمكتبة الإسكندرية، قال الكمار إنه يسعى لإقامة حفل كبير في القاهرة «من خلال قيادة أوركسترا كامل لتقديم الموسيقى التصويرية على المسرح مع الجمهور بشكل يمزج بين الحفل الموسيقي والمحاضرة، عبر شرح وتفصيل المقامات والآلات الموسيقية المستخدَمة في كل لحن قبل عزفه، بصورة يستطيع من خلالها المستمع فهم فلسفة الألحان».

وأوضح أن «هذه الفكرة مستوحاة من تجربة الموسيقار عمار الشريعي في برنامج (غواص في بحر النغم) الذي قدَّمه على مدار سنوات، وكان إحدى التجارب الملهمة بالنسبة له، واستفاد منه كثيراً»، مشيراً إلى أنه فكَّر في تقديم فكرته عبر «يوتيوب» لكنه وجد أن تنفيذها على المسرح بحضور الجمهور سيكون أفضل.