تقنيات التعرف على الوجوه تكشف هوية كل إنسان

قوى الأمن توظفها و«غوغل» و«فيسبوك» تطورها لشبكاتها الاجتماعية

د. جوزيف عتيق
د. جوزيف عتيق
TT

تقنيات التعرف على الوجوه تكشف هوية كل إنسان

د. جوزيف عتيق
د. جوزيف عتيق

جوزيف عتيق فيزيائي من أوائل الرواد في مجال تقنيات التعرف على الوجوه، قام بمراقبة مبنى رونالد ريغان (مركز التجارة العالمي في واشنطن)، كما لو أنه يملك ذلك المبنى، ولحد ما فإنه يملكه فعلا، فقد كان أحد منظمي الحدث هناك، الذي كان معرضا تجاريا لتقنيات الأمن بالقياسات البيولوجية (بايومتريكس)؛ حيث عرض عددا من الأجهزة، مثل آلة لمسح الوجوه كالتي تستخدم في المطارات.
وقد ساعد الدكتور عتيق الذي يعود أصله إلى مدينة القدس في تحديث وتطوير التقنيات الأساسية للتعرف على الوجوه في التسعينات، عندما دخل في هذا المجال، وروج لهذه النظم لكي تعتمدها الوكالات الحكومية التي تنظر في التعرف على المجرمين منعا لعمليات الغش التي تنتحل الهوية الشخصية. ويرجع الفضل في ذلك إلى مساهمته في أعمال القياسات البيولوجية التي انتعشت عالميا، أي استخدام الخصائص الطبيعية الفريدة للأشخاص، مثل تعرجات بصمات الأصابع، وتقاسيم الوجه، للتعرف على الهوية وإثباتها. ويقدر مردود مجمل هذه الأعمال بـ7.2 مليارات دولار في عام 2012 استنادا إلى تقارير «فروست آند سولفان».

* مقارنة الوجوه
من شأن عملية مقارنة الوجوه في يومنا هذا، التمكين من القيام بعمليات مراقبة واسعة النطاق، تشمل جماهير غفيرة، وبالتالي القضاء على التنكر الشخصي وإخفاء الهوية، استنادا إلى عتيق، وبالتالي تمكين الأشخاص من السلوك الطبيعي الحسن خارج منازلهم. وحذر في مجال إشارته إلى المستندات ووثائق الاستخبارات التي كشفت للعلن من قبل إدوارد سنودن، من احتمال حصول الوكالات الحكومية أيضا على بيانات الوجوه الخاصة بالأفراد والمواطنين التي تجمعها الشركات وتكدسها.
وبالنسبة إلى صناعة القياسات البيولوجية، يأتي تحذير الدكتور عتيق في مكانه، فالتعرف على الوجوه بالنسبة إلى هذه الصناعة لا يختلف كثيرا عن استخدام السيارة، أي أنها تقنية محايدة، منافعها تغلب سيئاتها ومخاطرها. وهذه المنافع تبدو جلية واضحة، فالرمز الفريد الخاص بك يصاحبك ويرافقك في كل مكان. وتتخيل هذه الصناعة عالما يمكن فيه عن طريق الوجه، فتح مغلاق الهاتف الذكي، والدخول إلى المصارف، والمباني الخاصة، ومرائب السيارات، ونوادي الصحة واللياقة البدنية، بدلا من الاعتماد على بطاقات الهوية المعرضة للضياع، أو مجموعة من كلمات المرور التي يمكن نسيانها، من دون ذكر تعرضها للسرقة.
وكان عتيق قد سمع قبل أشهر قليلة عن تطبيق «نايم تاغ» NameTag الذي بات متوافرا بشكله الأولي للأشخاص الذين يستخدمون نظارات «غوغل»؛ إذ ما عليهم سوى التحديق في رجل غريب، ولفظ «نايم تاغ» حتى يجري فورا الحصول على مقارنات، والحصول على اسم ذلك الشخص الغريب، ومهنته، والمعلومات الواردة عنه في «فيسبوك»، «مما يعني السماح أيضا لهذا الشخص بالكشف عن هويتنا نحن أيضا»، وفقا إلى عتيق.
ويبدو أن عتيق منزعج لما يدور بهدوء وخفاء داخل الشركات الكبيرة، فخلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت شركات تقنية عملاقة كثيرة من الشراء والاستحواذ على شركات ناشئة جديدة تعمل في مجال التعرف على الوجوه. ففي عام 2011 قامت «غوغل» بشراء «بتسبرغ باترن ريكوغنيشن» التي تعمل في مجال المرئيات الكومبيوترية، وهي من تطوير باحثين في جامعة «كارنيغي ميلون» في أميركا. وفي عام 2012 اشترت «فيسبوك»، Face.com الشركة الإسرائيلية الناشئة. وبالطبع رفضت «غوغل» و«فيسبوك» التعليق لدى إعداد المقال هذا، والكشف عن خططهما حول هذه التقنية.
ويقول الدكتور عتيق إن التقنية التي ساعد في تأسيسها تحتاج إلى بعض الضوابط، خلافا لبصمات الأصابع وغيرها من أساليب القياسات البيولوجية الأخرى، فهي، أي التعرف على الوجوه، يمكن استخدامها من مسافات، من دون معرفة مستهدفيها، وبالتالي يمكن ربط وجوههم وهوياتهم بكثير من الصور التي يقومون بوضعها على الشبكة. لكن في الولايات المتحدة لا يوجد قانون اتحادي محدد يتحكم بتقنية التعرف على الوجوه.

* تقنيات التعرف
وثمة كثير من الاستخدامات للتعرف على الوجوه باتت حاليا من الأمور العادية. وهذا ما يسمح لـ«فيسبوك» و«غوغل بلاس» تلقائيا باقتراح عناوين وأسماء لصور الأعضاء وأصدقائهم. وقد يكون هنالك في الطريق مزيد من التطبيقات، فقد قدمت «غوغل» طلبا للحصول على براءة اختراع تتعلق بأساليب لتمييز الوجوه على الفيديوهات، وعلى براءة أخرى تسمح للأشخاص بالدخول إلى أجهزتهم عن طريق الرمش بالعيون، أو عن طريق تعبيرات الوجه الأخرى. وكان باحثو «فيسبوك» قد أفادوا أخيرا كيف أن شركتهم قد طورت نظاما قويا للتعرف على الأنماط يسمى «ديب فيس» DeepFace، الذي حقق دقة تقارب الدقة البشرية في التعرف على وجوه الأشخاص. لكن التعرف على الوجوه تلقائيا في الزمن الفعلي ظاهرة جديدة نسبيا، على الأقل حاليا، وهو أيضا تقنية رفيعة جدا. وفي أوائل التسعينات بحث كثير من الباحثين الأكاديميين، بما فيهم الدكتور عتيق، فكرة برمجة الكومبيوترات للتعرف على التقاسيم المميزة للوجوه، ليقوم البرنامج بعد ذلك باستخدام هذه الملامح للتعرف على ذلك الوجه لدى ظهوره في الصور الأخرى.
ولكي تعمل هذه التقنية، فإنها بحاجة إلى بيانات واسعة تدعى «غاليري صور» تضم صورا أو فيديوهات ساكنة للوجوه التي جرى التعرف عليها بالأسماء. ويقوم البرنامج أوتوماتيكيا بتحويل تقاسيم كل وجه موجود في الغاليري إلى رمز رياضي فريد من نوعه يدعى «بصمة الوجه»، وحال تحويل الأشخاص إلى بصمات وجه يمكن تمييزهم في الصور الحالية أو اللاحقة، أو لدى مرورهم أمام كاميرا الفيديو.
وتستخدم هذه التقنية سلفا في ضمان الأمن في الكازينوهات. وبمقدور دوائر الشرطة في عدد من المدن والولايات الأميركية، وبالاستعانة بنظم التعرف على الوجوه، تلقيم صور المشتبه بهم في عمليات سطو، أو سرقة، مأخوذة من فيديوهات مراقبة في المصارف مثلا، ومقارنة «بصمة وجه» مع غاليري صور المجرمين المدانين بحثا عن شبيه. وتقوم بعض الكازينوهات بأخذ بصمات وجه بعض زائريها لمعرفة من هم أكثر ارتيادا لها ممن يقامرون بمبالغ كبيرة بغية معاملتهم معاملة خاصة. وفي اليابان تقوم بعض المتاجر باستخدام تقنية مقارنة الوجوه لتصنيف النشالين بغية منعهم ثانية من ارتيادها.

* خدمة «نيويورك تايمز»



شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
TT

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين، وإبرام عقود مع الجهات المعنية بتوفير هذه الخدمات لتحقيق المداخيل من محتواها.

واقترحت دار النشر «هاربر كولينز» الأميركية الكبرى أخيراً على بعض مؤلفيها، عقداً مع إحدى شركات الذكاء الاصطناعي تبقى هويتها طي الكتمان، يتيح لهذه الشركة استخدام أعمالهم المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفي رسالة اطلعت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية»، عرضت شركة الذكاء الاصطناعي 2500 دولار لكل كتاب تختاره لتدريب نموذجها اللغوي «إل إل إم» لمدة 3 سنوات.

آراء متفاوتة

ولكي تكون برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج مختلف أنواع المحتوى بناء على طلب بسيط بلغة يومية، تنبغي تغذيتها بكمية مزدادة من البيانات.

وبعد التواصل مع دار النشر أكدت الأخيرة الموافقة على العملية. وأشارت إلى أنّ «(هاربر كولينز) أبرمت عقداً مع إحدى شركات التكنولوجيا المتخصصة بالذكاء الاصطناعي للسماح بالاستخدام المحدود لكتب معينة (...) بهدف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسين أدائها».

وتوضّح دار النشر أيضاً أنّ العقد «ينظّم بشكل واضح ما تنتجه النماذج مع احترامها حقوق النشر».

ولاقى هذا العرض آراء متفاوتة في قطاع النشر، إذ رفضه كتّاب مثل الأميركي دانييل كيبلسميث الذي قال في منشور عبر منصة «بلوسكاي» للتواصل الاجتماعي: «من المحتمل أن أقبل بذلك مقابل مليار دولار، مبلغ يتيح لي التوقف عن العمل، لأن هذا هو الهدف النهائي من هذه التكنولوجيا».

هامش تفاوض محدود

ومع أنّ «هاربر كولينز» هي إحدى كبرى دور النشر التي أبرمت عقوداً من هذا النوع، فإنّها ليست الأولى. فدار «ويلي» الأميركية الناشرة للكتب العلمية أتاحت لشركة تكنولوجية كبيرة «محتوى كتب أكاديمية ومهنية منشورة لاستخدام محدد في نماذج التدريب، مقابل 23 مليون دولار»، كما قالت في مارس (آذار) عند عرض نتائجها المالية.

ويسلط هذا النوع من الاتفاقيات الضوء على المشاكل المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يتم تدريبه على كميات هائلة من البيانات تُجمع من الإنترنت، وهو ما قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الطبع والنشر.

وترى جادا بيستيلي، رئيسة قسم الأخلاقيات لدى «هاغينغ فايس»، وهي منصة فرنسية - أميركية متخصصة بالذكاء الاصطناعي، أنّ هذا الإعلان يشكل خطوة إلى الأمام، لأنّ محتوى الكتب يدرّ أموالاً. لكنها تأسف لأنّ هامش التفاوض محدود للمؤلفين.

وتقول: «ما سنراه هو آلية لاتفاقيات ثنائية بين شركات التكنولوجيا ودور النشر أو أصحاب حقوق الطبع والنشر، في حين ينبغي أن تكون المفاوضات أوسع لتشمل أصحاب العلاقة».

ويقول المدير القانوني لاتحاد النشر الفرنسي (SNE) جوليان شوراكي: «نبدأ من مكان بعيد جداً»، مضيفاً: «إنّه تقدم، فبمجرّد وجود اتفاق يعني أن حواراً ما انعقد وثمة رغبة في تحقيق توازن فيما يخص استخدام البيانات مصدراً، التي تخضع للحقوق والتي ستولد مبالغ».

مواد جديدة

وفي ظل هذه المسائل، بدأ الناشرون الصحافيون أيضاً في تنظيم هذا الموضوع. ففي نهاية 2023، أطلقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اليومية ملاحقات ضد شركة «أوبن إيه آي» مبتكرة برنامج «تشات جي بي تي» وضد «مايكروسوفت» المستثمر الرئيسي فيها، بتهمة انتهاك حقوق النشر. وقد أبرمت وسائل إعلام أخرى اتفاقيات مع «أوبن إيه آي».

وربما لم يعد أمام شركات التكنولوجيا أي خيار لتحسين منتجاتها سوى باعتماد خيارات تُلزمها بدفع أموال، خصوصاً مع بدء نفاد المواد الجديدة لتشغيل النماذج.

وأشارت الصحافة الأميركية أخيراً إلى أنّ النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو كأنها وصلت إلى حدودها القصوى، لا سيما برامج «غوغل» و«أنثروبيك» و«أوبن إيه آي».

ويقول جوليان شوراكي: «يمكن على شبكة الإنترنت، جمع المحتوى القانوني وغير القانوني، وكميات كبيرة من المحتوى المقرصن، مما يشكل مشكلة قانونية. هذا من دون أن ننسى مسألة نوعية البيانات».