رحلة المقانق من بابل إلى الـ«هوت دوغ»

رحلة المقانق من بابل إلى الـ«هوت دوغ»
TT

رحلة المقانق من بابل إلى الـ«هوت دوغ»

رحلة المقانق من بابل إلى الـ«هوت دوغ»

يبدو أنه لا يوجد فرق بين المقانق والسجق عندما يتعلق الأمر بترجمة كلمة «سوسيج» (sausage) الإنجليزية إلى العربية، التي تعني مقانق - وعادة ما يجري الكلام عن الاثنين كأنهما الشيء نفسه، وأحياناً كأنهما من عوالم مختلفة، لكن المقانق والسجق في الواقع هي أصابع من اللحم المفروم المتبل بطرق وأحجام مختلفة، فالمقانق سوداء اللون عادة، صغيرة الحجم، أي بحجم الخنصر، تحضر مع الصنوبر، أما السجق فهو أكبر حجماً، أحمر اللون، أكثر حرارة من المقانق. وفي لبنان، تعتبر المقانق مادة محلية، أما السجق فهو اختصاص أرمني، جاء به الأرمن إلى لبنان بدايات القرن الماضي. ومع هذا، فإن المقانق والسجق من المآكل الشهية التي يقصدها الناس في مطاعم السندويتشات في كل مكان، ويؤكلان عادة مع الحامض والكبيس وغيره من المواد، وأحياناً يتم طبخهما في صلصة البندورة، أو قليهما بالزيت كطبق من أطباق المازة المعروفة.
ويعرف البعض السجق على أنه «من أوائل منتجات اللحوم المصنعة التي عرفها الإنسان، خصوصاً في الصين، كما عرفت أنواع متعددة للسجق في أوروبا، ومنها انتشرت صناعته إلى الأميركتين وبعض دول الشرق الأوسط. ومع أن هناك ما يزيد على 200 صنف من منتجات السجق، بتسميات ونكهات مختلفة، فإن هناك تشابهاً كبيراً في الخطوات العامة لتصنيعها، وتقع كلها تحت 5 أنواع رئيسية، وهي: السجق الطازج (Fresh sausage)، والسجق المطبوخ (Cooked sausage)، والسجق المدخن (Smoked sausage)، والسجق المطبوخ المدخن (Cooked Smoked Sausage)، والسجق المتخمر (Fermented sausage).
أما المقانق في المصدر نفسه فهي الـ«هوت دوغ»، وهو نوع من أنواع «السجق بدأ في أميركا، ويحشى في غشاء اصطناعي سيليلوزي». وفي مصدر آخر، تقول إحدى السيدات في مجال ردها على السؤال عن الفرق بين الاثنين: «السجق، حبيبتي، يختلف، فالسجق لحم الغنم أو البقر فقط، ويكون مطحوناً مع كمية من الدهن والثوم، ويضاف له التوابل الحادة، فيخرج طعمه حاداً، وأغلب الأحيان حاراً، ورائحته قوية، وهو لذيذ جداً، ولا يوجد منه محفوظ، أي أن أغلبه طازج لا يعلب». أما المقانق فهي «لحم مفروم من غير دهون، يهرس ويشكل على شكل أسطوانات، وطعمه عادي، أي ليس بالحاد ولا اللاذع، ويمكن تصنعيه من لحم البقر، وكذلك من لحم الدجاج، وكذلك من لحم الديك الرومي».
وكلمة «سوسيج» (Sausage) الإنجليزية، التي بدأ استخدامها في القرن الخامس عشر، مشتقة من الفرنسية القديمة «سوسيشي» (saussiche)، التي جاءت من اللاتينية «سالسوس» (salsus)، التي تعني المملحة أو المحفوظة، وقد تم تطبيق المصطلح في الأصل على اللحم المعالج أو المملح بشكل عام، فكانت عمليات تحضير المقانق واحدة من وسائل حفظ اللحوم لعدم توفر البرادات، كما هو الحال في عصرنا هذا، خصوصاً بعد اكتشاف أنواع جديدة من البهارات في بعض المناطق.
وعرف الناس المقانق في بابل وأثينا القديمة وروما، وأيام الهنود الحمر في أميركا. وفي القرون الوسطى في أوروبا، بدأت المدن تعرف بمقانقها الخاصة بها، مثل روما وبولونيا وفرانكفورت، فكلمة «سلامي» (Salami) الإيطالية تعني «تمليح»، من كلمة (salare).
وتاريخياً، يؤكد الخبراء أن المقانق موجودة منذ آلاف السنين، وعمرها من عمر الحضارات القديمة، وهي تتعرض إلى التغيرات والتحولات كل يوم، فقد «كانت المقانق عنصراً هاماً في النظام الغذائي للإنسان لمدة عشرين قرناً».
ويقال إن المقانق كانت تباع في اليونان القديمة (في القرن 900 قبل الميلاد) في المسارح، كما يباع الـ«فوشار» في صالات السينما في العصر الحديث، أي أنها كان متوفرة بكثرة، ومن المأكولات الشعبية في الشارع.
كما كانت المقانق من الأطعمة المفضل لدى الرومان. وفي وقت من الأوقات أصبحت شائعة في المناسبات الاحتفالية التي كانت تحدث برعاية الكنيسة في بداياتها المبكرة.
وكان الملك الإنجليزي هنري الخامس، في القرن الخامس عشر، يقول: «إن الحرب بلا نار لا قيمة لها، مثل النقانق من دون الخردل».
وكانت الملكة إليزابيث الثانية، في القرن التاسع عشر، تحب المقانق كثيراً، وكانت تفضل اللحم مقطعاً باليد، بدلاً من أن يكون مفروماً - أي «مقانق خشنة».
وكان الجنود يطلقون على المقانق أيام الحرب العالمية الثانية اسم «مفرقعات» لأن المقانق في أثناء قليها، ولاحتوائها على كثير من الماء، تحدث انفجارات صغيرة عند القلي.


مقالات ذات صلة

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)

حكاية أقدم صانع شعيرية كردي في شمال سوريا

من بين حبال رقائق الشعيرية الطازجة ولونها الذهبي ورائحتها الطيبة، يقف الصناعي الكردي عبد الناصر قاسم برفقة زوجته، بوصفه أحد أقدم الحرفيين في صناعة الشعيرية…

كمال شيخو (القامشلي)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
TT

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

«يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز بطرق غير متوقعة»، هكذا يتحدث الشيف المصري وليد السعيد، عن أهمية الشاي في وصفات لذيذة. أطباق كثيرة يتخللها الشاي وتتنوع بمذاقات مختلفة؛ من بينها فطائر الكريب، وكعكة «شاي إيرل غراي».

وينصح السعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بتجربة الشاي الزهري مثل الياسمين والبابونج، أو الأسود العادي، خصوصاً بالنسبة للمصريين، أو شاي بالقرفة والزنجبيل والقرنفل أو شاي دراغون ويل الأخضر الصيني برائحة الكستناء ونكهة الزبد والجوز، وغير ذلك من الأنواع.

الشيف وليد السعيد يستخدم الشاي بأنواعه في الكثير من الوصفات خاصة الحلويات (الشرق الأوسط)

ويرى السعيد أنه «في بعض الأحيان نستخدم نكهات صناعية من دون النظر إلى عواقب إضافة المواد الكيميائية والمضافة إلى طعامنا، في حين أنه يمكن الاستغناء عنها، واللجوء بدلاً من ذلك إلى استخدام الشاي، بوصفه يجمع بين كونه مكوناً طبيعياً، يجنبك تلك المواد الضارة، وكونه مُحمَّلاً بنكهات متنوعة تلائم الأطباق من الحلوة إلى المالحة، والساخنة والباردة».

ويوضِّح السعيد أنه «يمكن لأي وصفة تحتوي على سائل أن تكتسب نكهة جديدة تماماً عند الاستعانة بالشاي في تحضيرها، وذلك عن طريق تحويل هذا السائل إلى شاي، سواء كنت تستبدله بدلاً من الماء أو الحليب أو الشوربة أو غير ذلك».

فطائرالكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند من شيف ميدو (الشرق الأوسط)

لكن كيف يمكن استخدام الشاي في هذه الحالة؟ يجيب السعيد: «إذا كانت الوصفة تتطلب الماء مثل العصائر والسموذي، فقم بتحضير بعض الشاي بدلاً من الماء، عن طريق تحضير كمية كبيرة من الشاي وتجميدها، إما في برطمانات أو قوالب مكعبات الثلج، ثم إضافتها للطعام».

«أما إذا كانت الوصفة تحتوي على مرق أو حليب، فيمكنك نقع هذا السائل بالشاي؛ لإضافة نكهة إضافية مع الفوائد الغذائية: سخن السائل، وانقع الشاي واستخدمه حسب الحاجة في الوصفة، لكن عليك أن تراعي أنك ستحتاج إلى مزيد من استخدام الشاي، مع تجنب نقعه لفترة أطول حتى لا يصبح مراً». هكذا يوضح الشيف المصري.

ومن هنا عند دمج الشاي في الوصفات تحتاج إلى صنع نحو ربع كوب شاي أكثر من استخدامك المعتاد. على سبيل المثال، إذا كانت الوصفة تتطلب كوباً واحداً من السائل، فقم بغلي 1.25 كوب من الشاي.

امزج أوراق الشاي المطحونة مع الأعشاب، واستخدمها كفرك (تتبيل) جاف للحوم المشوية أو المطهوة، ولمزيد من الحرفية مثل الطهاة استخدم معه السكر البني والملح والفلفل الأسود وحبيبات أو بودرة البصل والثوم والزعتر وإكليل الجبل وقشر الليمون، والزنجبيل، وقشر البرتقال، ومسحوق الفلفل الحار، والبهارات، والقرفة أو القرنفل.

ويلفت الشيف السعيد إلى أنه يمكن استخدام الحليب أو الكريمة المنقوعة بالشاي لصنع صلصة البشاميل والصلصات الأخرى على شكل كريمة للفطائر والبطاطس المقلية، علاوة على حساء الكريمة والخضراوات الكريمية، على أن تستخدم للطعم الكريمي في هذه الأطباق شاياً بنكهة لذيذة، تكون من ضمن مكوناته الشاي الأخضر والأرز المنفوخ والذرة، ولذلك يفضل أن يكون شاياً يابانياً.

أما بالنسبة للحلويات فاستخدم مسحوق الماتشا في الخليط. إذا كنت تخبز البسكويت، فيمكنك أيضاً نقع الزبد المذاب بأوراق الشاي الكبيرة الطازجة، ثم تصفية ذلك، وفي حالة ما إذا كانت الوصفة تتطلب الحليب، فقم بنقع الشاي في الحليب الدافئ أو الماء لمدة من 5 إلى 10 دقائق، وأمامك خيار آخر، وهو طحن الشاي إلى مسحوق في محضر الطعام وخلطه مع المكونات الجافة.

«وإذا كنت تبحث عن الاستمتاع بنكهة حلوة خفيفة مع نكهات زهرية أو فاكهة، فجرب إحدى خلطات الشاي العشبية الكثيرة مثل شاي البابونج والحمضيات أو شاي الكركديه أو شاي التوت البري. اطحن الشاي السائب في مطحنة التوابل حتى يتحول إلى مسحوق، واستخدم ملعقتين كبيرتين لكل دفعة من العجين، ولأن الشاي يمتص السوائل، قلل من كمية الدقيق المطلوبة في الوصفة بملعقتين كبيرتين»، بحسب السعيد.

وليس بعيداً عن ذلك، ينصح الشيف ميدو الذي يعد واحداً من الطهاة المصريين الذين اعتادوا على استخدام الشاي في الطعام، ومن أشهر أطباقه في هذا المجال فطائر الكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند، ويصف ذلك بـ«ثنائية اللون محشوة بكريمة الفانيليا ومغطاة باللون الأخضر»، وكذلك يقدم كعكة «شاي إيرل غراي» مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليا، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تمنح البقع السوداء الصغيرة من الشاي هذه الكعكة كثيراً من الطعم والرائحة».