كريستيانو رونالدو في ريـال مدريد كان أكثر من مجرد هداف

بمجرد الإعلان عن انتقال النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو من ريـال مدريد الإسباني إلى يوفنتوس الإيطالي، قال نجم خط دفاع النادي الملكي سيرخيو راموس: «أهدافك وأرقامك وكل شيء فزنا به معا تتحدث عن نفسها». وكان لاعبو ريـال مدريد يشكون في أن صاروخ ماديرا سيرحل عن «سانتياغو بيرنابيو» أو أن النادي سيسمح له بالرحيل، لكن رونالدو رحل بالفعل هذه المرة.
وبعد دقائق قليلة من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، وحتى قبل أن يتسلم لاعبو الفريق الملكي هذه الكأس المرموقة، قال كريستيانو رونالدو إنه كان من الجيد أن يقضي هذه الفترة في ريـال مدريد. وقال رئيس ريـال مدريد، فلورينتينو بيريز، الذي تشير تقارير إلى أن علاقته برونالدو فاترة بعض الشيء، إنه قد سمع مثل هذه التصريحات من قبل ولم يحدث أي شيء في نهاية المطاف. لكن اتضح بعد ذلك أن الأمر كان مختلفا هذه المرة، وقد رحل الدون عن مدريد في النهاية.
ورحل رونالدو عن ريـال مدريد بعد تسع سنوات وانضم إلى يوفنتوس الإيطالي مقابل 100 مليون يورو، بالإضافة إلى خمسة ملايين يورو أخرى لأنديته السابقة. وأشارت التقارير إلى أن رونالدو قد وقع على عقد مع «السيدة العجوز» لمدة أربع سنوات مقابل نحو 30 مليون يورو في العام، بعد الضرائب، وهو ما يعني أن إجمالي الصفقة قد وصل إلى 345 مليون يورو. وقد حقق رونالدو الكثير من الأرقام القياسية وحطم الكثير من الأرقام الأخرى، ومن المؤكد أنه لن يتوقف عن ذلك، وكما قال راموس فإن «أهدافك وأرقام تتحدث عن نفسها أيها الوحش». من المؤكد أن هذا ليس زمن الشعر، لأن صورة واحدة قد تغني عن ألف كلمة، وهو ما يتضح من الصورة التي نشرتها صحيفة «أس» الإسبانية على صفحتها الأولى لرونالدو وهو عاري الصدر، وهذه المرة وهو في الجزيرة اليونانية التي وقع فيها على عقد انتقاله ليوفنتوس، وقد أظهرت هذه الصورة قوة وشراسة رونالدو وجعلتنا نفكر بكل تأكيد في البطولات التي حققها والأرقام التي حطمها.
وعندما انضم رونالدو إلى ريـال مدريد نظر بكل إعجاب إلى الكؤوس الأوروبية التسعة التي كانت تزين «سانتياغو بيرنابيو»، لكن بعد تسع سنوات رحل رونالدو بعد أن أضاف أربعة كؤوس أخرى، بما في ذلك ثلاثة ألقاب للبطولة الأقوى في القارة العجوز ثلاث مرات متتالية. وكانت هذه هي الحقبة الأكثر نجاحا للنادي الملكي في تاريخه وفي تاريخ أي نادٍ آخر، منذ حصوله على لقب دوري أبطال أوروبا في أول خمسة مواسم للبطولة بقيادة نجمه الأسطوري ألفريدو دي ستيفانو، الذي غير تاريخ النادي وقاده إلى المكانة التي عليها الآن، وهو الرجل الذي جلس ليشاهد رونالدو في تلك الليلة وهو يمسك بالعصا التي يتكئ عليها. وقاد رونالدو ريـال مدريد أيضا للحصول على الدوري الإسباني مرتين وكأس ملك إسبانيا مرتين، وكأس العالم للأندية ثلاث مرات.
والأكثر من ذلك هو أن رونالدو قد فاز بجائزة أفضل لاعب في العالم أربع مرات وهو يلعب مع النادي الملكي، وربما يرتفع هذا العدد إلى خمس خلال الشتاء المقبل، كما أصبح الهداف التاريخي لدوري أبطال أوروبا، وحصل على لقب هداف المسابقة في كل موسم من المواسم الستة الماضية. وسجل رونالدو 311 هدفا في الدوري الإسباني الممتاز، كما سجل 44 هاتريك، وأصبح الهداف التاريخ لريـال مدريد عبر كل العصور، وتجاوز كل أساطير النادي الملكي، بما في ذلك إيميليو بوتراغينيو وهوغو سانشيز وكارلوس سانتيلانا وراؤول ودي ستيفانو.
وتجاوز معدل تسجيله للأهداف هدفا في المباراة الواحدة بنسبة 1.029. وكان أقرب لاعب له عبر تاريخ النادي الطويل هو النجم المجري بوشكاش بـ0.92 هدفا في المباراة. وسجل رونالدو 450 هدفا في 438 مباراة بقميص ريـال مدريد، في الوقت الذي قالت فيه صحيفة ماركا الإسبانية إلى العدد الصحيح لأهداف رونالدو هو 451 وليس 450. وقالت صحيفة ماركا: «وداعا أيها الأسطورة. لن يكون هناك لاعب آخر مثله»، وطبعت غلافا من صفحتين عليهما 451 كرة تمثل كلا منها هدفا من الأهداف التي سجلها رونالدو مع ريـال مدريد. وكانت الكرات تملأ الصفحتين تماما، بشكل يعبر عن العدد الهائل من الأهداف التي سجلها رونالدو وضخامة الإنجازات والأرقام التي حققها.
ورغم أن هذه الإحصائيات لا تحتمل أي جدل، فإنها يمكن أن تختزل كل شيء قدمه رونالدو إلى مجرد أرقام وكأنها شيء عادي وروتيني، أو مجرد أهداف من الطبيعي إحرازها، وتجعل المرء يفشل في تخيل حجم الإنجازات التي حققها هذا اللاعب الأسطوري وفي منحه التقدير الذي يتناسب مع كل ما حققه. ووصل الأمر لدرجة أن أحد العناوين الرئيسية لإحدى الصحف كان يقول: «كان الأمر لطيفاً حتى انتهى»، كما لو كان هذا الأمر لم يدم طويلا ولم يهيمن النجم البرتغالي على أكبر ناد في العالم لمدة عقد كامل من الزمان!
وحتى الهدف الخرافي الذي سجله من خلفية مزدوجة في ناديه الحالي يوفنتوس، والذي وضعته صحيفة ماركا بين أفضل الكرات التي جاءت منها أهداف رونالدو، انتهى به المطاف لتحويله إلى رسم هندسي، حيث قامت الصحيفة بحساب المسافة التي ارتفى فيها رونالدو لكي يسدد الكرة والزاوية التي كان عليها وضع جسمه أثناء الصعود، وكأنه تحليل هندسي لآلة أو «وحش» وليس للاعب مبدع! وبعيدا عن الأهداف والأرقام والإحصائيات، يتميز رونالدو بأنه لاعب مختلف ومتكامل ويمتلك كافة مقومات لاعب كرة القدم المثالي، فهو لاعب قوي البنية لديه طموح هائل ورغبة جامحة في التدريب بأكبر قوة ممكنة، فتراه يتدرب وهو يضع أوزانا ثقيلة من أجل تقوية كاحل القدمين ويواصل التدريب في صالة الألعاب الرياضية لساعات طويلة.
وحتى زملائه من اللاعبين في أفضل وأقوى نادي في العالم يعترفون بأنه لاعب مختلف، ويكفي أن تستمع لبول كليمينت، الذي كان يشغل منصب المدرب المساعد لكارلو أنشيلوتي عندما كان يتولى تدريب ريـال مدريد، وهو يتحدث عن كيف كان لاعبو الفريق يعودون في الساعات الأولى بعد رحلة خارجية في أوروبا وهو مرهقون ويتجهون إلى منازلهم في حين كان رونالدو يتوجه نحو ملعب التدريب وينغمس في حمام من الثلج! قد يجعلنا هذا التصريح نعود مرة أخرى إلى الحديث عن كونه «آلة»، لكنه في نهاية المطاف إنسان ولاعب فذ حطم أرقاما وسجل أرقاما أخرى لم يصل إليها أي لاعب في عالم الساحرة المستديرة عبر تاريخها الطويل، وقدم لنا الكثير من مستودع مهاراته وإمكانياته، وحتى أحاسيسه.
وعلاوة على ذلك، يتمتع رونالدو بذكائه الشديد وقدرته على إدراك الأمور من حوله بصورة رائعة وتكيفه مع المستجدات التي تحدث بمرور الوقت. صحيح أن المدير الفني السابق لريـال مدريد زين الدين زيدان قد ساعده كثيرا في هذا الأمر، لكن يجب الإشارة إلى أن رونالدو هو الذي ساعد نفسه أكثر من أي شخص آخر. لقد تمكن رونالدو من أن يصبح أكثر تركيزا وأكثر فعالية أمام المرمى، وبالتالي قاد ريـال مدريد إلى نجاحات أكثر. ويعد هذا هو السبب الذي جعل يوفنتوس يؤمن بأن رونالدو ما زال لديه الكثير والكثير لكي يقدمه رغم أنه وصل إلى الثالثة والثلاثين من عمره.
وقد أثبت رونالدو أنه قادر على التطور مع تقدم السن، والدليل على ذلك أنه حقق أفضل إنجازاته الكروية بعدما تجاوز الثلاثين من عمره. وقد صرح رونالدو من قبل بأنه سوف يلعب حتى الأربعين من عمره، رغم اعترافه بأنه من الطبيعي أن يقل مستواه مع التقدم في السن، ويبدو الآن أنه قادر على الاستمرار حتى سن الأربعين بالفعل. وقال رئيس ريـال مدريد في يناير (كانون الثاني) الماضي: «إنه الأفضل في التاريخ إلى جانب دي ستيفانو». وبالمناسبة، فقد رحل دي ستيفانو عن النادي أيضا وهو غير سعيد، ويجب الإشارة إلى أنه من المستحيل إعطاء دي ستيفانو حقه نظير ما قدمه لريـال مدريد، لكن رونالدو وصل إلى نفس مكانة دي ستيفانو. ويمكن القول بأن رونالدو هو أفضل لاعب في تاريخ أكثر الأندية نجاحا في العالم وأحد أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم.
وسبق وأن صرح بيريز بأن «حقبة جديدة» سوف تبدأ عندما يرحل رونالدو. والآن، وبعد أن رحل رونالدو بالفعل، أصبحت الأمور تبدو قاتمة لأن النادي الملكي قد فقد أهم لاعب في تاريخه الحديث. ورغم ذلك، حاول ريـال مدريد أن يتغلب على تلك الكآبة من خلال الإشارة إلى أن رونالدو هو المسؤول عن الرحيل الآن. وفي الحقيقة، يمكن أن يتحمل رونالدو جزءا من هذه المسؤولية في مرحلة ما بالفعل.
ويمكن القول بأن الهدف الرائع الذي أحرزه رونالدو من خلفية مزدوجة في نادي يوفنتوس على ملعبه ووقوف جمهور السيدة العجوز تقديرا له وسط تصفيق حار كان بداية شيء ما، حيث وضع رونالدو يده على قلبه وهو يحتفل بهذا الهدف وكأنه قد شعر بقدر كبير من الحب الذي يفتقده في ريـال مدريد. وكان رونالدو قد انتقل لريـال مدريد في عهد الرئيس السابق للنادي رامون كالديرون الذي كانت تربطه به علاقة قوية، لكن علاقة رونالدو بالرئيس الحالي بيريز لم تكن بنفس القوة منذ البداية، وازدادت هذه العلاقة فتورا مع مرور الوقت وبسبب القضية التي رفعت ضده من قبل هيئة الضرائب في إسبانيا والرغبة في التعاقد مع لاعبين جدد ورفض تعديل عقده، وهي الأسباب التي أدت في النهاية لرحيله عن النادي. صحيح أن مسيرة أي لاعب مع أي ناد ستتوقف يوما ما، لكن رونالدو ليس كأي لاعب بكل تأكيد.
ربما تتحدث أرقام رونالدو عن نفسها، لكن رونالدو نفسه يريد أن يُسمع صوته. والآن، أصبح يتعين على ريـال مدريد أن يواجه حقبة جديدة، وهو الأمر الذي لن يكون سهلا بالمرة، ويعرف ريـال مدريد هذا جيدا. وبعد الحصول على لقب دوري أبطال أوروبا مرة أخرى، كان عقل رونالدو في مكان آخر بالفعل، فعندما سئل عما إذا كان هناك مكان آخر أفضل من ريـال مدريد، رد قائلا: «إنه أمر صعب، لكن الحياة لا تقتصر فقط على المجد».