الخلافات في جنوب السودان تتصاعد.. وأموم يصف سلفا كير بـ«ديكتاتور ضل طريقه»

الخلافات في جنوب السودان تتصاعد.. وأموم يصف سلفا كير بـ«ديكتاتور ضل طريقه»
TT

الخلافات في جنوب السودان تتصاعد.. وأموم يصف سلفا كير بـ«ديكتاتور ضل طريقه»

الخلافات في جنوب السودان تتصاعد.. وأموم يصف سلفا كير بـ«ديكتاتور ضل طريقه»

شن رئيس جنوب السودان رئيس حزب الحركة الشعبية الحاكم سلفا كير ميارديت هجوما عنيفا على المجموعة المناوئة له، بقيادة نائبه السابق رياك مشار، الذي ما زال يشغل منصب النائب الأول في الحزب الحاكم، مؤكدا أنه سيقدم توصية إلى لجنة التحقيق التي كان شكلها في يوليو (تموز) الماضي مع الأمين العام للحزب باقان أموم بإعفائه من جميع مناصبه، إلى اجتماع مجلس التحرير القومي، بينما وصف أموم رئيس حزبه سلفا كير بـ«الديكتاتور الذي ضل الطريق عن رؤية الحركة الشعبية».
وبدأت، أمس، أعمال اجتماع مجلس التحرير القومي لحزب الحركة الشعبية الحاكم، ويستمر لثلاثة أيام، وسط إجراءات أمنية مشددة وأجواء توتر وسط المجتمعين. وقال سلفا كير إن المجموعة المناوئة له، بقيادة نائبه الأول في الحزب رياك مشار «ستعيد إلى الأذهان ذكريات أليمة»، وستقلل من قيمة استقلال بلاده الذي حدث قبل عامين. في إشارة إلى الحرب التي دارت عقب انشقاق مشار في عام 1990 عن الحركة الشعبية. وأضاف: «هذه الذهنية ستعيدنا الذكريات الأليمة، وستقلل من قيمة استقلال بلادنا»، محذرا بقوله: «لست جاهزا لذلك.. الطريقة الوحيدة لتقدير تضحيات شعبنا باحترام إنجازات حزب الحركة الشعبية». وأضاف: «سمعت بأن بعض الرفاق قد وصفوا أنفسهم بالقيادات التاريخية. ليس هناك من هو تاريخي ومن هو غير تاريخي». وقال كير إنه ومنذ أن قرر حمل السلاح، في ستينات القرن الماضي، لم يخُنْ مبادئ شعبه. وأضاف: «لم أنحرف لأي اتجاه، بينما انضم بعض رفاقنا خلال حقبة النضال المسلح إلى العدو، فيما ظللت أنا عضوا ملتزما بالحركة الشعبية». في إشارة إلى الاتفاق الذي عقده رياك مشار مع الرئيس السوداني عمر البشير، في عام 1997، الذي عُرف باتفاقية الخرطوم للسلام بعد انشقاق مشار من الحركة الشعبية بزعامة مؤسسها دكتور جون قرنق.
وشدد كير على أنه سيواصل الكفاح من أجل تحقيق مبادئ حزبه. وأكد في كلمته التي وُصفت بالحادة في مواجهة خصومه من قيادات الحزب الحاكم، أنه تسلم التقرير الذي قدمته لجنة المحاسبة التي كان قد شكلها في يوليو (تموز) الماضي للتحقيق مع الأمين العام لحزبه باقان أموم، بخصوص اتهامات تتعلق بسوء إدارة التنظيم وانتقاد قيادة الحزب. وقال إن اللجنة قد أوصت بإعفاء أموم من جميع مناصبه التي يتقلدها في الحزب. وأضاف: «رغم اتفاقي مع ما ورد في توصية تقرير اللجنة، فإنني سأرفعها إلى اجتماع مجلس التحرير المنعقد حاليا للبت في ذلك وإصدار قرار نهائي»، مشيرا إلى أن اجتماع مجلس التحرير القومي سيناقش وثائق مهمة تتعلق بدستور الحزب وميثاقه، بحسب توصية المكتب السياسي. وقال إن الاجتماع سيمهد الطريق أمام مستقبل حزبه. وأضاف: «حزبنا قدم إنجازات كبيرة لشعب جنوب السودان، منها بناء مؤسسات الحكومة، وإنفاذ حكم القانون، وتقديم الخدمات للمواطنين، وإجازة الدستور الانتقالي»، مشيرا إلى أن تلك الإنجازات هي المبادئ التي ناضل من أجلها حزبه، وقادته إلى الفوز في الانتخابات العامة في عام 2010، مجددا دعوة العفو الرئاسي لقائد التمرد ديفيد ياو ياو واللحاق بمسيرة السلام.
وأكد كير التزام حكومته بإجراء التعداد السكاني في زمن الانتخابات في 2015.
من جانبه، رد الأمين العام الذي جرى تجميده باقان أموم بعنف على كير، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه حاول الذهاب إلى اجتماع مجلس التحرير، لكن قوة من الشرطة وبتوجيهات من سلفا كير منعته من الخروج من منزله. وقال: «أنا عضو في المكتب السياسي ومجلس التحرير، وجرى انتخابي من قواعد الحزب، وهذا انتهاك لدستور البلاد والحزب. لقد أصبحنا في نظام ديكتاتوري».
وتابع: «أتوقع الأسوأ.. لأن ما يحدث ضد الدستور، وفي ظل غياب حكم القانون». وأضاف أن كير ضل الطريق عن رؤية الحركة وبرامجها في بناء الدولة والأمة، مشيرا إلى أن مجموعة من قيادات الحركة تعمل على تصحيح المسار وإصلاح الأخطاء التي اتخذها كير ولن تتوقف.
وقال: «لقد ظهرت نزعة ديكتاتورية لسلفا كير منذ رحيل قائد ومؤسس الحركة الرفيق جون قرنق، ولكننا كان همنا الأساسي هو تنفيذ اتفاقية السلام الشامل مع الخرطوم». وأضاف: «رئيس الحركة أصبح يضرب بعرض الحائط بكل مبادئ الحركة، والابتعاد عن النهج الديمقراطي، وهذا توجه خطير سيجعل من الحركة تنظيما فاقدا للرؤية والاتجاه».
وقال أموم في أول لقاء صحافي منذ أن أصدر كير قرارا في يوليو (تموز)، عقب تجميد عضويته، ومنعه من الحديث إلى الإعلام، إن الحزب الحاكم عليه أن يتجه نحو العمل الجماعي، كما كان في السابق، وتقديم قيادة رشيدة قادرة على بناء الأمة في هذه المرحلة الحساسة من بداية مشوار الدولة. وأضاف أن شعب جنوب السودان ينتظر أن يقدم له خدماته الأساسية.
وقال إن حزبه يواجه معضلة في تقديم القيادة والبرنامج في الوقت الراهن لبناء أمة من الإثنيات التي تشكل جنوب السودان عبر القواسم المشتركة. وقال إن أخطاء سلفا كير تتمثل في فقدانه الرؤية والسياسات، إلى جانب التخبط في اتخاذ القرارات، وعدم القدرة على تقديم قيادة قادرة على قيادة الحزب والدولة، وأضاف: «الآن أصبح لدينا مشكلة في قيادة الحزب لبناء دولة ديمقراطية، وكل شيء صار في يد الرئيس سلفا كير، وهو يسعى إلى بناء حزب موالٍ له لا يقدم فكرا أو برنامجا، ويسير وفق توجهاته ونزعته الديكتاتورية».
وقال أموم أن هناك أدلة لدخول عناصر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان إلى داخل الحركة الشعبية في جوبا، وفي جهاز الدولة وقيادة البرلمان. وأضاف أن الحزب يسير بنهج غريب عنه حتى منذ أيام النضال.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.