في ذكرى تحرير الموصل... الإحباط سيد الموقف

تحذيرات من عودة «الفساد الأمني» الذي ساهم في سقوط نينوى

مشاهد الخراب لا تزال طاغية في الموصل بعد عام على تحريرها من «داعش» (أ.ف.ب)
مشاهد الخراب لا تزال طاغية في الموصل بعد عام على تحريرها من «داعش» (أ.ف.ب)
TT

في ذكرى تحرير الموصل... الإحباط سيد الموقف

مشاهد الخراب لا تزال طاغية في الموصل بعد عام على تحريرها من «داعش» (أ.ف.ب)
مشاهد الخراب لا تزال طاغية في الموصل بعد عام على تحريرها من «داعش» (أ.ف.ب)

في وقت تعهد فيه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بملاحقة خلايا تنظيم داعش في كل مكان بالبلاد، والبدء بوضع الخطط والاستراتيجيات لمرحلة الإعمار، في الذكرى الأولى لتحرير مدينة الموصل في العاشر من يوليو (تموز) 2017، حذر سياسيون من أن السلبيات التي كانت قد تراكمت قبيل سقوط محافظة نينوى بيد «داعش» وأدت إليها، عادت اليوم بطرق مختلفة.
وقال العبادي في بيان: «لقد كتب مقاتلونا الشجعان وبكل صنوفهم سطور هذه الملحمة الخالدة، بالدماء والتضحيات الجسام التي فتحت أبواب الأمن والاستقرار في ربوع بلدنا العزيز، في مرحلة صعبة وتحدٍ كبير قاتل فيه رجال قواتنا المسلحة من الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية وجهاز مكافحة الإرهاب، ورجال الحشد الشعبي والبيشمركة، وجميع الخيرين، جنبا إلى جنب؛ لأن التهديد كان مسألة وجود وبقاء». وعد العبادي أن «تحرير الموصل فتح الباب واسعا أمام عودة أهلها إلى منازلهم وحياتهم الطبيعية، بعد عناء النزوح». وأكد أن «العراق سيتمكن من القضاء على ما تبقى من العصابات وخلاياها المجرمة، وتعقبها حتى خارج الحدود؛ حيث يسطر أبطال العراق من القوات المسلحة والجهد الاستخباري البطولات، ويلاحقونهم لتخليص البلد من شرورهم نهائيا».
وبشأن عمليات الإعمار والبناء، قال العبادي إن «مرحلة البناء والإعمار والاستقرار للمناطق المحررة وكل مناطق العراق، بدأت بخطواتها الأولى، وكما عاهدناكم بالنصر وتحرير الأرض وتحقق، فإننا الآن وضعنا الخطط والاستراتيجيات الكاملة لإعمار وبناء البلد وبدأ تنفيذها».
من جهته، قال أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق الذي سقطت المحافظة في عهده، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوقت ما زال غير مناسب لأهل الموصل، لكي يتحدثوا بصراحة لماذا سقطت مدينتهم بيد (داعش) ولماذا تحررت بهذه الطريقة». النجيفي الذي كان قد أدلى بشهادة مطولة أمام لجنة التحقيق البرلمانية، التي لم تر نتائجها النور حتى الآن بسبب الضغوط السياسية، يضيف أن «هذا يمكن أن يحدث بعد أن يعود الوعي السياسي للعراقيين عموما، وعندها سيعيدون تقييم من ضحى بمدنهم وشرد الملايين من أبناء شعبهم بهذه الطريقة».
وحول ما إذا كانت هناك مراجعة لما حصل، يقول النجيفي إن «العراقيين لم يناقشوا مسألة ماذا بعد التحرير، وأراهم قد نسوا تقييم التجربة السابقة، وضرورة تفادي تكرارها، فعادوا إلى دوامة الخلافات السياسية الهامشية، تاركين السياسة الاستراتيجية في العراق تدار من خارج حدودهم».
وردا على سؤال بشأن المطلوب عمله لكي يتم تفادي ما حصل مرة ثانية، يقول النجيفي إن «المطلوب هو الذي تتهرب منه السلطة بحثا عن مكاسبها، وهو استثمار الشعور الوطني الجامع بمحاربة (داعش) وتوحيد العراقيين تجاه عدو واحد اتفقوا على محاربته، دون تأويل ولا توسع في الاتهامات، والعفو عن كل من يريد المساهمة في حياة سياسية وينبذ الإرهاب، وإعادة بناء وضع سياسي جديد في العراق».
بدوره، يرى عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى الشيخ أحمد مدلول الجربا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عملية التحرير وبعد سنة من حصولها تواجه تحديات كبيرة؛ خصوصا أن السلبيات التي كانت موجودة قبيل سقوط الموصل بيد تنظيم داعش عادت من جديد ثانية، وعلى يد بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية».
ويحدد الجربا الأساليب التي بدأت هذه الجهات باتباعها، وهي «أولا أساليب الابتزاز التي تمارس بحق المواطنين من بعض أفراد تلك الأجهزة، وثانيا إطلاق سراح كثير ممن يلقي المواطنون القبض عليهم من الدواعش، ويتم تسليمهم إلى الأجهزة الأمنية؛ لكن يطلق سراحهم بعد فترة، مما يشكل حالة إحباط واضحة، وثالثا هناك مسألة أساسية، وهي أن عملية سقوط الموصل وصلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك وديالى، إنما تمت بسبب الحدود المفتوحة من جهة سوريا، وهو أمر خطير لم تجر معالجته حتى الآن؛ حيث لا تزال الحدود مفتوحة، ويدخل الإرهابيون منها ويخرجون بكل سهولة». ودعا الجربا «الحكومة العراقية إلى معالجة هذا الوضع، وإرسال تعزيزات عسكرية إلى هناك لمسك الحدود، حتى لا تتكرر المأساة ثانية». وكشف عن «قيام ضباط - حتى برتب صغيرة مثل نقيب أو رائد - بدفع مبالغ طائلة قد تصل إلى 150 ألف دولار، من أجل أن ينقلوا إلى الموصل؛ لأنها أصبحت بوابة للثروة بسبب الفساد المالي والإداري».
إلى ذلك، يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد ضياء الوكيل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنظيم داعش لا يزال ينشط في المناطق الصحراوية والأماكن الحيوية التي تعد شريانا مهما لهذا التنظيم، وهي المناطق ما بين وسط وشمال غربي العراق، وبالذات طريق بغداد - ديالى – كركوك، الذي يربط في الوقت نفسه عدة محافظات، مثل نينوى وصلاح الدين، ومع كردستان حيث يوجد استهداف واضح لهذا الطريق»، مبينا أن «ذلك يحقق مصلحة كبيرة لـ(داعش) وذلك من باب التشكيك بقدرة الحكومة العراقية على تأمين هذا الطريق، وزعزعة ثقة المواطن العراقي بأجهزة الدولة، ومحاولة إظهار الوضع وكأنه خارج السيطرة». ويرى الوكيل أن «الأمر المحسوم بعد سنة على تحرير نينوى، بدءا من الموصل وتاليا كل المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة التنظيم، هي أن هذه الصفحة طويت لصالح المؤسسة العسكرية العراقية؛ لكن الحرب على الإرهاب لم تنته بعد».
ويؤكد الوكيل أن تنظيم داعش «لا يزال ورقة تصلح للصراع الإقليمي والدولي في المنطقة، وحيث إنه لا يزال الإرهاب هو العدو المفترض للجميع، فإنه يمكن توظيف ورقته حسب تلك المشيئة بين آونة وأخرى».
وغابت الاحتفالات والزينة عن شوارع الموصل في الذكرى السنوية الأولى لتحريرها من تنظيم داعش التي صادفت أمس، وسط أجواء من الإحباط بسبب التأخير في إعادة الإعمار. وتروي أم محمد دامعة عودتها إلى منزلها المهدم في أحد أحياء البلدة القديمة في غرب الموصل، وتسأل: «تحررنا (...) إلى ماذا عدنا؟ بيوت مهدمة وخدمات معدومة». وتشير ربة المنزل الثلاثينية وأم الأولاد السبعة المتشحة بالسواد إلى ما تبقى من منزلها قرب جامع النوري الكبير الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم {داعش} أبو بكر البغدادي.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، اختفت نتيجة المعارك منارة الحدباء التاريخية التي تعد أبرز معالم الموصل، وتعرضت للتجريف كما هي حال كثير من المساجد والمواقع الأخرى والمنازل التي استحال بعضها ركاماً. ولئن عادت الحياة إلى طبيعتها في الجزء الشرقي من الموصل، فإن الدمار لا يزال ماثلاً في غربها. وقبل أيام فقط، بدأت السلطات المحلية عملية رفع الأنقاض بمشاركة متطوعين.
ويشير «المجلس النرويجي للاجئين» في بيان إلى أنه بعد مضي عام على استعادة الموصل، «لا يزال هناك أكثر من 380 ألف شخص من سكان المدينة بلا منزل، وأحياؤهم عبارة عما يصل إلى 8 ملايين طن من الحطام». ويوضح أن «نحو 90 في المائة من الجانب الغربي من مدينة الموصل مدمر. ونحو 54 ألف منزل في الموصل والمناطق المحيطة بها مدمّر».
لا احتفالات ولا زينة في شوارع المدينة الشمالية التي كانت تعد مفترق طرق تجارية، حولها المتطرفون خلال 3 سنوات إلى عاصمة لـ«دولة الخلافة» المزعومة. ويقول أبو غصون (44 عاماً) العاطل عن العمل الذي استأجر بيتاً في شرق المدينة بعد خسارة منزله في غربها: «التخريب والتدمير الكبير للساحل الأيمن (غرب) أفرغا التحرير من محتواه». ويقول إبراهيم فتاح (35 عاماً) بدوره: «كنا نتوقع الإعمار مباشرة لكن شيئاً لم يتحقق. هذا ترك إحباطاً وغصة في نفوس الأهالي المنكوبين».
ويطول اليأس خصوصاً العائلات التي لا تزال تبحث عن مفقودين، على غرار أم قصي (40 عاماً). وتشكو السيدة التي تسكن الشطر الشرقي من الموصل غياب أي متابعة رسمية لهذا الملف، قائلة: «لماذا لا ترد علينا الحكومة؟».
كل يوم جمعة، تتحول ساحة المنصة في الموصل إلى موقع تجمع لسيدات يبحثن عن مفقودين من عائلاتهن. وترتدي النساء ملابس سوداء ويرافقهن أطفالهن وبعض الرجال، ويحملن صور الأحباء، في مشهد يذكر بـ«أمهات ميدان مايو» اللاتي فقدن أطفالهن في عهد الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976 - 1983). ويشير الكل بإصبع الاتهام بالتلكؤ إلى الحكومة التي لم تقدم على أي خطوة لإعادة الإعمار حتى اليوم.
ويقول عضو مجلس محافظة نينوى غانم حميد، إن «الحكومة المركزية متلكئة ومقصرة بشكل كبير. لم تقدم شيئاً يذكر». ويضيف: «قبل معركة التحرير عقد مؤتمر باريس (2014)، وبعد التحرير عقد مؤتمر الكويت (2018) لإعادة الإعمار. وبقي كل ذلك حبراً على ورق».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.