أربع «نصائح» فرنسية لإيران و«تحذير» من اللجوء إلى استفزازات

TT

أربع «نصائح» فرنسية لإيران و«تحذير» من اللجوء إلى استفزازات

من بين كافة المسؤولين الخمسة الذين شاركت بلادهم في التوقيع على الاتفاق النووي مع طهران في يوليو (تموز) من العام 2015 «فرنسا، بريطانيا، ألمانيا روسيا والصين»، اختار الرئيس حسن روحاني التواصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستبقاً الاجتماع الوزاري الذي حصل في فيينا أمس. واعتبرت مصادر رسمية في باريس أن «مبرر» الاتصال بماكرون يعود إلى كون باريس «الأكثر نشاطاً وحراكاً» في الملف النووي الإيراني كما أنها في الوقت عينه «الأكثر تطلباً» من إيران. وتضيف هذه المصادر أن الجانب الفرنسي «لم يتوقف أبدا عن مطالبة طهران ببدء مناقشة الملفات الخلافية» التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مقدمة الأسباب التي دفعته إلى الانسحاب من الاتفاق في مايو (أيار) الماضي. لكن، بالمقابل، ثمة من رأى في باريس أن مسارعة إحدى وكالات الأنباء الإيرانية لنشر خبر يفيد أن روحاني أبلغ ماكرون أن «حزمة» الإجراءات التي يقترحها الخمسة من أجل «إرضاء» إيران وحملها على عدم الخروج من الاتفاق جاءت بمثابة «وسيلة ضغط» على وزراء الخارجية. كذلك اعتبرت «ورقة إضافية» إلى جانب ورقة التهديد بإغلاق مضيق هرمز بوجه تدفق النفط التي لوّح بها روحاني شخصياً ونال بسببها دعم «الحرس الثوري» قبل أن تبدأ طهران بالتراجع عن التهديد وتؤكد أن روحاني لم يقصد ذلك.
لم يُعرف في باريس ما إذا كان ماكرون قد أثار هذه النقطة بالذات مع روحاني وما إذا كان له دور في تراجع التهديدات الإيرانية. لكن ما هو ثابت وما كشفت عنه مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» هو أن باريس قدّمت للسلطات في طهران أربع «نصائح». وتدعو النصيحة الأولى إيران إلى البقاء داخل الاتفاق وطمأنتها إلى أن الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) ستعمل «قدر إمكانياتها» على التعويض عن النقص المتعدد الأوجه المترتب على خروج واشنطن من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات على الدول والشركات والأفراد التي تتعامل مع طهران علما بأن أولى العقوبات سيبدأ فرضها في الرابع من الشهر المقبل فيما العقوبات على النفط والغاز والطاقة بشكل عام ستسري بداية نوفمبر (تشرين الثاني).
وتدعو النصيحة الثانية طهران إلى الامتناع عن وضع تهديدها بالعودة إلى التخصيب الحر لليورانيوم موضع التنفيذ والحرص على أن يبقى ضمن الحدود المسموح بها بموجب اتفاق 2015 من حيث النسبة «أقل من 4 في المائة» أو الكمية أو نوعية الطاردات المركزية وعددها. وتحذر باريس من أن خطوة كهذه ستدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات «إضافية» ومعها إسرائيل. وفي أي حال، فإنها ستزيد التوتر في منطقة الخليج. وثمة من يرى في باريس أن واشنطن التي يرغب فريق الصقور فيها ليس فقط في إرغام إيران على التفاوض من جديد على برنامجها النووي بل «تغيير النظام»، تراهن على أن «ترتكب طهران الخطأ الذي يوفّر الذريعة» لها للتدخل المباشر إلى جانب الإجراءات الهادفة إلى «خنق» الاقتصاد الإيراني ودفع الشارع إلى الحراك. ومن هنا، فإن باريس تحث طهران على الامتناع عن أي تحرك استفزازي وهي النصيحة الثالثة التي وصلت إلى أسماع الطرف الإيراني. وأخيراً فإن باريس لم تتخل عن مطالبة السلطات الإيرانية بإبراز الاستعداد لمناقشة مصير برنامجها النووي لما بعد العام 2025 إضافة إلى «تحجيم» برامجها الصاروخية والباليستية وأخيراً السير بسياسة إقليمية بعيدة عن العدائية. وسبق لفرنسا أن نددت على لسان كبار مسؤوليها بـ«نزعة الهيمنة» الإيرانية وبتدخلات طهران في دول الجوار، كما شككت في الأسباب التي تبرر فيها إيران سعيها إلى جعل مدى صواريخها يصل إلى 5 آلاف كلم. وفُهم من مصادر فرنسية أن طهران أبرزت «بعض الليونة» للخوض في هذه الملفات بعكس ما تدل عليه التصريحات العلنية لمسؤوليها.
وانطلاقا من هذه المعطيات، تعتبر باريس أن التزام طهران بها «يمكن أن يسهل المحافظة على الاتفاق وانتظار ما سيحصل في واشنطن حيث لا يمكن إقصاء حصول ثغرات في السياسة الأميركية على غرار ما حصل مع كوريا الشمالية حيث انقلبت مواقف واشنطن من النقيض إلى النقيض». وبحسب ما قاله مصدر فرنسي، فإن وضع إيران مع المحافظة على الاتفاق ورغم العقوبات الأميركية «سيكون أفضل» من وضعها من غير الاتفاق ومع عقوبات أممية إضافية وبحيث ستكون إلى حد كبير «معزولة على المسرح الدولي». لكن باريس وكما تقول مصادرها، غير قادرة لا منفردة ولا جماعياً على «الاستجابة الكاملة» للمطالب الإيرانية أو ما تسميها طهران «الضمانات».
من هنا، فإن ما حصل في اجتماع فيينا الوزاري أمس والتزام الخمسة بتحقيق 11 هدفاً أهمها السماح لطهران بالاستمرار في تصدير نفطها وغازها وهو العامل الحاسم في مساندة الاقتصاد الإيراني المهتز واحتواء الحراك الشعبي يطرح الكثير من الأسئلة حول «الطريقة» التي ستسمح للأوروبيين والروس والصينيين بترجمة هذه الالتزامات إلى واقع اقتصادي. وسبق لمصادر فرنسية أن شددت على أن الحكومة في فرنسا أو في غيرها «لا تملك القدرة على فرض البقاء في السوق الإيرانية على شركاتها» التي تخاف من تطبيق العقوبات الأميركية عليها. كذلك ثمة تساؤلات عن «الضمانات» التي يستطيع الاتحاد الأوروبي وغيره تقديمها للشركات والمصارف لحمايتها من العقوبات الأميركية العابرة للحدود. ويتذكر عالم الأعمال في فرنسا أن مصرف «بي إن بي باريبا» قد اضطر إلى دفع غرامة تزيد على تسعة مليارات دولار للخزانة الأميركية لمخالفته السابقة القوانين الأميركية العابرة للحدود. وقبل البدء بتطبيق العقوبات، أعربت شركة «توتال» النفطية عن عزمها الخروج من السوق الإيرانية في حال لم تحصل من واشنطن رسمياً على «استثناء» من العقوبات. وسلكت شركة «بيجو - سيتروين» الطريق نفسه رغم مصالحها الكبرى في إيران حيث باعت العام الماضي أكثر من 300 ألف سيارة.
هذه «الشكوك» حول قدرة الأوروبيين والآخرين على الوفاء بوعودهم أشار إليها وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الذي نقلت عنه وكالات الأخبار قوله إنها «المرة الأولى التي تظهر فيها «الأطراف الخمسة» التزاماً بهذا المستوى لكن يتعين مستقبلاً أن نرى ما سيكون عليه الفارق بين ما يريدون عمله فعلاً وما يستطيعون القيام به». أما نظيره الفرنسي فقد رأى أن التوصل إلى «اقتراحات ملموسة سيحتاج لعدة أشهر» ما يعني أن ما أقر أمس هو مجموعة مبادئ أو أهداف ليس إلا.
ويبدو من المسلمات أن الشركات الأوروبية الكبيرة التي تتمتع بحضور قوي في السوق الأميركية لن تغامر بـ«مقايضته» بالسوق الإيرانية والتعرض بسببه للعقوبات. ولذا، فإن الشركات الصينية أو الروسية قد تكون أكثر «مناعة» في مقاومة الضغوط الأميركية خصوصا في ظل «حرب تجارية» تفرضها واشنطن على الجميع بمن فيهم «أصدقاؤها» الأوروبيون.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».