الحوثيون يحرمون موظفين من رواتبهم منذ 20 شهراً

نصف أجر في المناسبات وإرهاب بالفصل... و«عمليات تطهير» لسجلات الخدمة المدنية

يمنيان يحملان مساعدات قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
يمنيان يحملان مساعدات قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يحرمون موظفين من رواتبهم منذ 20 شهراً

يمنيان يحملان مساعدات قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
يمنيان يحملان مساعدات قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء أمس (إ.ب.أ)

دأبت الميليشيات الحوثية منذ انقلابها على الشرعية في 2014 وسيطرتها على مؤسسات الدولة وإحلال عناصرها في مفاصلها على تسخير جهودها للاستئثار بجميع الموارد المالية لصالح ميليشياتها وقادتها وحرمان مئات الآلاف من الموظفين من رواتبهم ومستحقاتهم، على الرغم من إمكانية صرفها من المبالغ الضخمة التي تدرها المؤسسات الإيرادية التي وضعت الجماعة يدها عليها.
وفي آخر بيان رسمي لوزارة الخارجية في الحكومة الشرعية، أكدت أن الجماعة الحوثية نهبت ما يعادل نحو 6 مليارات دولار خلال العام الماضي، وهي إجمالي عائدات المؤسسات الإيرادية المختلفة وتشمل موارد الضرائب والزكاة والجمارك والرسوم المتنوعة، فضلا عن عائدات المؤسسات الخدمية، إلى جانب أرباح الشركات الحكومية والمختلطة التي تسيطر عليها الجماعة، فضلا عن الأرباح المهولة التي تحصل عليها من تجارة المشتقات النفطية.
وكان موظفون في شركة النفط اليمنية، كشفوا بالأرقام، عن أن الميليشيات الحوثية، تجني أرباحا يومية تزيد على مليون ونصف المليون دولار، جراء احتكارها لتجارة المشتقات النفطية والغاز المنزلي، في حين يرجح أن هذه الأرباح باتت مضاعفة جراء الزيادة المستمرة التي تفرضها الجماعة على أسعار الوقود.
ومنذ 20 شهرا توقفت الجماعة عن صرف رواتب الموظفين الحكوميين الخاضعين لها في مناطق سيطرتها، ردا على قيام الحكومة الشرعية بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن بهدف وقف العبث الحوثي بالاقتصاد الوطني وسحب البساط من تحدت أقدامه لإنقاذ العملة الوطنية وما تبقى من احتياطي نقدي بالعملة الأجنبية في الحسابات الحكومية.
واتقاء لسخط الموظفين الخاضعين لها، قامت الميليشيات الحوثية بصرف نصف راتب مع حلول المناسبات، مثل أعياد الفطر والأضحى وشهر رمضان، مستثنية منه آلاف الموظفين الذين رفضوا العمل تحت إمرتها أو الذين فروا من مناطق سيطرتها خوفا من بطشها.
يقول (محمد.ع) الموظف في التربية والتعليم، إن أكثر من نصف زملائه غادروا الوظيفة بعد أن توقفت رواتبهم، واتجهوا إلى مهن أخرى للتمكن من إعالة أسرهم، مؤكدا أن الجماعة الحوثية قامت باستثناء أغلب الموظفين الذين غادروا الوظيفة من نصف الراتب الذي تصرفه بمعدل مرتين في العام الواحد.
وفيما يناهز عدد الموظفين في هذا القطاع الحيوي نحو 200 ألف موظف، أغلبهم يتركزون في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، أفادت (ن. صالح) وهي مدرسة، بأن كثيرا من زميلاتها توقفن عن الذهاب إلى مدارسهن، بسبب عدم قدرتهن على مواصلة العمل دون راتب، في حين أقدم المسؤولون الحوثيون على تعيين مديرين ومديرات لأغلب المدارس الحكومية من الموالين لهم للاستئثار بعائدات الرسوم الدراسية السنوية التي يدفعها أولياء الأمور، إلى جانب جباية المبالغ الشهرية التي فرضتها الجماعة على كل طالب وطالبة وتترواح بين 500 وألف ريال (الدولار يساوي 487 ريالا). ويؤكد المعلم (سمير. ل) أن كثيرا من المعلمين، اتجهوا إلى مزاولة مهن أخرى، سواء في الالتحاق بمدارس خاصة أو مهن زراعية، أو تجارية، مع حضورهم من وقت لآخر إلى المدارس خوفا من تهديد الميليشيات الحوثية بفصلهم من وظائفهم.
وكانت الجماعة الحوثية قررت العام الماضي، صرف نصف الراتب بتقديم بطائق سلعية، يقوم الموظفون بالتسوق عبرها في مراكز تجارية بعد مضاعفة السعر، حيث يذهب أكثر من 20 في المائة وهي الزيادة المفروضة على السعر الأصلي للسلعة إلى جيوب قادة الجماعة، غير أن الميليشيات فشلت في الاستمرار، في هذا المسعى وتوقفت بعد ثلاثة أشهر عن صرف هذه البطاقات.
وعلى صعيد المشافي الحكومية والمراكز الصحية التي استولت عليها الجماعة الحوثية وفرضت عناصرها على رأسها، أقدم عناصرها المعينون على الاستئثار بجميع الموارد التي يتم تحصيلها من رسوم تحصيل الخدمات، عبر صرفها مكافآت وحوافز لعناصرها، والاكتفاء بمنح الطواقم الطبية والإدارية مبالغ رمزية شهرية تتراوح كما يقول أحد الموظفين في هيئة مستشفى الثورة بصنعاء بين 20 ألف ريال و40 ألفا (40 - 90 دولارا).
أما على صعيد ما يقوم به قادة الميليشيات المعينين في وزارة الصحة ومرافقها وهيئاتها الأخرى، يؤكد موظفون خاضعون لهم أن الميليشيات تقوم بالاستيلاء على ملايين الدولارات سنويا، جراء بيعها تراخيص استيراد الأدوية، فضلا عن قيامها بنهب الجزء الأكبر من المعونات الطبية المقدمة من قبل المنظمات الدولية، إلى جانب ما يتم تخصيصه لهم من مبالغ شهرية تحت اسم «النفقات التشغيلية».
ويختلف الأمر بالنسبة للمؤسسات والمصالح والهيئات والصناديق الإيرادية، فيما يخص ما تمنحه الميليشيات للموظفين العاملين معها، فعلى سبيل المثال استمرت الجماعة في دفع رواتب الموظفين بانتظام في وزارة الاتصالات وهيئة البريد والمؤسسة العامة للاتصالات وفروعها الخاضعة لهم في بقية المناطق، بسبب وجود الموارد الضخمة التي يدرها هذا القطاع، والتي يقدر مراقبون أنها تكفي لصرف رواتب جميع موظفي الدولة.
وإلى جانب إيرادات الاتصالات التي تذهب في أغلبها لصالح جيوب قادة الجماعة ولتمويل مجهودها الحربي ودفع نفقات احتفالاتها، تجني الجماعة من الضرائب المفروضة على الشركات الخاصة المشغلة لخدمة الهاتف النقال مبالغ ضخمة مقابل السماح لها بالاستمرار في تقديم الخدمة، إلى جانب الضرائب التي تفرضها عليها سنويا، وهي في المجمل تصل إلى نحو مليار دولار، بحسب تقديرات المراقبين الاقتصاديين.
كما استمرت الجماعة في دفع رواتب الموظفين الخاضعين لها في شركة النفط والغاز، وفي موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، فضلا عن دفع رواتب موظفي فروع البنك المركزي في صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة للجماعة، غير أن الشق الأكبر من إيرادات هذه الجهات، يذهب إلى جيوب قادة الميليشيات ومشرفيها، على هيئة نفقات تشغيلية وحوافز ومكافآت تحت أسماء مختلفة، طبقا لتأكيدات موظفي هذه الجهات.
وفي مؤسسات أخرى مثل مصلحتي الضرائب والجمارك، ابتكرت الميليشيات وسيلة أخرى لتعويض رواتب الموظفين العاملين معها، إذ أقرت صرف مبلغ شهري تحت اسم «الحافز» لكل الموظفين، ويتفاوت قدره بحسب درجة الموظف ونوع الوظيفة التي يقوم بها، غير أن ما يحصل عليه عامة الموظفين في هذه الجهات، كما يقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط» يعادل ربع ما كان يجنيه الموظف في هذه الجهات قبل الانقلاب الحوثي.
ويعد قطاع الضرائب والجمارك والزكاة، الشريان الحيوي الأهم لتغذية السلة المالية للميليشيات الحوثية، إذ يوفر لها أكثر من 60 في المائة من إجمالي الموارد المالية التي تتحصلها، في ظل تكتم من جانبها على الأرقام المالية الفعلية للعائدات التي يرجح أنها تضاعفت جراء الزيادات التي فرضتها الجماعة على كبار المكلفين من التجار والشركات التجارية.
وبحسب اعتراف المصادر الرسمية الموالية للميليشيات في صنعاء، استطاعت مديرية واحدة في أمانة العاصمة صنعاء (مديرية معين) خلال الربع الأول من العام الحالي، تحصيل أكثر من نصف مليار ريال (نحو مليون دولار) من الضرائب على صغار التجار وأصحاب المحلات والرسوم على الخدمات، وهي مديرية واحدة ضمن 12 مديرية في أمانة العاصمة.
وشمل «الحافز» الحوثي، موظفي قطاعات أخرى مثل موظفي الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، وموظفي الصناديق الإيرادية، مثل صندوق النشء والشباب، وصندوق التنمية الثقافية وصندوق الطرقات والأشغال العامة، كما شمل موظفي صناديق النظافة والتحسين في كل عواصم المحافظات، بسبب رفض عمال النظافة الاستمرار في أعمالهم دون راتب شهري.
وتأتي موارد هذه الصناديق التي استولى عليها الحوثيون بموجب القوانين السارية، من النسب المفروضة لها من إنتاج مصانع الإسمنت والتبغ ومن بيع المشتقات النفطية.
وفي مؤسسات حكومية أخرى ذات إيرادات أقل، اخترعت الميليشيات الحوثية مبالغ مالية شهرية للعاملين معها، تحت اسم «بدل التغذية» كما هي الحال في مؤسسة الثورة للصحافة، في صنعاء، وهذه المبالغ بحسب إفادة صحافيين وفنيين يعملون في هذه المؤسسة، في المتوسط، لا تتعدى 20 ألف ريال لصغار الموظفين، و50 ألف ريال لكبارهم، في حين تذهب أغلب عائدات الإعلانات إلى جيوب قادة الميليشيات المعينين في المؤسسة.
وفي الوقت الذي حرمت فيه الجماعة، بقية موظفي الهيئات والجهات الحكومية الخاضعة لها من الرواتب، خصصت مبالغ شهرية لهذه الجهات تحت اسم «نفقات تشغيلية» بنظر القيادات المعينة من قبلها، في حين شمل الحرمان منتسبي أجهزة الأمن والعسكريين السابقين، باستثناء العناصر الموجودين في جبهات القتال، وهؤلاء، بحسب ما أفاد به مجندون لـ«الشرق الأوسط» تمنحهم الجماعة راتبا شهريا، يعادل 50 دولارا، مع تكفلها بمأكلهم ومشربهم وشراء «القات» لهم (نبتة منبهة يمضغها اليمنيون على نطاق واسع وتصنف في كثير من دول العالم ضمن المواد المخدرة).
وعلى النقيض من ذلك تمنح الميليشيات كبار قادتها ومشرفيها والمسؤولين عن التجنيد والحشد والإمداد، مبالغ ضخمة، تحت اسم «عهد مالية» حيث يستغلونها للإثراء الشخصي وشراء العقارات والسيارات والأراضي، كما تؤكده مصادر عسكرية مطلعة.
«انسداد الأفق» أمام كثير من الموظفين الخاضعين للميليشيات، واستطالة أمد الحرب في تقديرهم، هو ما يدفعهم للاستمرار في الخدمة تحت إمرتها، كما يرجح ذلك، الموظف في وزارة الكهرباء (نجيب. ش) في حديثه مع «الشرق الأوسط».
فبدلا من المكوث في المنزل، يفضل كثير منهم - على حد قوله - الذهاب إلى وظائفهم، بخاصة إن كانت مرتبطة بتقديم خدمات عامة للسكان والمراجعين، الذين عادة ما يعطفون على هؤلاء الموظفين، بدفع إكراميات بسيطة، أو بدفع مبالغ أكبر في حالة ابتزازهم أو التغطية على سلوك لهم غير قانوني.
من جانبه، يعتقد الموظف «ج. ك» وهو مختص في أحد إدارات وزارة الأشغال والطرق، أن الحافز البسيط الذي يحصل عليه شهريا، أفضل من لا شيء. غير أن صديقه الموظف في وزارة التربية والتعليم، يعتقد أن الخوف من إقدام الميليشيات الحوثية على فصله من الخدمة ومصادرة درجته الوظيفية هو السبب الرئيسي لاستمراره في الوظيفة دون راتب، خاصة أنه يمتلك دخلا إضافيا جراء عمله في مدرسة خاصة.
ويبرر «ي. ر» الموظف في الخدمة المدنية استمراره في الوظيفة دون راتب، بقوله: «هذه مصالح ومؤسسات حكومية، وليست ملكية خاصة للحوثيين، ومن واجب من يستطيع الاستمرار في أداء عمله أن يستمر، لجهة المساهمة في الحفاظ على ما تحت يده من ممتلكات حكومية أو وثائق أو أجهزة أو سجلات بدلا من تركها لتصرف عناصر الميليشيات، إذ سيأتي اليوم الذي تعود فيه الحكومة الشرعية، ولا بد أنها ستكون بحاجة إلى جهود هؤلاء الموظفين لإعادة بناء المؤسسات من جديد». وكانت الميليشيات الحوثية، اعترفت قبل أسابيع، بأنها فصلت أكثر من 25 ألف موظف حكومي، في سياق حملة أطلقتها تحت شعار «تنقية كشف الراتب».
وفي حين فرضت الميليشيات، إخضاع الموظفين الموجودين تحت سيطرتها لأداء البصمة الشخصية للتثبت من وجودهم، أعلنت أنها تستهدف بحملتها المستمرة تطهير سجلات الخدمة من 50 ألف موظف مدني آخرين، إلى جانب أكثر من مائة ألف موظف في القطاعين الأمني والعسكري. وتستهدف الجماعة بإجرائها هذا تخويف الموظفين من فصلهم من الخدمة إذا رفضوا الاستمرار في أعمالهم تحت إمرتها، كما تهدف إلى الانتقام من مناهضيها العسكريين والمدنيين الذين غادروا مناطق سيطرتها، إلى جانب سعيها، إلى استبعاد الموظفين الموجودين في مناطق سيطرة الشرعية، باعتبارها ليست مسؤولة عنه بعد أن باتوا في عهدة الشرعية.
ويؤكد موظفون في القطاع المالي، في صنعاء، أن أغلب إيرادات المؤسسات، لا يتم توريدها كما هي العادة في العمل المؤسسي، إلى البنك المركزي والمصارف الرسمية، حيث تقوم الجماعة، على حد قولهم، بنقل أغلب الأموال وتخزينها في أماكن سرية، لتبقى بعيدة عن الأنظار، وخاضعة للتصرف المباشر من قبل زعيم الجماعة.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم