منظمة التجارة العالمية في أتون الحرب التجارية

أميركا تعتبر الحديث عن انسحابها «سابقاً لأوانه»... وبكين تدافع... وروسيا لا ترى بديلاً

مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف (أ.ف.ب)
مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف (أ.ف.ب)
TT

منظمة التجارة العالمية في أتون الحرب التجارية

مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف (أ.ف.ب)
مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف (أ.ف.ب)

وسط ارتفاع حدة الصراع التجاري على مستوى العالم، خصوصاً بين الولايات المتحدة من جانب، والصين والاتحاد الأوروبي من الجانب الآخر، تبدو منظمة التجارة العالمية هدفاً وسط المعركة، إذ تدافع عنها الصين وأوروبا بدعوى حرية التجارة، بينما تهاجمها واشنطن داعيةً إلى تحديث شامل لقواعدها.
وبعد أنباء أثارت قلقاً واسعاً في نهاية الأسبوع الماضي، حول نية الولايات المتحدة الانسحاب من المنظمة، قال وزير التجارة الأميركي ويلبور روس، أمس (الاثنين)، إنه من «السابق لأوانه» أن تناقش الولايات المتحدة الانسحاب من منظمة التجارة العالمية.
وأبلغ روس شبكة «سي إن بي سي» الأميركية أن «منظمة التجارة العالمية تعلم أن بعض الإصلاحات ضرورية. أعتقد أن هناك حاجة حقاً إلى تحديث وتنسيق أنشطتها، وسنرى إلى أين سيؤدي ذلك»، متابعاً: «لكنني أعتقد أنه من السابق لأوانه بعض الشيء الحديث عن الانسحاب منها ببساطة».
وقال روس، أمس: «لم نخفِ سراً... وجهة نظرنا القائلة بأن هناك بعض الإصلاحات المطلوبة في منظمة التجارة العالمية؛ معلومة للجميع».
وانتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب منظمة التجارة انتقاداً شديداً. وقال موقع «أكسيوس» الإخباري الأسبوع الماضي، إن الرئيس يريد الانسحاب من المنظمة، لكن سرعان ما نفى وزير الخزانة ستيف منوتشين ذلك يوم الجمعة. مشيراً إلى أنه رغم شكوى ترمب من أن الصين ودولاً أخرى استخدمت قواعد منظمة التجارة لمصلحتها، فإننا «نركز على التجارة الحرة» و«كسر الحواجز» التجارية بين الدول.
وذكر موقع «أكسيوس» الإخباري أول من أمس (الأحد)، أن الرئيس الجمهوري، الذي جعل من محاربة قواعد التجارة غير العادلة ركيزة من ركائز برنامجه الرئاسي، أمر بصياغة تشريع ينص على الانسحاب من منظمة التجارة.
وأكد ترمب، السبت الماضي، على متن الطائرة الرئاسية «آر فورس وان» في الطريق إلى نيوجيرسي، رداً على سؤال حول ما أُثير عن انسحاب بلاده من المنظمة، قائلاً: «لا أعتزم الانسحاب منها».
ونقل المكتب الصحافي للبيت الأبيض عن ترمب قوله: «لقد عوملنا معاملة سيئة للغاية في منظمة التجارة العالمية… هذا ليس عدلاً… تجب معاملة الولايات المتحدة بصدق أكبر، وأنا لا أتحدث عن الخروج من منظمة التجارة العالمية، وأعتقد أنه يجب حل النزاعات في منظمة التجارة العالمية بطريقة أكثر إنصافاً».
في السياق نفسه، قال المتحدث باسم منظمة التجارة العالمية كيث روكويل: «لم نسمع أحداً يعبّر عن هذا لنا على أي مستوى من الحكومة الأميركية... لن نتكهن بأي شيء لا نعرف عنه شيئاً».
وعلى الجانب الآخر، تدافع الصين عن المنظمة بقوة، وقال وزير التجارة الصيني تشونغ شان، في مقال نشرته صحيفة صينية، أمس، إن «بكين ستشجع بحزم على إنشاء اقتصاد عالمي مفتوح، والدفاع عن مبادئ منظمة التجارة العالمية، ودعم آلية التجارة متعددة الأطراف، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، لمواجهة مختلف أشكال الحمائية التجارية».
وأكد المسؤول الصيني أن بكين ستعمل على تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة تؤمِّن نمواً اقتصادياً على أساس المنفعة المتبادلة، مشيراً إلى أن المنظمة تعد حجر الزاوية في نظام التجارة العالمي. وخلال الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء الروسي ديميترى ميدفيديف، بدوره أن بلاده لا تشكك في عضويتها بمنظمة التجارة العالمية، مشيراً إلى أنه «لا يوجد بديل اليوم لمنظمة التجارة العالمية، ودورها كوسيط في النزاعات التجارية الدولية لا يزال رائداً».
وأشار ميدفيديف إلى أن روسيا تحتاج إلى التعلم وبشكل كامل كيفية استخدام الأدوات التي يمكن الوصول إليها في إطار منظمة التجارة العالمية، مؤكداً أن بلاده لا تعمل وحدها في مجال التجارة الدولية، موضحاً أن هناك أربعاً من الدول الخمس في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أصبحت أعضاء تمتلك الحقوق الكاملة في منظمة التجارة العالمية. وقال: «إن هذا يعني أن لدينا فرصاً إضافية للدفاع الجماعي عن مصالحنا واتباع سياسة منسقة»، لافتاً إلى أن روسيا مهتمة، قبل كل شيء، بدعم شركاتها التي تصدر أو تخطط لتصدير المنتجات إلى الأسواق الأجنبية.
يُذكر أن منظمة التجارة العالمية ومقرها مدينة جنيف، تهدف إلى تحرير التجارة الدولية وتنظيم العلاقات التجارية السياسية للدول الأعضاء، كما أنها المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة بين الدول، وتضم 161 دولة عضواً، إضافة إلى 24 دولة مراقبة فيها.
وفي غضون ذلك، اعتبر الرئيس الأميركي أن الممارسات التجارية للاتحاد الأوروبي «تسبب الأذى» للولايات المتحدة، بمقدار ما تسببه الممارسات التجارية للصين... قائلاً إنه يتطلع إلى اتخاذ تدابير عالمية لحماية الابتكار والملكية الفكرية الأميركية، لكنه لا يريد التركيز بشكل محدد على الصين.
وخلال المقابلة التي أجرتها معه شبكة «فوكس نيوز» مساء الأحد، قال ترمب حول التدابير التي يسعى لتطبيقها في ما يخص الملكية الفكرية: «لا أود أن أشير تحديداً إلى الصين»، مضيفاً أنه والرئيس شي جينبينغ تربطهما علاقة جيدة.
وتراجع ترمب هذا الأسبوع عن فرض إجراءات ضد الصين، بما في ذلك اقتراح كان سيحدّ من الاستثمارات الصينية في الشركات الأميركية من أجل حماية التكنولوجيا الأميركية. وتتهم واشنطن بكين باتباع قواعد فضفاضة يتم من خلالها انتهاك لوائح الملكية الفكرية.
وذكر ترمب: «أريد أن أذهب إلى جميع أنحاء العالم.... وأنا أعلم كيف أن الصينيين أذكياء، فهم سيذهبون إلى بلدان أخرى للقيام بذلك»، مشيراً إلى أنه إذا كانت الإجراءات مركّزة بشدة على دولة واحدة، فيمكن بسهولة تجنبها». وقال إن «الصين حريصة على التوصل إلى اتفاق».
كما هاجم ترمب الاتحاد الأوروبي، منتقداً بشدة العجز التجاري الأميركي مع التكتل. وأشار إلى أن «الاتحاد الأوروبي ربما يكون سيئاً مثل الصين، وإن كان أصغر». مضيفاً أن الأوروبيين «حققوا فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة بلغ 151 مليار دولار... مع العلم بأننا ننفق ثروات على الحلف الأطلسي لحمايتهم».
وأقر الرئيس الأميركي بأن انسحاب حكومته من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة تفعيل العقوبات على البلاد، سيؤديان إلى نقص في النفط، داعياً أعضاء «أوبك» إلى زيادة الإنتاج.
وبعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني)، يتطلع ترمب إلى إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) أو فرض ضرائب على السيارات المستوردة من الخارج، رافضاً الانتقادات بأن تعريفاته الجمركية ستؤدي في النهاية إلى فرض ضريبة على المستهلكين الأميركيين... وقال ترمب: «ما سيحدث حقاً هو أنه لن تكون هناك أي ضرائب، وسوف ينتجونها هنا». كما تعهد الرئيس ترمب بالمضيّ قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من الإصلاح الضريبي، حتى على الرغم من تحذير اقتصاديين من أن الإجراءات قد تؤدي إلى اقتصاد تضخمي وإلى ركود في المستقبل.



بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.