صحافيو مسيرات غزة يوثِّقون الانتهاكات رغم قنص الجيش الإسرائيلي

منذ بدء المسيرات على طول حدود قطاع غزة في الثلاثين من مارس (آذار) الماضي، أَوْلَى أهلُ الصحافة المحلية والعالمية اهتماماً كبيراً لها خصوصاً مع تصاعدها وازدياد عدد ضحاياها على أيدي الجيش الإسرائيلي. الأحداث أثارت الكثير من الاهتمام العالمي سياسياً وإعلامياً بالوضع الإنساني ويوميات الغزيّين المحفوفة بالمخاطر والتحديات، وهو السبب الرئيس لتلك المسيرات.
لم يكن الصحافيون، خصوصاً الفلسطينيين، من وسائل إعلام محلية أقل عرضة للخطر من المتظاهرين أنفسهم، فكان العديد منهم هدفاً مباشراً لقناصة الجيش الإسرائيلي. تسارعوا للتغطية من خطوط النار. منهم من قُتل، ومنهم من عُنِّف وأُصيب، ومنهم من استُهدف تعمداً. جميع من هرب من الموت أصر على العودة إلى الميدان لتوثيق الانتهاكات عند تعافيه. قصص وأمثلة حية لتلك التحديات اليومية رصدتها «الشرق الأوسط»، وفي ما يلي روايات حقيقية لصحافيين على الأرض... في الخطوط الأولى.

رغم تعرض بعض الصحافيين للإصابة على خطوط النار في مسيرات غزة، فإنهم عادوا للتغطية مجدداً عند تعافيهم. بعضهم أُصيب أكثر من مرة بالرصاص الحي أو بقنابل الغاز التي كانت تُطلق مباشرةً تجاههم على الرغم من أنهم يرتدون ملابس تحمل إشارات واضحة تدل على أنهم صحافيون.
وأصيب نحو 170 صحافياً، منهم على الأقل 7 بالرصاص الحي، بجروح طفيفة ومتوسطة، غالبيتهم يتلقى العلاج خارج غزة، والآخرون بقنابل الغاز بشكل مباشر والاختناق جراء استنشاقهم الدخان المنبعث من قنابل الغاز التي يلقيها الاحتلال بكثافة.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن عدة مؤسسات إعلامية إلى أنه من بين المصابين بالغاز صحافيون عرب وأجانب كانوا يغطون الأحداث التي كانت تتصاعد من جمعة إلى أخرى. وقتلت إسرائيل أكثر من 43 صحافياً فلسطينياً في غزة والضفة الغربية منذ سنوات طويلة جراء الاستهداف المباشر والمتكرر للصحافيين الفلسطينيين. فيما اعتقلت أكثر من 200 أفرجت عن غالبيتهم ولا يزال 25 صحافياً حتى الآن في سجونها بتهمة التحريض خلال تغطيتهم للأحداث الميدانية في الضفة الغربية في الأشهر والسنوات القليلة الماضية.

صافيناز اللوح... صحافية بين غاز القنابل

> تتحدث الصحافية صافيناز اللوح التي تعمل مراسلة محلية، عن تجربتها في التغطية للأحداث الميدانية التي شهدتها حدود القطاع.
وقالت اللوح لـ«الشرق الأوسط»، إن تلك التجربة متعبة ومرهقة لكنها لم تمنعها من مواصلة التغطية على مدار أيام المسيرات والمواجهات إلى الشرق من مخيم البريج. مشيرة إلى أنها كانت دائماً توجد لتغطية الأحداث بشكل مباشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي وكذلك من خلال الجهة الصحافية التي تعمل لصالحها.
ولفتت إلى أنها أُصيبت عدة مرات جراء استنشاقها الغاز بفعل إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز بشكل مباشر تجاه الصحافيين. مشيرة إلى أن أكثر الإصابات خطورة بالنسبة إليها كانت في الجمعة التاسعة من الأحداث بالقرب من موقع ملكة العسكري شمال شرقي مخيم البريج. وقالت إنها أُصيبت خلال تغطيتها للأحداث إلى جانب طاقم موقع «وكالة أمد» المحلية، بعد إطلاق الاحتلال قنابل غاز بشكل مباشر. مبيّنة أن إحدى القنابل أصابت قدمها، ما تسبب في إصابتها بحالة اختناق شديد بالغاز الذي دخل إلى الرئتين، ونُقلت إلى نقطة طبية ميدانية لعلاجها قبل أن تستقر حالتها ويتم نقلها إلى المنزل.
وأضافت: «لقد تعرضت لمضاعفات طبية في الأيام التي تلت إصابتي، وكنت أتعرض لتشنجات واختناق مستمر لفترة استمرت شهراً قبل أن تزول كل تلك المضاعفات».
وبيّنت أنه في اليوم الذي أُصيبت فيه بهذا الشكل نجت عدة مرات من موت محقق بفعل الاستهداف المتكرر للصحافيين من قبل الاحتلال. مشيرةً إلى أنها تعرضت لإطلاق نار حي دون أن تصاب في بداية المسيرات بعد محاولتها تصوير شبان تمكنوا من سحب أجزاء من السياج الشائك، وفي مرة أخرى حين كانت «تلاحق مجموعة من الشبان» نجحوا في إسقاط طائرة تصوير إسرائيلية صغيرة، وتم إطلاق النار تجاه الصحافيين لمنع تصوير ذلك الحدث.
وأشارت إلى أن الإصابة عدة مرات ومنها تلك التي كانت الأخطر بالنسبة إليها، لم تثنها عن الاستمرار في التغطية الإعلامية وإيصال رسالة المتظاهرين بأن مسيراتهم سلمية وأن هدفها إرسال رسائل إلى كل العالم والمحافل الدولية بحقهم في رفع الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 12 عاماً.
وقالت: «إن رسالتنا كصحافيين هو نقل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم واضطهاد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وإن مهمتنا تغطية الأحداث لهذه المسيرات السلمية التي يجابهها الاحتلال بالقوة والرصاص وقنابل الغاز، وقد نجحنا في كشف زيف الرواية الإسرائيلية التي بررت إعدام عدد كبير من المتظاهرين بإطلاق النار عليهم من قبل القناصة من دون أن يشكلوا أي خطر على الجنود».
واعتبرت التغطية الإعلامية للأحداث، رغم إصابتها والكثير من الصحافيين، تجربة مهمة في حياتها المهنية كصحافية رغم أنها مهنة محفوفة بالمخاطر وقد تتعرض في أي وقت لخطر أكبر بإصابة بالرصاص الحي كما جرى مع بعض الصحافيين. وأكدت أن الاحتلال كان يتعمد إطلاق النار الحي وكذلك قنابل الغاز بشكل مباشر تجاه الصحافيين رغم ارتدائهم الخوذ والدروع المكتوب عليها إشارة الصحافة بشكل واضح. مشيرة إلى أن الاحتلال يحاول من خلال استهداف الطواقم الصحافية إسكات الحقيقة وتكميم أفواههم عن نقل الحقيقة ومعاناة الشعب الفلسطيني بفعل آلة القتل الإسرائيلية.
وأضافت: «نحن مستمرون في نقل الحقيقة حتى وإن كلّفنا ذلك حياتنا ثمناً لها». وأشارت إلى أنها لم تتعرض لأي مضايقات من أي جهة فلسطينية خلال تغطيتها للأحداث كفتاة صحافية. مشيرة إلى أن البعض فقط كان ينصحها بالابتعاد عن مناطق الخطر خوفاً على حياتها إلا أنها كانت تقول لهم باستمرار «سأقترب حتى أنقل الحقيقة».

ياسر قديح والرصاصة المتعمَّدة

> يصف الصحافي المصور ياسر قديح إصابته بأنها «تجربة صعبة ومريرة لا تُوصف». مشيراً إلى أنه أُصيب بجروح خطيرة برصاصة اخترقت أسفل بطنه وخرجت من الظهر.
وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه مكث في العناية المركزة لمدة أسبوعين ودخل في غيبوبة استمرت مدة 3 أيام. لافتاً إلى أنه بحاجة إلى مدة عام واحد على الأقل لكي يستطيع السير على قدميه والتحسن الخفيف، وأنه بحاجة إلى فترة أخرى أطول للعودة إلى حياته الطبيعية.
وأكد أن الاحتلال تعمّد استهدافه بعد أن أطلق النار عليه قناص إسرائيلي خلال تغطيته الأحداث في مسيرات الرابع عشر من مايو (أيار) الماضي، مشيراً إلى أنه كان يرتدي خوذة الصحافيين والدرع الخاصة بهم وبحوزته كاميرته حين أصيب على بعد 200 متر من الحدود بشكل مباشر.
وقال: «نشاطنا كان واضحاً جداً وكنا مجموعة من الصحافيين وتم إطلاق النار تجاهنا ونحن نوثّق المواجهات التي كانت تبعد عنا نحو 120 متراً». مشيراً إلى أن اثنين من زملائه الصحافيين أصيبا بشظايا رصاصات وقام بنقلهما إلى الطواقم الطبية القريبة لإسعافهما ثم عاد إلى المكان للتصوير قبل أن يتم استهدافه بطلق ناري مباشر من قناص إسرائيلي شرق مدينة غزة.
وأُصيب ما لا يقل عن 13 صحافياً بالرصاص الحي وقنابل الغاز في أعنف الأحداث التي شهدتها الحدود في الرابع عشر من مايو الذي صادف يوم نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

3 إصابات لم «تقتل» عدسة حسن أصليح

> يقول الصحافي حسن أصليح مصور فضائية «القدس» بغزة، إن الإعلام بمختلف وسائله المرئية والصوتية والمكتوبة وحتى عبر شبكات التواصل الاجتماعي كان مُنصبّاً على تغطية الأحداث الجارية في قطاع غزة، خصوصاً في أيام الجُمع التي تشهد المسيرات حشوداً جماهيرية كبيرة وأحداثاً ميدانية أكبر.
ولفت أصليح الذي يغطي الأحداث للجمعة الثالثة عشرة على التوالي من حدود خان يونس وغزة، إلى وصول العشرات من الصحافيين الأجانب من عدة دول غربية لمتابعة الأحداث ومرافقة الصحافيين الفلسطينيين إلى المناطق الحدودية لالتقاط الصور المختلفة التي تثبت تعرض الجماهير السلميين للاستهداف المباشر.
وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه منذ بداية الأحداث أُصيب 3 مرات جراء إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي قنابل الغاز بشكل مباشر تجاه تجمعات الصحافيين لدى تغطيتهم للأحداث. موضحاً أنه كان يتعرض وزملاؤه من المصورين الآخرين عند إصابتهم لنوبات شديدة جراء الغاز السام الذي كانت تطلقه قوات الاحتلال.
وقال: «إن الاحتلال في أكثر من مرة كان يتعمد استهدافنا، إما منفردين، وإما من خلال استهدافنا بجوار النقاط الطبية الميدانية التي تم وضعها على طول الحدود من قبل وزارة الصحة لتقديم العلاج الأوّلي للمصابين». مشيراً إلى أنه تم استهدافهم أكثر من مرة بالرصاص الحي وعشرات من قنابل الغاز خلال وجودهم بجانب الطواقم الطبية التي كانت تقدم العلاج لمصابين على الأرض في مناطق تبعد أكثر من 350 متراً عن الجدار الأمني.
ورأى أن الرسالة التي يحملها الصحافيون مهمة في إيصال الحقيقة التي يحاول البعض، خصوصاً الاحتلال الإسرائيلي، التغطية عليها بروايات تبرر جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وكذلك تعمده لاستهداف الصحافيين والطواقم الطبية وغيرهم من الجهات التي تعمل على إظهار الحقيقة التي يحاول الاحتلال إخفاءها بوسائله المختلفة.