المخاطر المالية والاقتصادية عامل ضاغط للتسريع بتشكيل الحكومة اللبنانية

تُدرك كل القوى السياسية أن المخاطر المالية والاقتصادية المحدقة بالبلد لا تمنحها ترف الاستمرار طويلاً في عملية شد الحبال لتوسيع حصصها الوزارية. حتى أن بعض الفرقاء يتكئ على استعجال المعنيين بعملية تشكيل الحكومة إتمام مهمتهم سريعاً للانصراف لتدارك هذه المخاطر، ورفع سقف مطالبه عساه يحقق مراده تحت الضغط.
ورغم تأكيد الخبراء الاقتصاديين على أهمية أن تتم الولادة الحكومية في أسرع وقت ممكن، لتنفيذ التزامات لبنان الدولية لجهة إطلاق ورشة إصلاحات تخوله الحصول على المنح والقروض المالية التي تلقى وعوداً بخصوصها في مؤتمر «سيدر» في شهر فبراير (شباط) الماضي، إلا أن التحذيرات الدولية المتتالية والاجتماعات المحلية المتواصلة بين الوزراء والمسؤولين المعنيين بالملف المالي تؤشر إلى مدى خطورة الوضع، وأهمية استيعابه، خصوصاً أنه بات ضاغطاً إلى حد كبير على المستوى الاجتماعي ما يهدد بانفجار قريب، على حد تعبير أحد المعنيين.
ويصر وزير المال علي حسن خليل، كما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على إشاعة جو من الطمأنة بأن الأمور المالية مضبوطة بشكل عام، وإن كانا قد ناقشا مطلع الأسبوع الفائت الإجراءات الواجب اتخاذها لتعزيز الاستقرار وتحصينه، الأمر الذي يتطلب، برأيهما، الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة.
ويصف رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر الوضع الاقتصادي بـ«الصعب للغاية»، مشدداً على أنه «لا يحتمل بأي شكل من الأشكال أي دقيقة تأخير في تشكيل الحكومة». ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ما يعنينا ألا تشكل حكومة مصالح تتقاسم (الجبنة)، لأن ذلك قد يكون أسوأ على الاقتصاد والمالية العامة من عدم إتمام عملية التأليف». ويعتبر الأسمر أن «الصراعات المحتدمة على الحصص لا تؤشر إلى أن الوضع مطمئن، فلا يوجد من يبحث عن توزيع الشخص المناسب في المكان المناسب لإدارة المرحلة الصعبة، إنما تنحصر الاهتمامات بمدى قدرة كل فريق سياسي على تحصيل عدد أكبر من الوزارات الخدماتية وبالتالي المغانم». وينبه الأسمر من «تفاقم أحوال العاملين بالقطاع الخاص، والبالغ عددهم نحو مليون عامل»، لافتاً إلى أنهم يعانون من عدم زيادة أجورهم والحد الأدنى، كما من هجمة شرسة لليد العاملة الأجنبية، إضافة لصرف تعسفي متمادٍ من دون أن ننسى عدم قدرتهم على مجاراة زيادة الضرائب». ويضيف: «البلد يعاني من تقهقر على كل المستويات، خصوصاً بعد وصول الدين العام إلى مستويات قياسية تستدعي دق ناقوس الخطر».
وتعدّ نسبة ديون لبنان إلى ناتجه الإجمالي، ثالث أكبر نسبة من نوعها في العالم. ويشكل قطاع الكهرباء باباً رئيسياً للهدر والإنفاق يتوجب التعاطي معه بمسؤولية للحد من العجز، الذي وصل إلى عتبة مخيفة بعدما بلغ 12 ألف مليار، بحسب خبراء ماليين، ينبهون من «تحوّل العجز إلى مزيد من الدين العام وبالتالي إلى مزيد من الاستدانة، ولكن هذه المرة بكلفة مرتفعة في حال خفض التصنيف الائتماني، ما يجعلنا في معضلة لجم العجز».
وفي الأشهر الماضية تفاقمت عدد من الأزمات على خلفية تردي الأوضاع المالية والاقتصادية، فمع إقرار سلسلة الرتب والرواتب، التي لحظت زيادة رواتب موظفي القطاع العام والأساتذة في المدارس الرسمية والخاصة، انفجرت أزمة في المدارس الخاصة في ظل تأكيد إداراتها عدم قدرتها على تغطية الزيادات، ورفض الأهالي رفضاً قاطعاً تحميلهم إياها. كذلك فإن توقف المصارف مؤخراً عن إعطاء قروض سكنية نتيجة نفاد الأموال التي خصصها المصرف المركزي يهدد بانفجار أزمة اجتماعية كبيرة، باعتبار أن العدد الأكبر من الشباب اللبناني يعتمد على هذه القروض لشراء شقق.
ويعوِّل المسؤولون حالياً، وأبرزهم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، على وعود تلقتها حكومته في مؤتمر «سيدر» بـ11.5 مليار دولار بين قروض ميسرة بعيدة الأجل ومنح مالية. ويفترض أن تنفّذ الحكومة الجديدة مشاريع «سيدر» وفق خطة عشرية، أي على مدى 10 سنوات، بحيث تنجز في السنوات الـ5 المقبلة المشاريع التي رصد لها مبلغ 11.5 مليار دولار، على أن يحصل لبنان على منح وقروض بالقيمة نفسها تقريباً للمرحلة الثانية.
ويشدد النائب في كتلة «الوسط المستقل» وزير الاقتصاد السابق نقولا نحاس، على أن «الأولوية يجب أن تكون لإعادة الثقة بالبلد من خلال التزام الحكومة الجديدة ببرنامج إصلاحي جدي، وتنتقل من مرحلة الكلام والوعود إلى مرحلة الفعل»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «أننا حتى الساعة لا نزال نرتدي الثوب الذي نرتديه منذ 10 و20 عاماً، فيما المطلوب تغيير هذا الثوب لأن لا خيار آخر لنا». ويضيف نحاس: «الوضعان المالي والاقتصادي يمران بمرحلة حساسة للغاية، لكن للأسف لا نلحظ أن هناك حساً بمدى خطورة الوضع وبأهمية الاستعجال لمعالجته».
وكان صندوق النقد الدولي حذّر في أحدث تقاريره من التباطؤ في ضبط الوضع المالي في لبنان. وأكد المجلس التنفيذي للصندوق أن لبنان «يحتاج إلى ضبط مالي فوري وكبير، لتحسين القدرة على خدمة الدين العام الذي تجاوز 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017». وجدد تقديراته «لنمو اقتصادي منخفض بين 1 و1.5 في المائة في 2017 و2018»، مؤكداً أن «المحركات التقليدية للنمو في لبنان تقبع تحت ضغط في ظل الأداء الضعيف لقطاعي العقارات والإنشاءات»، مستبعداً «أي انتعاش قوي قريباً».