قال باحثون مصريون، إن آلية تنظيم داعش الإعلامية باتت تتهاوى؛ بسبب هزائم التنظيم في سوريا والعراق طوال الأشهر الماضية، وإن هذا التهاوي ظهر في انخفاض المحتوى الذي يبثه التنظيم، ورداءة الفيديوهات والصور؛ لكن هناك محاولات إنقاذ من «داعش» لعودة منصاته الإعلامية لسابق عهدها وقت ظهور التنظيم في عام 2014.
وكشفت دراسة مطولة أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في العاصمة المصرية القاهرة، عن أنه مع مطلع العام الحالي بدأ تنظيم داعش المتطرف في إعادة بناء صفوف منظومته الإعلامية، وبالفعل ظهرت علامات انتعاشة طفيفة فيها؛ فأعاد بناء معظم مواقعه الإلكترونية، ومؤسساته الدعائية، وبخاصة في أفغانستان وباكستان، وشرع في إصدار منتجات أكثر تحديثاً وأفضل جودة؛ لكن لا يعني هذا الانتعاش عودة وسائل الإعلام الداعشية إلى قوتها السابقة التي كانت في 2014 و2015. كذلك كشفت أيضاً، عن أن المستهدف الأول لـ«آلة داعش الإعلامية» هم الشباب، في محاولة لاستقطابهم للصفوف القتالية، أما المستهدف الثاني فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم.
الدكتور محمد عبد الفضيل، المشرف على مرصد الأزهر، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه، إن «داعش» يبذل جهوداً من أجل استعادة نفوذه ونشاطه مرة أخرى على الساحة الإعلامية، وإن كان ذلك عبر إمكانات متواضعة، بالمقارنة بفترة «الوهج الإعلامي» الذي صاحب ظهور وصعود التنظيم بداية من 2014.
رسالة البغدادي
أصداء كلمات زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي حول أهمية سلاح الإعلام ما زالت تؤتي ثمارها بين عناصر التنظيم، الذي لعب منذ بداية ظهوره حتى يومنا هذا على ورقة الإعلام، واتخذه طريقاً لتحقيق مآربه غير المشروعة. ووفق الباحثين في مرصد الأزهر، فإن «بداية العمل البحثي في الدراسة كان منصبّاً على ضرورة معرفة العلاقة بين (داعش) والإعلام، ومدى تأثير الأخير في إقناع المقاتلين بالانضمام إلى التنظيم الدموي... ونقصد بالإعلام، تلك الترسانة الإعلامية الضخمة والمُنظمة التي فوجئ العالم بأن الدواعش يمتلكونها. لأن (داعش) لم يشبه منذ ظهوره نظراءه من التنظيمات الإرهابية التي سبقته؛ بل أخذ منحى آخر بداية من طرق القتل المتوحشة والاغتصاب والانتهاكات غير الآدمية، وصولاً إلى تفرده بترسانة إعلامية ضخمة ومنظمة نجحت في استقطاب المقاتلين من الشرق والغرب على السواء؛ ما جعل هذا التنظيم الإرهابي الأول، على مدار التاريخ، الذي اتخذ من التسويق سلاحه الأقوى، ومن الأعلام السوداء والسجناء ذوي الرداء البرتقالي علامة تجارية معروفة تظهر في المقاطع المصورة التي ينتجها التنظيم».
ترنح المنصات
ولفتت الدراسة أيضاً إلى أن «داعش» منذ ظهوره اعتمد على إنتاج مقاطع فيديو عالية الجودة ومواكبة لأحدث التقنيات الإعلامية العالمية، إضافة إلى طباعته عدداً من المجلات، ونجاحه في اختراق مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذها نافذة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي هذه المواقع. إلا أن الشبكة الإعلامية «الداعشية» ترنحت الآن، وطرأ على المحتوى الذي تنشره عدد من المتغيرات، منها انخفاض كبير في حجم المحتوى المنشور، ورداءة جودة الفيديوهات والصور، وغلبة النغمة الدفاعية على الإصدارات الأخيرة، وتأخر التنظيم في إصدار البيانات التي يتبنى فيها مسؤوليته عن الهجمات التي يُنفذها، والمبالغة في الأسلوب، فضلاً عن سقطات الترجمة من العربية للغات الأجنبية.
من جهته، قال عبد الفضيل، رغم تهاوي إعلام «داعش» فالتنظيم مستمر في توجيه دعوات الانضمام إليه، حتى لو جاء هذا الانضمام في صورة «مناصرين» على المواقع الإلكترونية، أو قيام أحد هؤلاء «المناصرين» بعملية إرهابية في دولته، وليس الهجرة لـ«داعش». لافتاً إلى أن الحملات العسكرية المكثفة التي شنّها التحالف الدولي ضد التنظيم أدت إلى انخفاض تواجده الإعلامي، ومقتل قياداته الإعلامية. وذكرت تقارير دولية، أن القضاء على شخصيات إعلامية لـ«داعش» كان ضربة قاسمة لترسانته الإعلامية، وفشل التنظيم حتى الآن في العثور على شخصيات يمكن أن تحل محل تلك القيادات.
إعلاميو التنظيم
عددت الدراسة أبرز قادة الإعلام في «داعش»، يتقدمهم أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي للتنظيم، الذي أسند إليه مسؤولية الإشراف على العمليات الأهم التي نفذها التنظيم خارج مناطق وجوده في العراق وسوريا، ولا سيما هجمات تركيا وأوروبا. وقتل العدناني في أغسطس (آب) 2016 جراء هجمة جوية شنتها قوات التحالف الدولي بإحدى المعارك في حلب.
وهناك وائل عادل حسن، المعروف بـ«أبو محمد الفرقان»، وشغل منصب وزير الإعلام بالتنظيم بعد مقتل العدناني، وأسندت إليه مسؤولية إخراج المواد الدعائية، مثل عمليات الإعدام التي كان ينفذها التنظيم في حق ضحاياه، وقتل في سبتمبر (أيلول) 2016 في غارة جوية قرب مدينة الرقة. وكذلك أحمد أبو سمرة، ويعرف باسم «أبو سليمان الشامي»، وكان مسؤولاً عن الأفلام الوثائقية وإخراج الفيديوهات، وعن نشاط «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي، وقتل في يناير (كانون الثاني) 2017.
وقال الدكتور كمال بريقع، المشرف على وحدة رصد اللغة الإنجليزية في مرصد الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات مواقع (فيسبوك) و(تويتر) و(يوتيوب) قلصت آلية الدواعش الإعلامية، فقد عمل التنظيم منذ ظهوره على توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لدعم انتشاره إعلامياً، من خلال نشر مقاطع الفيديو الخاصة به على حسابات أعضائه ومؤيديه، غير أن فقدان التنظيم قدرته على إنتاج مواد إعلامية جديدة خلال الفترة الماضية، ساهم في تراجع تداول مواد التنظيم الإعلامية على هذه المواقع».
وعلق «تويتر» 125 ألف حساب أغلبها تابع لـ«داعش» مطلع 2016، وبعد 6 أشهر علق 235 ألف حساب آخر... وأعلن «يوتيوب» استخدام تقنية «إعادة التوجيه» بحيث تقوم على توجيه أي شخص يبحث عن مقاطع فيديو ذات محتوى متطرف إلى مقاطع الفيديو التي تواجه المتطرفين ولديها رسالة مضادة.
وأضاف بريقع، إن «الشخصيات الإعلامية الداعشية التي نجت من القتال اضطرت إلى الفرار والتخفي بتغيير أماكن تواجدها، واللجوء إلى الاختباء في أماكن منعزلة تنعدم فيها وسائل الاتصال، وهو أمر يختلف عما كانوا يتمتعون به سابقاً». وبحسب تقارير دولية، فإن تنظيم داعش الإرهابي أنتج في سبتمبر 2017 ثلث ما أنتجه في أغسطس 2015.
ويرى مراقبون أن «بعض وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى آليات استغلتها التنظيمات الإرهابية من أجل التواصل مع (الإرهابيين) والمتعاطفين، بشكل ساعد التنظيمات على استقطاب عدد كبير منهم، وتعويض خسائرها البشرية التي فرضها تعدد المواجهات التي انخرطت فيها داخل المناطق التي سيطرت عليها».
منصات «الدواعش»
أيضاً، تحدثت الدراسة عن منصات «داعش» الآن، وتمثلت في موقع «أخبار المسلمين، ووكالة أعماق الإخبارية، ومؤسسة الحياة للإنتاج، وجريدة النبأ الأسبوعية»، إضافة إلى مكاتب إعلامية محلية في سوريا والعراق وباقي الدول، تقوم بتوزيع مواد معظمها من وكالة «أعماق» وموقع «أخبار المسلمين».
و«أعماق» تُعد الوكالة المركزية للتنظيم، وتمتلك موقعاً على الشبكة الإلكترونية اختفى فترة، ثم عاد إلى الظهور خلال 2015 و2016، وشهدت منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017 وحتى فبراير (شباط) من العام الحالي تحسناً ملحوظاً، ظهر من خلال زيادة حجم إعلاناتها؛ لكنها تواجه الآن صعوبات في نشر موادها على «فيسبوك» و«تويتر». أما «مؤتة» فهي وكالة أنباء غير رسمية، ولا تزال نشطة حتى وقتنا الراهن. فضلاً عن «شبكة أخبار الولايات» وأسست في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وتنشر بيانات «داعش» باللغة الإنجليزية، التي يُعلن فيها التنظيم مسؤوليته عن الهجمات التي ينفذها، وليس لهذه الشبكة موقع معين، وتقوم بالنشر من خلال تطبيق «التليغرام» فقط، ومن خلالها يتم النشر في مختلف وسائل الإعلام العالمية.
وكذا مؤسسة «القرار»، وهي وكالة أنباء محلية بدأت نشاطها في يونيو (حزيران) 2017... بالإضافة إلى مؤسسات إنتاج وتوزيع المواد الإعلامية، مثل: «الفرقان، والحياة، والأجناد، ورماح». ومواقع إلكترونية مثل «الصوارم». ومجلات إلكترونية مثل «الأنفال». ومحطات راديو مثل «البيان». ومنصات أخرى ليست نشطة حالياً مثل موقع «الحق»، ومجلات شهرية مثل «رومية» و«دابق». وشبكة «الاعتصام» للإعلام. وموقع «الأنصار» الإلكتروني.
استراتيجية المُكافحة
خلصت الدراسة المصرية، بحسب عبد الفضيل، إلى أن «داعش» سينحسر على الأرض قليلاً ليدشن نفسه إعلامياً ويعود للظهور في بؤر أخرى غير التي هُزم فيها... وأنه لا بد من التوقف قليلاً عن الجزم بزوال الخطر الداعشي. إذ إن هناك دلائل تشير إلى وجود المزيد من الأعمال الإجرامية في جعبة هذا التنظيم، ومن ثم فإن التريث وعدم القطع بزواله، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية على مستوى العالم، أمر ضروري من أجل عدم السماح للتنظيم بمفاجأة العالم بظهوره مرة أخرى في صورة جديدة.