جوادي... ريادة في الكتابة والصحافة

رحل في منفاه الفرنسي عن 94 عاماً

علي أصغر جوادي
علي أصغر جوادي
TT

جوادي... ريادة في الكتابة والصحافة

علي أصغر جوادي
علي أصغر جوادي

رحل أخيرا الكاتب والصحافي المخضرم والزميل الأسبق في صحيفة كيهان الإيرانية، علي أصغر حاج سيد جوادي الذي وافته منيته في منفاه بباريس عن عمر يناهز 94 عاما. وانحدر الراحل من عائلة مرموقة من علماء المذهب الشيعي وكبار التجار في قزوين. وكان ترتيبه الأوسط بين أشقائه الثلاثة.
وكان شقيقه الأكبر أحمد قد أصبح محاميا وانتهى به المطاف ليتولى منصب وزير الداخلية ثم وزير العدل في حكومة رئيس الوزراء مهدي بازركان التي تشكلت في عهد آية الله الخميني عام 1979.
وبعد بضع سنوات، انشق أحمد عن النظام الخميني ونشر إقرارا رسميا بالذنب واعترافا بالخطأ وتوسل فيه إلى الشعب الإيراني أن يغفر له دعمه وإسناده للثورة الإسلامية الإيرانية.
ودافع أحمد طوال حياته عن كثير من الأشخاص الذين اعتقلوا في عهد الشاه لاتهامات تتعلق بممارسة «الأنشطة المناهضة الدولة والإرهاب». واعتدت أن أراه بين الحين والآخر عندما كان يُدعى للدفاع عن موكليه. وكنت دائما معجبا بنزاهته الشخصية، بينما يساورني القلق بشأن مثاليته المفرطة.
أما الشقيق الأصغر حسن فكان رئيس تحرير صحيفة «اطلاعات» ومعارضاً صريحاً لنظام الخميني. وكنت معتادا على لقاء حسن بين الحين والآخر في سبعينات القرن الماضي. وكان يعجبني حسه الفكاهي كثيرا، ولكن كنت أتساءل عما وراء سخريته اللاذعة. وهو، في المقابل، كان يعتقد أنني فتى أحمق تائه العينين يائس من إمكانية أن تكون إيران رائعة مرة أخرى!
وخلال الاضطرابات الثورية، انشق حسن عن شقيقيه اللذين كانا يؤيدان الخميني ضد الشاه. وكانت حجته أنه في حين أن الشاه لم يكن جيدا بما فيه الكفاية، إلا أن سيئات الخميني كان أكثر من كافية حتى بالنسبة لأكثر المتشائمين.
ومن قبيل المصادفات، توفي حسن في طهران قبل 10 أيام فقط من وفاة شقيقه علي أصغر.
وكان هذا الأخير، وهو الأوسط، حالة وسط حقاً بين نقيضين. فلم يكن مثاليا مثل شقيقه أحمد، كما لم يكن ساخرا متهكما مثل شقيقه حسن. وفي أواخر أربعينات القرن الماضي، انجذب علي أصغر نحو الشيوعية، لدرجة أنه ربى لحية صغيرة تشبه لحية لينين الشهيرة. ومع ذلك، اقتنع من خلال كثير من الدراسات حول النظام السوفياتي ولا سيما في عهد جوزيف ستالين بالتخلي عن الشيوعية والتحول إلى «الطريق الثالث»، وهي نسخة من الفكر اليساري الخفيف المستوحى من أفكار المارشال جوزيف تيتو وتجربته الشخصية في يوغوسلافيا بدعم خاص ومتقن من الولايات المتحدة.
تخرج علي أصغر في كلية الحقوق بجامعة طهران بيد أنه لم يرغب قط في ممارسة مهنة المحاماة.
كان حلمه أن يصبح كاتبا وصحافيا. ولقد نشر عددا من القصص القصيرة في المجلات الإيرانية الرائدة في حقبة الخمسينات، ومن أبرزها مجلة «صبا»، ومجلة «كاويان»، وكان غالبا ما يكتب تحت اسم مستعار.
وبعد عمله كمحرر لمجلة «الطريق الثالث» تحت رئاسة خليل مالكي، نأى علي أصغر بنفسه عن الحزب وسعى إلى الحصول على وظيفة متفرغة في الصحافة المهنية. وبعد أعوام من العمل كمحرر محلي لدى كثير من المجلات والدوريات، ومن بينها «جيهان» من تحرير صادق بحداد، و«كوشش» عن دار «نشر شكر الله صفوي». وانتهى الأمر بعلي أصغر ككاتب ومراجع للكتب في صحيفة «اطلاعات» اليومية، التي كانت أكبر الصحف تداولا في البلاد في تلك الأثناء.
وجاءت فرصته الكبرى عندما دعته صحيفة «كيهان» اليومية الكبيرة في عام 1970 للانضمام إلى فريق الكتاب التحريريين فيها. وكون علي أصغر ثنائيا مع صحافي كبير آخر من جيله يدعى علي هاشمي حائري، وتولى الاثنان كتابة المقالتين الافتتاحيتين للجريدة يوميا. وكان المقالة الافتتاحية بالصفحة الثانية مخصصة يوميا لـ«قضية اليوم»، وتُصاغ بعناية فائقة حتى لا تثير غضب السلطات. وكانت مقالة الصفحة السادسة من الجريدة مخصصة «للجماهير الساخطة» وتكتب بلهجة شعبوية دارجة تنتقد السلطات من دون إثارة نعرات التمرد عليها.
وعندما أصبحت رئيس التحرير في عام 1972 قررت إلغاء ذلك النظام من خلال إيقاف المقالة الافتتاحية بالصفحة الثانية وتحويل افتتاحية الصفحة السادسة إلى عامود يعبر عن الموقف الصريح للناس من دون محاولة خداع السلطات عبر إرضاء منتقديها.



رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
TT

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)

رحلت الإعلامية المصرية ليلى رستم، الخميس، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تاريخ حافل في المجال الإعلامي، يذكّر ببدايات التلفزيون المصري في ستينات القرن العشرين، وكانت من أوائل المذيعات به، وقدمت برامج استضافت خلالها رموز المجتمع ومشاهيره، خصوصاً في برنامجها «نجمك المفضل».

ونعت الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، الإعلامية القديرة ليلى رستم، وذكرت في بيان أن الراحلة «من الرعيل الأول للإعلاميين الذين قدموا إعلاماً مهنياً صادقاً متميزاً وأسهموا في تشكيل ثقافة ووعي المشاهد المصري والعربي، حيث قدمت عدداً من البرامج التي حظيت بمشاهدة عالية وشهرة واسعة».

والتحقت ليلى بالتلفزيون المصري في بداياته عام 1960، وهي ابنة المهندس عبد الحميد بك رستم، شقيق الفنان زكي رستم، وعملت مذيعةَ ربط، كما قدمت النشرة الفرنسية وعدداً من البرامج المهمة على مدى مشوارها الإعلامي، وفق بيان الهيئة.

ليلى رستم اشتهرت بمحاورة نجوم الفن والثقافة عبر برامجها (ماسبيرو زمان)

وتصدر خبر رحيل الإعلامية المصرية «التريند» على منصتي «غوغل» و«إكس» بمصر، الخميس، ونعاها عدد من الشخصيات العامة، والعاملين بمجال الإعلام والسينما والفن، من بينهم الإعلامي اللبناني نيشان الذي وصفها على صفحته بمنصة «إكس» بأنها «كسرت طوق الكلاسيكية في الحوار ورفعت سقف الاحترام والمهنية».

كما نعاها المخرج المصري مجدي أحمد علي، وكتب على صفحته بموقع «فيسبوك» أن المذيعة الراحلة «أهم مذيعة رأتها مصر في زمن الرواد... ثقافة ورقة وحضوراً يفوق أحياناً حضور ضيوفها».

واشتهرت ليلى رستم بلقب «صائدة المشاهير»؛ نظراً لإجرائها مقابلات مع كبار الشخصيات المؤثرة في مصر والعالم؛ مما جعلها واحدة من أعلام الإعلام العربي في تلك الحقبة، وقدّمت 3 من أبرز برامج التلفزيون المصري، وهي «الغرفة المضيئة»، «عشرين سؤال»، و«نجمك المفضل»، بالإضافة إلى نشرات إخبارية ضمن برنامج «نافذة على العالم»، وفق نعي لها نشره الناقد الفني المصري محمد رفعت على «فيسبوك».

الإعلامية المصرية الراحلة ليلى رستم (إكس)

ونعاها الناقد الفني المصري طارق الشناوي وكتب عبر صفحته بـ«فيسبوك»: «ودّعتنا الإعلامية القديرة ليلى رستم، كانت أستاذة لا مثيل لها في حضورها وثقافتها وشياكتها، جمعت بين جمال العقل وجمال الملامح»، معرباً عن تمنيه أن تقدم المهرجانات التلفزيونية جائزة تحمل اسمها.

ويُعدّ برنامج «نجمك المفضل» من أشهر أعمال الإعلامية الراحلة، حيث استضافت خلاله أكثر من 150 شخصية من كبار الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين، من بينهم طه حسين، وعبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وفاتن حمامة وتوفيق الحكيم، كما أجرت مقابلة شهيرة مع الملاكم الأميركي محمد علي كلاي.

وأبرزت بعض التعليقات على «السوشيال ميديا» حوار الإعلامية الراحلة مع كلاي.

وعدّ رئيس تحرير موقع «إعلام دوت كوم» محمد عبد الرحمن، رحيل ليلى رستم «خسارة كبيرة» وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلامية الراحلة كانت تنتمي إلى جيل المؤسسين للتلفزيون المصري، وهو الجيل الذي لم يكن يحتاج إلى إعداد أو دعم، لكن دائماً ما كان قادراً على محاورة العلماء والمفكرين والفنانين بجدارة واقتدار»، موضحاً أن «القيمة الكبيرة التي يمثلها هذا الجيل هي ما جعلت برامجهم تعيش حتى الآن ويعاد بثها على قنوات مثل (ماسبيرو زمان) ومنصة (يوتيوب) وغيرهما، فقد كانت الإعلامية الراحلة تدير حواراً راقياً يحصل خلاله الضيف على فرصته كاملة، ويبرز الحوار حجم الثقافة والرقي للمذيعين في هذه الفترة».

بدأ أول بث للتلفزيون المصري في 21 يوليو (تموز) عام 1960، وهو الأول في أفريقيا والشرق الأوسط، واحتفل بعدها بيومين بعيد «ثورة 23 يوليو»، وبدأ بقناة واحدة، ثم قناتين، ثم قنوات متعددة تلبي احتياجات شرائح مختلفة من المجتمع، ومع الوقت تطور التلفزيون المصري ليصبح قوة للترفيه والمعلومات، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.

وشهدت بدايات التلفزيون ظهور إعلاميين مثَّلوا علامة بارزة فيما بعد في العمل التلفزيوني مثل أماني ناشد، وسلوى حجازي، وصلاح زكي وأحمد سمير، وكانت ليلى رستم آخر من تبقى من جيل الروَّاد المؤسسين.