يوم حاسم في المسيرة السياسية لأنجيلا ميركل

أزمة اللجوء تهدد بزعزعة تحالف الديمقراطيين المسيحيين مع شركائهم المسيحيين الاجتماعيين

يوم حاسم في المسيرة السياسية لأنجيلا ميركل
TT

يوم حاسم في المسيرة السياسية لأنجيلا ميركل

يوم حاسم في المسيرة السياسية لأنجيلا ميركل

في أروقة المستشارية الألمانية بالعاصمة برلين يجهد محامون بالبحث عن نصوص دستورية وقانونية تحدد مَن له السلطة العليا في إعطاء أوامر للشرطة: المستشارة أم وزير الداخلية. وعلى بعد أمتار قليلة في مقر وزارة الداخلية محامون يقومون بالمثل. ذلك أن وزير الداخلية هورست زيهوفر الذي له السلطة العليا على الشرطة في ألمانيا، قد هدّد باستخدام صلاحياته لنصب نقاط تفتيش على الحدود لمنع دخول اللاجئين الذين تقدموا بطلبات لجوء في دولة أوروبية أخرى وأولئك الذين رُفضت طلباتهم. أما المستشارة أنجيلا ميركل فقد هددت باستخدام صلاحيتها كرئيسة للحكومة مكلّفة حسب الدستور برسم السياسات العامة للدولة، لوقف هكذا قرار.
زيهوفر، زعيم حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي –حليف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي– في ولاية بافاريا، يريد خفض عدد اللاجئين في ألمانيا والحد من «الهجرة الثانوية» داخل أوروبا، في حين تريد ميركل الحفاظ على حرية التنقل في الاتحاد الأوروبي، وتخشى أن تبدأ سابقة قد تؤدي إلى إعادة الحدود بين دول الاتحاد الـ28.
الخلاف بين الحليفين «الشقيقين» والشريكين المحافظين في الحكومة الائتلافية تضخّم على مدى الأيام الماضية حتى بات يهدد ليس فقط الحكومة الألمانية الحالية ومستقبل ميركل، بل يهدد أيضاً عموم الخريطة السياسية في ألمانيا.

استغرق تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية في ألمانيا قرابة الخمسة أشهر، إلا أنها قبل أن يمضي على عمرها 4 أشهر باتت مهددة بالسقوط.
الخلاف الجديد الذي يلف الحكومة ليس الأول منذ تشكيلها، إلا أنه حتماً الأكثر خطورة. أما السبب وراء اندلاع الخلاف فهو نفسه الذي أخّر عملية تشكيلها وأيضاً الذي أوصل اليمين المتطرف للمرة الأولى إلى البرلمان: اللاجئون.
كثيرون تحدثوا عن فرص ضئيلة باستمرار هذه الحكومة طويلاً بسبب الخلافات التي ظهرت منذ البداية بين أعضائها، خصوصاً بين الحزبين الشقيقين: الاتحاد الديمقراطي المسيحي برئاسة ميركل، والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري برئاسة زيهوفر.

- أزمة اللجوء
الأخير يعتمد خطاً أكثر تطرفاً تجاه اللاجئين منذ موجة الدخول الكبير عام 2015، فيومذاك انتقد زيهوفر قرار ميركل الأحادي السماح بدخول ما يقارب مليون لاجئ من سوريا، وعبور كثيرين منهم عبر أراضي ولايته بافاريا الواقعة على الحدود مع النمسا. وهدد زيهوفر، في حينه، حتى بإغلاق حدود ولايته أمام اللاجئين بمعزل عن قرار الحكومة الاتحادية.
ومع أن الأمور عادت فهدأت بين الحليفين، فإن التوتر استمر منذ ذلك الحين حول سياسة اللجوء. بل، وفاقمت نتائج الانتخابات التي أجريت خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، التي أظهرت تراجع التأييد للحزبين لصالح حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي يدعو لإعادة كل اللاجئين لبلادهم، «غضب» الحزب البافاري من ميركل. وكان زيهوفر قد دأب على الترويج لـ«خطة كبرى» لاحتواء أزمة اللجوء حتى قبل تسلمه حقيبة الداخلية. وبالفعل، لم تمض أسابيع قليلة على تسلمه الوزارة حتى وضع خطته هذه المؤلفة من 63 نقطة، وافقت ميركل على 62 منها، وبقيت واحدة عالقة... هي تلك التي تتعلق بإغلاق الحدود في وجه بعض اللاجئين. ولم تنفع اللقاءات الطارئة بين الطرفين و«القمم» المصغّرة والموسّعة على صعيد الحزبين في ردم الهوّة حول هذه النقطة.
من ثمّ، إزاء تصلب زيهوفر، لم يعد أمام ميركل إلا الاستنجاد بأوروبا. وهكذا، كسبت على الأقل جولة بإقناع حليفها الداخلي بالتريث لمدة أسبوعين قبل اتخاذ قرار أحادي قد يفرط العقد بينهما.
المهلة تنتهي غداً (الأحد).

- لقاء بروكسل الأوروبي
وبالفعل لم تخذل أوروبا ميركل. فعلى مدى اليومين الماضيين اجتمع القادة الأوروبيون في «العاصمة الأوروبية» بروكسل لبحث ملف الهجرة بشكل رئيسي. وفي الخامسة من فجر أمس (الجمعة)، بتوقيت بروكسل، خرجت ميركل من «اجتماع ماراثوني» طال لأكثر من 12 ساعة، ووقفت أمام الصحافيين مبتسمة وشيء من الارتياح بادٍ على محيّاها. تحدثت عن «تقدم كبير» في النقاش حول الهجرة، إلا أنها اعترفت باستمرار وجود «خلافات كبيرة» بين دول الاتحاد حول الموضوع.
الاجتماع الأوروبي نجح، بالفعل، في تحقيق اختراق، إذ توصل إلى اتفاق حول التعاطي مع اللاجئين غير الشرعيين الواصلين عبر البحر إلى اليونان وإيطاليا، بهدف تخفيف العبء عن هاتين الدولتين. لقد اتفق الزعماء على نقل المهاجرين واللاجئين الذين يتيسر إنقاذهم من البحر، إلى مراكز إيواء سيصار إلى تشييدها في «دول متطوعة» داخل أوروبا، وأيضاً، خارجها، في إشارة إلى إمكانية تشييد مثل هذه المراكز في دول شمال أفريقيا مثل ليبيا وتونس والمغرب ومصر. ومنها، يوزع اللاجئون على الدول الأوروبية.
الحل المقترح أرضى إيطاليا وحكومتها الائتلافية اليمينية المتشددة، التي كانت قد بدأت في الأيام الماضي برفض استقبال بواخر منظمات إنسانية تحمل لاجئين جرى إنقاذهم من البحر، مطالبةً أوروبا بتقاسم عبء اللاجئين.
بيد أن النقطة الأهم التي تؤرّق زيهوفر، وكانت هي الدافع وراء تهديداته بإغلاق الحدود الألمانية أمام بعض اللاجئين، أي «الهجرة الثانوية» -أي التنقل الحر للاجئين المرفوضة طلباتهم داخل أوروبا- لم تَلقَ الكثير من البحث في هذا الاجتماع. ولم يأتِ البيان النهائي على ذكر المشكلة إلا مروراً عابراً، بالقول: «على الدول الأعضاء اتخاذ كل الخطوات الضرورية داخلياً، على صعيد القانون والإدارة، للتصدي لهكذا تحركات والعمل معاً لمواجهة ذلك».

- الكرة في ملعب زيهوفر
مع هذا الاتفاق ازدادت الأسئلة حول ما إذا كانت نتائج القمة ستكون مقبولة لهورست زيهوفر، وكافية لحثه على البقاء في الحكومة... أم أنه سيمضي قدماً بتنفيذ وعده وإعطاء أوامر للشرطة ببدء التفتيش على الحدود.
الكاتب والصحافي الألماني يواخيم فانامه، توقّع في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن تحاول ميركل إقناع زيهوفر بأن تقدماً «كافياً» حصل على الصعيد الأوروبي، وأن اهتمامها سينصبّ الآن على الاتفاقات الثنائية مع الدول الأوروبية. في حين يعتبر كريستيان كاستروب، من معهد «برتلسمان شتيفتنغ» أن قرار زيهوفر بتصعيد المواجهة مع ميركل أو القبول بالنتائج التي تحملها معها من بروكسل، سيكون قراراً «سياسياً». ويوضح في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «مهما حملت ميركل معها من قرارات أوروبية، يمكن أن يقول زيهوفر إنها غير كافية. وفي النهاية القرار سياسي، وعلى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي أن يقرّر ما إذا كان يريد البقاء مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي أم ينفصل عنه». ولكن هذه «المغامرة» تبدو غير منطقية بالنسبة إلى الكثيرين. إذ إنه لا وجود للحزب البافاري إلا في ولاية بافاريا، حيث لا ينافسه الديمقراطيون المسيحيون بموجب اتفاق قديم بين الطرفين. ومن ثم، فأي «طلاق» بينهما قد يعني أن حظوظ الحزب البافاري بالمشاركة في الحكومات الفيدرالية المقبلة ستغدو محدودة. ويتابع كاستروب تحليله للموضوع: «أنا لا أفهم حقيقةً لماذا اختار زيهوفر أن يصعد الأمر بهذه الطريقة، إنه بهذا يخوض مجازفة ضخمة، وقد لا تكون استراتيجية ناجحة».

- اعتبارات انتخابية محلية
حقيقة الأمر أن ما يحاول زيهوفر فعله، هو إبعاد حزبه عن سياسات ميركل «الصديقة» للمهاجرين. فهو مقبل على انتخابات محلية في بافاريا في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، واستطلاعات الرأي تشير إلى تراجع الاجتماعيين المسيحيين بشكل كبير مقابل تقدّم حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف والمعادي للهجرة، على حسابهم. وبالتالي، إذا فشل الاجتماعيون المسيحيون في الفوز بأغلبية مريحة تسمح لهم بالحكم منفردين في بافاريا، فستكون هذه ضربة موجعة لحزب اعتاد على الحكم منفرداً منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. في المقابل، ليس مؤكداً أو مضموناً أن هذا الخلاف الذي أثاره زيهوفر مع ميركل سيترك أصداء إيجابية لدى ناخبي حزبه. إذ أظهر استطلاع للرأي نشرته مجلة «دير شبيغل» قبل يومين من انعقاد القمة الأوروبية، تراجع التأييد للحزبين المحافظين الألمانيين الحليفين إلى أدنى من 30، ووصلت نسبة تأييد الاجتماعيين المسيحيين في معقلهم بافاريا فقط إلى 40%، وهذه نسبة لن تسمح لحزبهم بالحكم منفرداً. يواخيم فانامه يرى أن أي قرار أحادي يتخذه زيهوفر الآن بإعادة نقاط تفتيش على الحدود سيدفع بميركل إلى إقالته، وهذا سيعني انسحاب حزبه من الائتلاف الحكومي وخطر نشوء «نظام سياسي جديد في ألمانيا». ويرى الكاتب المتخصص في الشؤون الأوروبية أن إقالة زيهوفر قد لا تعني بالضرورة «نهاية ميركل... على الأقل ليست نهاية فورية». ويتوقع أن تنجح ميركل في ضم حزب «الخضر» البيئي المعارض إلى حكومتها بشروط، شارحاً: «ستكون لديها خيارات بعد إقالة زيهوفر مثل إدخال (الخضر) إلى الحكومة بدلاً من (الاجتماعيين المسيحيين)، ولكن سيكون ذلك بشرط استقالتها في مرحلة ما، ربما، في العام المقبل«.

- سيناريوهات محتملة
من جهته، يحذر كاستروب من «سيناريو أكثر سوداوية» لألمانيا في حال انفرط العقد التاريخي بين حزبي ميركل وزيهوفر، قائلاً: «إذا كسب التفكير المنطقي فإن الحكومة الحالية يمكن أن تبقى في الحكم كما هي، ولكن الأمر المقلق أن الحكومات الائتلافية في المستقبل ستكون أضعف. وفي وقت من الأوقات أعتقد أن ألمانيا ستشهد تغيرات جذرية على مشهد الأحزاب السياسية كما حصل في فرنسا، مع ظهور حزب ماكرون من لا شيء. وأعني أن نشهد ظهور حزب يقف في الوسط وهذا سيكون جيداً لأنه يعني أننا لن نسمح لليمين المتطرف بأن يسيطر على المشهد السياسي»، غير أنه يتابع محذّراً «... ولكن الخطر يكمن في أن الأحزاب اليمينية المحافظة ستجنح أكثر نحو اليمين، كما يحصل الآن مع الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري لردم الهوّة مع اليمين المتطرف وإعادة كسب الأصوات... هذه استراتيجية خطيرة لأنها تؤدي إلى خسارة الأصوات الوسطية». ويستطرد كاستروب قائلاً: «قد يكون أمراً جيداً أن تنقسم الأحزاب وتظهر أحزاب وسطية جديدة... لكن الخطر سيتمثل في زوال الأحزاب الوسطية لصالح الأحزاب اليمنية المتطرفة واليسارية المتطرفة كما حصل في إيطاليا».
المفارقة الآن هي أن هذه الأزمة «المفتعلة» حول اللجوء واللاجئين تأتي في وقت انخفضت فيه أعداد الذين يعبرون إلى أوروبا بطريقة غير شرعية بنسبة 95%، حسب بيان القادة الأوروبيين بعد اجتماعهم، أمس. ويعود الأمر بشكل أساسي لاتفاق أبرمته دول الاتحاد مع تركيا لوقف نشاط المهرّبين تتلقى بنتيجته أنقرة 6 مليارات يورو، صُرف منها 3 مليارات وأقرّ القادة الأوروبيون صرف الـ3 مليارات المتبقية في اجتماعهم الأخير.

- تفاهمات... عبر المتوسط
والآن، يبحث قادة أوروبا عن اتفاقات مشابهة لعقدها مع دول شمال أفريقيا، خصوصاً ليبيا التي تنشط فيها حركة التهريب على أيدي ميليشيات مستفيدة من الفوضى هناك. وكانت الحكومة الإيطالية قد قدّمت، بالفعل، حوافز مالية لبعض الميليشيات التي تنشط في تهريب اللاجئين في ليبيا، مقابل وقف عملياتها. غير أن التخوف من انعدام وجود سلطة قوية في طرابلس، واستمرار الفوضى في البلاد، يعنيان أن الاتحاد الأوروبي قد لا يجد شريكاً فعالاً في ليبيا لتنفيذ الخطة معه، كما حصل مع تركيا.
وهنا يرى الكاتب كاستروب أن من بين الدول المطروحة لإبرام اتفاقات ثنائية معها شبيه بالاتفاق التركي، فإن ليبيا تعد الحلقة الأضعف. ويفصّل شارحاً: «كانت أوروبا تدفع الملايين للقذافي كي يوقف الهجرة غير الشرعية إليها، ولكن بعد قتله تحولت ليبيا إلى (دولة فاشلة) لا يوجد شريك قوي للحوار معه».
من ناحية ثانية، الاقتراحات القاضية بتشييد مراكز لإيواء طالبي اللجوء، تلاقي معارضة شديدة من منظمات حقوق الإنسان التي تعدها مراكز «غير إنسانية». ولقد علّقت منظمة «برو أزيل» على بيان قادة أوروبا بالقول: «هذه قمة اللا إنسانية، تعذيب وملاحقة بشر في أوروبا بهذا الشكل غير إنساني. قادة الدول الأوروبية يفتقرون إلى التعاطف مع الملاحَقين. داخل وخارج أوروبا هناك الآن مخيمات يأس». وكان ظهور شريط فيديو نهاية العام الماضي، لمهاجرين أفارقة يباعون في مزاد علني كعبيد في ليبيا، قد تسبب في صدمة وموجة إدانات دولية. وقبل أيام، رفضت سفينة إنقاذ تابعة لمنظمة إنسانية ألمانية أوامر خفر السواحل الإيطالية بتسليم مئات المهاجرين الذين أنقذتهم إلى خفر السواحل الليبية بسبب الخوف من انتهاكات بحقهم.
ومن بين النقاط الأوروبية التي تم التوافق عليها أيضاً، مواجهة أكثر صرامة لمهربي البشر عبر زيادة التمويل لـ«فرونتكس»، وهي الوكالة الأوروبية المكلفة تأمين حدود القارة. إلا أن كاستروب يشك أيضاً في مدى فاعلية ذلك، ويقول: إن وقف المهربين «يتطلب ملاحقة المسؤولين عنهم، الذين يجلسون عادةً في مكاتب في لندن وباريس ويعطون الأوامر للميليشيات الموجودة على الأرض». ويعتبر أن ملاحقة هؤلاء «معقدة»، الاتحاد الأوروبي «ليس جاهزاً بعد» لمواجهتهم بسبب ضعف أدواته المحلية.

- لا تغيير عند المتطرفين
مع هذا، فإن كل هذه النقاط التي خرجت بها القمة الأوروبية، لم تكن كافية لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، الذي خرجت زعيمة كتلته النيابية أليس فيدل، لتنتقد البيان الأوروبي، قائلة إن القرارات «نصف ناضجة». وأضافت: «تأمين الحدود من قبل (فرونتكس) بشكل جدّي لن يبدأ قبل عام 2020، ما يعني أن هذا سيترك باب الاتحاد الأوروبي مفتوحاً كباب حظيرة للعامين المقبلين». وكان الاتحاد الأوروبي قد أقر خطة لزيادة الدعم لـ«فرونتكس» ليصل عدد موظفيها إلى 1000 بحلول عام 2020.
فهل يقبل زيهوفر بـ«الحلول الوسط»، كما وصفها حزب «البديل لألمانيا» أم أنه سينفّذ تهديداته بالتصرف أحادياً ونصب نقاط تفتيش على الحدود؟
الإجابة ستعرفها ميركل، غداً (الأحد)، بكل تأكيد بعد أن تنتهي من مناقشة ما توصلت إليه في أوروبا، وتحاول إقناعه بأن المزيد من الاتفاقيات لتحويل أوروبا إلى «حصن منيع» في وجه اللاجئين... آتٍ. ومن ثم، فغداً (الأحد)، قد يكون اليوم الأهم في حياة ميركل السياسية حتى الآن.

- التسلسل الزمني لأزمة اللجوء
أغسطس (آب) 2015: ميركل تعلن فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب، وبدء تدفق مئات الآلاف عبر الحدود البرّية من النمسا والدخول إلى ألمانيا عبر بافاريا.
أكتوبر 2015: دخول نحو مليون لاجئ سوري إلى ألمانيا، وهورست زيهوفر -رئيس حكومة بافاريا آنذاك- يهدّد بتصرف أحادي وبإغلاق الحدود في ولايته أمام اللاجئين لـ«حماية أمن» بافاريا، وميركل تحذّره.
24 سبتمبر 2017: الانتخابات النيابية الألمانية تُظهر تراجع تحالف الحزبين المحافظين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، ودخول حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف البرلمان الألماني للمرة الأولى.
4 مارس (آذار) 2018: ميركل تعلن عن نجاحها في تشكيل ائتلاف حكومي بين حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي الديمقراطي وحليفه التقليدي في ولاية بافاريا الاتحاد الاجتماعي المسيحي، مع أكبر أحزاب المعارضة الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وهورست زيهوفر يتسلم حقيبة وزارة الداخلية، بعد تصريحات أدلى بها سبقت تسميته تحدث فيها عن «خطة كبرى» لاحتواء أزمة اللجوء.
16 مارس 2018: أول خلاف علني بين ميركل وزيهوفر بعد أيام على تشكيل الحكومة بسبب تصريحات للأخير قال فيها إن «الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا»، ورد ميركل بنفسها على التصريحات وتؤكد أن الإسلام بات جزءاً من بلادها.
11 يونيو (حزيران) 2018: زيهوفر يقدم لميركل «الخطة الكبرى» لاحتواء أزمة اللجوء وتضم 63 نقطة، وافقت ميركل عليها كلها باستثناء نقطة واحدة تشير إلى إغلاق الحدود أمام لاجئين سبق أن رُفضت طلباتهم أو تقدموا بطلبات في دولة أوروبية أخرى. وزيهوفر يلغي مؤتمراً صحافياً كان مجدولاً لليوم التالي كان من المفترض أن يعرض فيه «خطته الكبرى» حول اللاجئين.
14 يونيو 2018: جلسة نقاش طويلة امتدت طوال ساعات الليل بين زيهوفر وميركل لم تؤدِّ إلى نتيجة. خرج بعدها زيهوفر ليؤكد تمسكه بنشر الشرطة على الحدود وخرجت ميركل لتعلن رفضها الأمر بحجة أنه يهدد «اتفاقية شينغن» في التنقل الحر.
17 يونيو 2018: تفاقم الخلاف بين ميركل وزيهوفر، وقمة طارئة بين الطرفين تفشل في حل العقدة، إلا أنها تنتهي بموافقة زيهوفر على إمهال ميركل أسبوعين لمحاولة التوصل إلى حل على مستوى أوروبا.
28 و29 يونيو 2018: انعقاد القمة الأوروبية في بروكسل، وبحث حل أوروبي لأزمة اللجوء، وإمكانية إدخال تعديلات على «اتفاقية دبلن» التي تحدد مسؤولية الدول عن البت في طلبات اللجوء.
1 يوليو (تموز) 2018:
لقاء مرتقب بين ميركل وزيهوفر لبحث نتائج القمة الأوروبية، واتخاذ قرار حول الخطوات المقبلة ومصير التحالف بين حزبيهما في ألمانيا.

- أسماء متداولة لخلافة ميركل
> آنيغريت كرامب كارنباور: متعارفٌ عليه أنها خيار ميركل لخلافتها، إلا أنها غير معروفة كثيراً على الصعيد الوطني. تشغل حالياً منصب الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي، وتؤيد سياسة ميركل المتسامحة تجاه اللاجئين.
> فولكر بوفيير: رئيس حكومة ولاية هيسه (تضمن مدينة فرانكفورت) ويعد ضمن الدائرة المقربة من ميركل. كان ضمن فريق من 15 شخصاً من الاتحاد المسيحي الديمقراطي شاركوا ميركل في مفاوضات تشكيل الحكومة.
> فولفغانغ شوبيله: رئيس البرلمان الاتحادي (الفيدرالي) منذ 2017: سياسي مخضرم يبلغ من العمر 75 سنة، وتسلم حقيبتي الداخلية والمالية في حكومات ميركل السابقة. يعد من الأوفياء لميركل، لكنه أيضاً ينتقد سياستها المتعلقة باللجوء.
> ينس سبان: وزير الصحة في الحكومة الحالية، ويعد من أصغر منافسي ميركل، إذ يبلغ من العمر 38 سنة. يقف على يمين ميركل في رؤيته الاجتماعية المتعلقة باللاجئين.
> أورسولا فون در ليين: وزيرة الدفاع منذ 2013، وهي أول امرأة تتولى المنصب. الوزيرة الوحيدة التي خدمت في كل الحكومات التي شكّلتها ميركل منذ 2005. كان اسمها مطروحاً بقوة لخلافة ميركل ولكنها رُشّحت أخيراً لمنصب أمين عام حلف شمال الأطلسي «ناتو».
> يوليا كلوكنر: وزيرة الزراعة في الحكومة الحالية. أخيراً بدأ يُطرح اسمها كخليفة محتملة لميركل. تدعو لسياسة لجوء أكثر تشدداً لكنها تحرص على عدم الظهور بمظهر المنتقد لسياسات المستشارة.
> بيتر ألتماير: وزير الاقتصاد، ويُنظر إليه على أنه من أقرب المستشارين لميركل. معروف بدبلوماسيته وقدرته على التموضع في الوسط.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.