العراق: بدء الفرز اليدوي الأسبوع المقبل

البرلمان يخفق في عقد آخر جلساته قبل يومين من نهاية ولايته

TT

العراق: بدء الفرز اليدوي الأسبوع المقبل

أعلن رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري أن الفرز اليدوي لبعض صناديق الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي، سيبدأ الأسبوع المقبل، فيما فشل البرلمان في عقد آخر جلسة له كان خصصها للتصويت على التعديل الرابع لقانون الانتخابات، قبل يومين من نهاية ولايته.
وأعلن الجبوري رفع الجلسة إلى إشعار آخر لتعذر تحقق النصاب القانوني لعقدها، إذ تقتضي القواعد حضور 165 نائباً، فيما لم يحضر أكثر من 90. وقال الجبوري خلال مؤتمر صحافي عقده قبل رفع الجلسة: «إذ لم يصوّت مجلس النواب على قانون التعديل الرابع للانتخابات، فإن المجلس ستنتهي دورته يوم السبت المقبل». ورجح عدم عقد الجلسة الاستثنائية، قائلاً إنه «خلال اليومين المقبلين إن وجد المجلس ضرورة لعقد هذه الجلسة فإنه لن يقصر... المجلس حريص على مراعاة مطالب الناس». وكشف عن أن عملية العد والفرز اليدوي للأصوات بناء على قرار البرلمان الذي أجازته المحكمة الاتحادية جزئياً «ستبدأ الأسبوع المقبل».
وقالت النائب عن «ائتلاف دولة القانون» عواطف نعمة لـ«الشرق الأوسط» إن «النصاب لم يكتمل خلال جلسة الخميس بسبب الموقف الذي عبرت عنه غالبية الكتل السياسية برفض التمديد لعمر البرلمان، وهو ما أثر كثيراً على ما كان يفترض أن يحصل من تحشيد نيابي من أجل التمديد».
وأضافت نعمة، وهي من النواب الذين خسروا الانتخابات عن محافظة البصرة، أنه «في حال نجح البرلمان في عقد جلسة أخرى خلال ما تبقى من عمره، وهما يومان (الجمعة والسبت)، فإن فقرة التمديد سترفع ويتم التركيز على مسألة العد والفرز الكلي وليس الجزئي». وأشارت إلى أنه «في حال كانت هناك ضمانات برفع فقرة التمديد حتى لا تتقاطع قناعات النواب مع كتلهم، فإن النصاب سيتحقق رغم ضيق الوقت وصعوبته».
في المقابل اعتبر تحالف «سائرون» المدعوم من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر نهاية عمر البرلمان «أمر طبيعي يتطلب من كل القوى السياسية الاستعداد للمرحلة المقبلة». وقال الناطق باسم التحالف قحطان الجبوري لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع القوى السياسية اليوم، وبعد نهاية عمر الدورة البرلمانية الحالية التي واجهت صعوبات وتحديات كبيرة، مطالبة بأن تكون قادرة على تحمل المسؤولية، لا سيما الكتل الفائزة بالانتخابات، بما في ذلك ما يتمخض من إجراءات قضائية فيما يتعلق بنتائج الانتخابات. على أن يتم حسم الأمر بأسرع وقت من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة». ودعا الحكومة الحالية إلى «الاستمرار في تحمل المسؤولية وفقاً للدستور والقانون، إذ إنها ستعمل من دون غطاء برلماني، مما يتطلب منها تأدية الأمانة بكل ما تتطلبها من مسؤولية واقتدار ومهنية».
في السياق نفسه، اتفق خبيران قانونيان عراقيان في تصريحين منفصلين لـ«الشرق الأوسط» على عدم جواز التمديد ولو ليوم واحد. وقال الخبير القانوني طارق حرب إن «رئيس البرلمان استخدم عبارة ذكية على صعيد نهاية عمر البرلمان، حين قال بتأجيل الجلسة إلى إشعار آخر، بينما لم يبق من عمر البرلمان سوى يومين وهما الجمعة والسبت وكلاهما عطلة رسمية في العراق؟». وأضاف أن «فكرة التمديد مخالفة للدستور، وهو ما قلناه مراراً. لكن وجدنا إصراراً لأسباب سياسية». وعن بقاء الحكومة وما إذا كانت ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال، يقول حرب إن «الحكومة تستمر بالصلاحيات والاختصاصات والسلطات كافة، وليس هناك شيء اسمه تصريف أعمال».
أما المستشار القانوني أحمد العبادي، فيؤكد من جانبه أن «مساعي التمديد لم تكن دستورية حيث حددت المادة 56 من الدستور عمر البرلمان بأربع سنوات تقويمية»، مبيناً أن «من كان يطالب بالتمديد يريد أن يلتف على هذه المادة وبقية مواد الدستور لأسباب سياسية فقط، وليس لأي سبب آخر منطقي».
وكانت قوى سياسية عدة أعلنت أمس رفضها لأي عملية تمديد للبرلمان، وهي «سائرون» و«الفتح» بزعامة هادي العامري و«النصر» و«ائتلاف دولة القانون» .



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.