«ألوان موسيقية» لجمال أبو الحسن في مهرجان الجامعة الأميركية ببيروت

جمال أبو الحسن يكرّم ملحنين  لبنانيين ومصريين في «ألوان موسيقية»
جمال أبو الحسن يكرّم ملحنين لبنانيين ومصريين في «ألوان موسيقية»
TT

«ألوان موسيقية» لجمال أبو الحسن في مهرجان الجامعة الأميركية ببيروت

جمال أبو الحسن يكرّم ملحنين  لبنانيين ومصريين في «ألوان موسيقية»
جمال أبو الحسن يكرّم ملحنين لبنانيين ومصريين في «ألوان موسيقية»

يستضيف مهرجان الجامعة الأميركية في بيروت (برنامج زكي ناصيف) حفل «ألوان موسيقية» للمؤلف الموسيقي دكتور جمال أبو الحسن. ويُركّز الحفل على جماليات اللحن العربي ملقيا تحية تكريمية على عدد من الملحنين اللبنانيين والمصريين الذين تركوا بصمتهم على مكتبة الموسيقى الشرقية بشكل عام، فأسسوا لمدارس تلحينية ألهمت ملحنين عرب وآخرين غربيين. وتأتي هذه الحفلة التي تُنظّم بالتعاون مع المعهد الموسيقي العالي وجمعية خريجي الجامعة الأميركية، ضمن قالب موسيقي حديث أراده أبو الحسن جامعاً لعدد لا يستهان به من الفنون التشكيلية والغنائية والأدبية وغيرها من اللوحات الثقافية.
«ستتضمن هذه الحفلة مشهديات بصرية وأخرى سمعية يساهم «كورال الفيحاء» في غناء بعض من مقاطعها. فيما يتم التركيز في بعضها الآخر على لبنان الطبيعة واللحن والنوتة التراثية وكذلك على لوحات لرسامين ونحاتين أمثال وجيه نحلة ورودي رحمة وأيضا لأحمد عقل الذي يدخلنا في عالم فنون الخط العربي بتقنية ثلاثية الأبعاد». يوضح دكتور جمال أبو الحسن في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
يخصص الحفل في بدايته تحية وطنية للرّاحل زكي ناصيف تتألف من 4 أغان اشتهر بها، وهي: «مهما يتجرح بلدنا» و«نقيلك أحلى زهرة» و«ليلتنا من ليالي العمر» و«رقصة الأباريق» وهذه الأخيرة قدّمها في أحد مهرجانات بعلبك. كما يخصص أيضاً مساحة أساسية لملحنين مصريين أمثال سيد درويش ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش والذين تركوا أثراً موسيقياً حفظه الناس من خلال أغاني أم كلثوم وفيروز ووديع الصافي وغيرهم من عمالقة الغناء العربي من دون أن يتمتعوا بأي خلفية عن هؤلاء الملحنين. «نقدم هذه الألحان بأسلوب توزيعي موسيقي متجدّد وحديث نطلّ فيه على مقامات وإيقاعات تبرز مدى إتقان عملية التلحين في الماضي القريب». يوضح أبو الحسن الذي نكّه هذه الألحان بلمساته التوزيعية الحديثة.
ويعرب المايسترو اللبناني عن فرحته لتعاونه لأول مرة مع الأوركسترا الوطنية قسم (الشرقي العربي) ويقول: «اعتدت على التعاون مع الأوركسترا السيمفونية أو تلك المعروفة في عالمنا بـ(الإلكترونية)، فاكتشفت نمطاً موسيقياً جديداً زوّدني بأحاسيس ومشاعر فنية خارجة عن المألوف تقدمها هذه الأوركسترا بقيادة المايسترو أندريه الحاج». ويتابع: «إنها حفلة موسيقية لا تشبه غيرها لا بعناصرها البشرية ولا بمحتوياتها المشهدية. فالبرنامج لا يقتصر على الإضاءة والديكورات المسرحية بل أيضا على إمكانات وقدرات ملحنين غبوا من الموسيقى التراثية وحدثوها على طريقتهم فتحولت إلى عربية تلهم فناني الشرق والغرب». وتتضمن هذه الرحلة الموسيقية كما وصفها دكتور جمال أبو الحسن، لمحات سريعة لموسيقى لبنانية قدّمها لنا الراحلين زكي ناصيف وفيلمون وهبي نتيجة تفوقهم الموسيقي بالفطرة. فنستمع إلى أغنيات لصباح (مرحبتين) ونصري شمس الدين (عالعالي الدار)، ولغيرهما أمثال نور الهدى، فنلقي الضوء على ملحنين لأغان شهيرة غير معروفين بالاسم كنقولا المنا الذي قدم لهذه الأخيرة أغنيتها «على أم المناديل».
ويصف الموسيقي اللبناني خزانة الموسيقى التراثية في لبنان بالمؤثرة والغنية بالصدق والعفوية بالتعبير. ويوضح: «ألحان الراحل زكي ناصيف تتّسم بهذا الطّابع الذي قلّما نجده اليوم، فهو كما فيلمون وهبي، تأثرا بلبنان التراث فاستمد الأول جمله الموسيقية من الفولكلور اللبناني، فيما أسّس الثاني لما يعرف اليوم بالأغنية اللبنانية، فكتبا ألحاناً يمكن تسميتها بـ«السهل الممتنع».
كما يخصّص دكتور جمال أبو الحسن مقدمة موسيقية لجبران خليل جبران على وقع كلمات شعره «لكم لبنانكم ولي لبناني» و«ويل لأمّة تكثر فيها المذاهب والطّوائف وتخلو من الدين، ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر». يُتابع أبو الحسن قائلاً: «أحاول في الموسيقى عامة وفي هذا الحفل خاصة تقديم معالجة فلسفية محورها مواضيع مختلفة أركز فيها على الإنسان والبيئة والتراث والحرية وغيرها». ورداً على سؤال عن طبيعة الناس التي تهتم بهذه الفنون اليوم يقول: «شباب اليوم يهتمون كثيراً بهذا النّوع من الموسيقى التي تساعدهم على اكتشاف أنفسهم وجذورهم. فهي تحاكي جميع أنماط الناس من دون أي تفرقة. كما أنّها عبارة عن (اختصار للزمن)، إن بمشهدياتها البصرية أو السمعية، فتسلط الضوء على لبنان الأخضر ولبنان الجمال والفن فيستمتع الحضور باسترجاع هذه الصورة الحقيقية عنه والراسخة في ذهنهم على الرّغم من كل شيء».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».