«البحر الميت»... طينه يحمل الشفاء وشاطئه يهدّئ الأعصاب

أخفض نقطة على الكرة الأرضية يجد فيها السائح كل وسائل الاستجمام والعلاج

«البحر الميت»... طينه يحمل الشفاء وشاطئه يهدّئ الأعصاب
TT

«البحر الميت»... طينه يحمل الشفاء وشاطئه يهدّئ الأعصاب

«البحر الميت»... طينه يحمل الشفاء وشاطئه يهدّئ الأعصاب

عمّان. مركز الأردن الرئيسي. شوارعها مزدحمة ومحالها مكتظة وسكانها يتضاعفون. رغم تميز العاصمة الأردنية، فإن الهدوء والسكينة ليسا من مواصفاتها. لذلك؛ يختار سكانها وزوارها الهرب من حيويتها أحياناً طلباً للاسترخاء. رحلة نصف ساعة بالسيارة ستقضي بالغرض. مسافة نحو 50 كيلومتراً تفصلهم عن واحة هادئة فريدة من نوعها... البحر الميت. هذا المعلم ليس غريباً على الناس، فكلما بحثوا عن صور للأردن ظهرت لهم لقطة شهيرة لرجل يطوف على سطح البحر ويطالع الجريدة من دون أي جهد وارتباك. البحر الميت أعجوبة طبيعية وجوهرة بصرية. مياهه وطينه يحملان الشفاء، وشاطئه يهدئ الأعصاب.
يعتبر البحر الميت أخفض بقعة على الأرض، 430 متراً تحت سطح البحر. وبين سلسلتين جبليتين عند وادي الأردن تشكل في قلبها البحر الميت الذي كان يمتد في الأصل على طول 360 كيلومتراً من العقبة (جنوب الأردن) إلى بحيرة طبريا (شمال). يعتبر هذا الوادي بأرضه الخصبة ومناخه الدافئ، والبحر الميت بمياهه العلاجية مركزاً جاذباً للسكان عبر التاريخ. شهد الوادي على مدار السنين الكثير من الحضارات التي تعود إلى عصور قديمة. تم الكشف في هذا المكان عن أكثر من 200 موقع إثري حتى اليوم.
رغم أنه يتغذى من مياه نهر الأردن العذبة، فإن البحر الميت، وهو بحيرة بالأصح، يتسم بمياه شديدة الملوحة؛ ما يمنع الحياة المائية فيه، ويتيح لمن يحاول السباحة فيه أن يطوف إلى سطحه من دون أي جهد. سُمي بالميت لتعذر وجود الكائنات الحية فيه، إلا أنه بحر حي وغني بالأملاح والمعادن التي تشكل ثروة بالإمكان استخدامها في مجالات صناعية وطبية عدة.
لهذا؛ ليس غريباً أن يُعتبر المنتجع قبلة الباحثين عن الهدوء والجمال والعلاج منذ فجر التاريخ. فقد زارته شخصيات تاريخية شهيرة كهيرودس العظيم وكيلوباترا، وهلم جراً من السلاطين والحكام والملوك.
- متحف وإطلالة
افتتح متحف البحر الميت عام 2006 ليكون متحفاً تاريخياً طبيعياً يسلط الضوء على قصة البحر الميت منذ ولادته، بما فيها مخاطر الجفاف. يتربع المشروع على أرض واسعة تُطل من أعلى تلة، على البحر الميت. وقد سميت هذه الإطلالة «بانوراما»؛ لما توفره من منظر رائع من كل الاتجاهات. ويتوفر المتحف على خريطة تكشف مسافات واتجاهات المدن الأردنية والفلسطينية المجاورة كالعقبة، والبتراء، وجرش، والكركـ وبيت لحم، والخليل والقدس.
أما المتحف نفسه، فبني على الطراز المعماري العربي الأصيل، ويشمل أربعة أقسام، الأول يوضح نشأة وجيولوجيا البحر وما نتج من حركة الصفائح الأرضية، إلى جانب عرض معادن وصخور موجودة في المنطقة المحيطة. الثاني يعرض خصائص النظام البيئي للمنطقة بما فيها النباتات التي تعيش في محيطها. أما الثالث فيكشف علاقة الإنسان بالمنطقة منذ الأزل إلى جانب عرض منتجات البحر الميت وفوائدها. القسم الرابع والأخير، يعكس حال البحر الميت اليوم في ظل ظواهر تهدده ومقترحات للحفاظ عليه من الجفاف والزوال.
المشروع مزود أيضاً بمسرح خارجي صغير محاط بحديقة نخيل وزهور تتلاءم مع طبيعة المنطقة. كما يضم مطعماً لبنانياً يطل على البحر.
- مشاهير ومؤتمرات عالمية
البحر الميت وجهة تجذب مشاهير العرب والعالم. يرونها بقعة للانعزال عن العالم لبضعة أيام والاسترخاء لهدوئها وجمالها. منهم على سبيل المثال المغنية الصغيرة حلا الترك التي شاركت متابعيها على «سنابشات» تفاصيل إقامتها هناك، والمغنية الأميركية الشهيرة بولا عبدول التي تناقلت وسائل الإعلام تفاصيل إجازتها أيضاً. كما تحولت الوجهة إلى موقع مثالي لإقامة حفلات الخطبة والزواج على شاطئ البحر في الفنادق الفاخرة.
وبعيداً عن الحفلات الغنائية وزيارات مشاهير عالم الفن والغناء والسينما، يستقطب البحر الميت نوعاً آخر من المؤثرين والمشاهير؛ أعلام عالم السياسة والاقتصاد وصناع القرار عربياً وعالمياً. السبب وراء ذلك يعود إلى افتتاح مركز الملك الحسين بن طلال الراحل للمؤتمرات عام 2005. المركز يقع على الضفة الشرقية من البحر الميت، ويتميز بطرازه المعماري الفريد الذي يمزج بين فن العمارة الإسلامية وطراز البناء الحديث، كما تحاكي حجارته وجدرانه، بتركيبتها وألوانها، البيئة الأردنية المحيطة.
- أماكن مجاورة
منطقة البحر الميت محاطة بمواقع مميزة بطبيعتها وآثارها. رحلة قصيرة لا تتعدى الساعة من هناك ستصحبك إلى معالم يجب على كل زائر للأردن استكشافها.
- حمامات ماعين
تقع على مسافة عشرين كيلومتراً من منتجعات البحر الميت. سميت بهذا الاسم لكثرة ينابيع المياه فيها. فعددها يزيد على ستين من جبال ماعين باتجاه البحر الميت، ثم تتجمع في شلالات من أعلى قمم الجبال. إلى جانب المنظر الطبيعي الخلاب، تحتوي مياه الينابيع على عناصر معدنية مثل الكالسيوم والصوديوم؛ ما يجعلها مقصداً للسياحة العلاجية والاستجمامية. تتميز مياه الينابيع المعدنية بحرارتها أيضاً، وتعتبر هاتان الخاصيتان مثاليتين لمن يعانون أمراضاً مزمنة، مثل الروماتيزم وآلام المفاصل، ودوالي القدمين، وآلام العضلات والظهر. كما تساعد في تنشيط الدورة الدموية والشفاء من الأمراض والطفح الجلدي وتهدئة الأعصاب. استنشاق الأبخرة المتصاعدة من الينابيع الحارة يساعد أيضاً على تخفيف احتقان الجيوب الأنفية، والتخلص من الأمراض الصدرية. المنطقة توفر دخولاً لاستمتاع بالينابيع العامة، لكن منتجع «الينابيع الساخنة» الذي يقع مباشرة تحت شلال المياه الحارة يوفر تجربة متكاملة وإقامة فاخرة للنزلاء. يضم المنتج المصمم على طراز الواحة مسبحاً خارجياً، ومنتجعاً صحياً إلى جانب مطعم عصري وآخر تقليدي يقدم وجبة «الزرب» الأردنية التقليدية في خيمة بدوية. كما يوفر خدمات نقل يومية إلى البحر الميت.
- محمية الموجب
رحلة بالسيارة لا تتعدى عشرين دقيقة تصحب زائر البحر الميت إلى محمية الموجب. سميت بهذا الاسم بسبب مرور وادي الموجب الشهير في الجزء الجنوبي منها. تبلغ مساحتها نحو 212 كيلومتراً مربعاً، وتمتد نحو 24 كيلومتراً على شاطئ البحر الميت. جريان المياه بشكل موسمي ودائم في الكثير من الأودية، يدعم نمو النباتات المائية كالأوركيدا في النهر، كما تعطي هذه الأودية المناطق الجافة إمكانية دعم التنوع الرائع من الحياة البرية، فضلاً عن أنها واحدة من المصادر الرئيسية التي تعوّض نسبة التبخر العالية من البحر الميت. فالدراسات تشير إلى أن المحمية تحتوي على أكثر من 550 نوعاً من النباتات، و8 أنواع من الحيوانات آكلة اللحوم، وأنواع كثيرة من الطيور المقيمة والمهاجرة، وفق تقرير للجمعية الملكية الأردنية لحماية الطبيعة. كما أن غنى التنوع الحيوي النباتي مرتبط بهذه الأودية، حيث توجد أشجار النخيل، بالإضافة إلى التين البري، وأشجار أثل، وشجيرات الدفلي، والنباتات الجميلة، والنبت المائي على طول ضفاف الأودية. هذا، وتضم المحمية مواقع أثرية ترجع إلى العصور القديمة سواء الرومانية أو الإسلامية. هنا يمكن للسياح القيام بمغامرات وأنشطة عدة، مثل السباحة والتسلق وعبور وادي الموجب بمساراته الضيقة وغيرها.
المغطس
مسافة ٢٠ كيلومتراً تفصل منتجعات البحر الميت عن المغطس الواقع في منطقة وادي الخرار التي سميت قديماً ببيت عنيا، وتبعد مئات الأمتار شرق نهر الأردن على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة. ونظراً لرمزيته الدينية زاره بابا الفاتيكان بنيدكت السادس عشر خلال زيارته إلى الأراضي المقدسة عام 2009، وقد كشفت الحفريات في المنطقة آثار كنيسة بيزنطية كانت قد بنيت في عهد الإمبراطور آناستاسيوس، كما يوجد في المكان آبار عدة للماء، وبرك يعتقد أن المسيحيين الأوائل استخدموها في طقوس جماعية للعماد. وقد قامت دائرة الآثار العامة بترميم الموقع الذي زاره البابا يوحنا بولس الثاني وأعلنه مكاناً للحج المسيحي في العالم مع أربعة مواقع أخرى في الأردن، هي: قلعة مكاور، جبل نيبو، مزار سيدة الجبل في عنجرة، مزار النبي إيليا في منطقة خربة الوهادنة. وقد جرى اكتشاف دير بيزنطي في موقع تل الخرار، المشار إليه باسم «بيت عنيا عبر الأردن»، ويوجد هذا الموقع على بعد نحو كيلومترين شرقي نهر الأردن في بداية وادي الخرار. وهناك ينابيع طبيعية عدة تشكل بركاً يبدأ منها تدفق الماء إلى وادي الخرار، وتصب في النهاية في نهر الأردن. وكذلك، توجد واحة رعوية تقع في بداية وادي الخرار، أو كما تسمى «تلة إيليا» أو «تلة مار إلياس». كما جرى العثور على مواد أخرى، مثل الخزف، والعملات المعدنية، وبلاط الرخام المستعمل في تبليط الأرضية، وكل هذه تدل على أن الموقع يعود إلى الفترة البيزنطية المتأخرة ما بين القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد.
- تشكيلة فنادق تناسب الجميع
لا تكتمل تجربة الاستمتاع بالبحر الميت ومحيطه من دون قضاء ليلة واحدة على الأقل في أحد الفنادق المطلة على شاطئه، حيث حرص الأردن في السنوات الأخيرة على استقطاب استثمارات لزيادة أعداد الفنادق في البحر الميت لتلائم جميع من يرتاده.
- كمبنسكي عشتار
يقدم 9 مسابح مياه حلوة في الهواء الطلق محاطة بالأشجار ومطلة على البحر الميت. للفندق شاطئه الخاص ومزود بمنتجع علاجي «سبا» يوفر للنزلاء جلسات التدليك والحمام التقليدي. كما يقدم مركزه الرياضي مدربين شخصيين عند الطلب إلى جانب دروس اليوغا والاسترخاء. طابع الفندق رومانسي وهادئ؛ لذا يفضله عادة الأزواج.
- ماريوت وادي الأردن
يقع قبالة الجبال الوعرة، ويمتاز بضمه مسابح مياه حلوة ومالحة وأحواض الجاكوزي. غرفه تصميمها عصري وهادئ، ويطل بعضها مباشرة على البحر. يوفر الفندق المزود بمنتجع صحي علاجات عدة لتجديد الجلد بأملاح وطين البحر الميت. ويمتاز بمطاعمه المتنوعة إلى جانب مقهى يطل على البحر يقدم المشروبات والشيشة حتى ساعة متأخرة؛ ما يجعله مناسباً لمحبي السمر.
- موفنبيك البحر الميت
يتميز بطابعه المعماري العربي وبديكوره التراثي. يوفر الفندق مدخلاً خاصاً إلى الشاطئ ويضم مسابح عدة، منها مسبح لا متناهٍ (إنفينيتي) وآخر شتوي مدفأ. كما يضم نادياً خاصاً بالأطفال. الغرف متناثرة على طابع معمار بيوت الصخر العربية، بعضها يطل على نافورات وحدائق والآخر يطل على المسابح أو على البحر. من أهم مرافقه منتجع صحي يشتمل على غرف بخار وخدمات المساج، وحمامات بالعطور الاستوائية. الفندق مناسب للعائلات.
- هيلتون البحر الميت
يقع على مقربة من المغطس المعمداني، وأكثر ما يميزه شاطئه الخاص الذي يمتد (اصطناعياً) عبر عشرات الأمتار من الشط الأصلي. يضم أيضاً منتجعاً صحياً وسبعة مطاعم من مختلف مطابخ العالم. الفندق مناسب لمحبي الجلوس عند الشاطئ، ولمن يحبون تنويع وجباتهم وتذوق نكهات من مختلف بقاع الأرض.
- فندق البحيرة
المنتجع يقع في الرامة، مسافة 15 دقيقة من البحر الميت. يوفر مرافق رياضية مائية إلى جانب ملاعب خاصة للأطفال، ومنتجع صحي للنساء فقط. الفندق محافظ ومناسب جداً للعائلات المحافظة والنساء المحجبات؛ إذ يوفر لهن حمامات سباحة وأقسامأً خاصة بهن.
- مطاعم على الشاطئ
توفر الفنادق المتعددة في منطقة البحر الميت اختيارات لا تحصى من المطاعم والأطباق المتنوعة، وتفتح أبوابها لغير النزلاء لتناول الوجبات، لمن يحب الخروج من الفندق واستكشاف المطاعم المجاورة. من أجملها، مطعم برج الحمام اللبناني المطل على البحر في فندق الكراون بلازا. ولمحبي الأكلات السريعة اختيارات عدة من فروع سلاسل أردنية مثل «تشيلي وايز»، و«بوفالو وينغز آند رينغز». ولمن يبحث عن جلسة أكثر فخامة لتناول وجبة عشاء مطولة، فعليه زيارة «سمارة مول». وتتوفر اختيارات متعددة من المطاعم منها مطعم «دابلينرز» الآيرلندي و«روفرز ريترن» الإنجليزي، ومطعم المحيط المختص بالأسماك الطازجة، ومطعم زيتونة ومقهى «باستيش» لمحبي الشيشة.


مقالات ذات صلة

العلا... أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025

سفر وسياحة صخرة الفيل الشهيرة في مدينة العلا (الشرق الأوسط)

العلا... أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025

حصدت العلا لقب «أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025» ضمن جوائز السفر العالمية لهذا العام، في إنجاز يعزّز مكانتها كوجهة عالمية للثقافة والتراث.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق إرث إنساني فريد وطبيعة استثنائية يعزّزان مكانة العُلا على خريطة السفر العالمية (واس)

العُلا تحصد لقب أفضل مشروع للسياحة الثقافية عالمياً لعام 2025

حصدت محافظة العُلا جائزة «أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025» ضمن جوائز السفر العالمية، في إنجاز يعزّز حضورها وجهةً دوليةً للثقافة والتراث.

«الشرق الأوسط» (العلا)
سفر وسياحة مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

مكان يجمع بين البحر الصافي وجمال الطبيعة ودفء الشمس والشعور براحة البال، هناك في طابا، أقصى الشرق من شبه جزيرة سيناء.

محمد عجم (القاهرة)
سفر وسياحة الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)

كيف يكون الفندق «بيئياً» حقاً؟

افتُتح فندق «ديسا بوتاتو هيد بالي» عام 2010، وتم تطويره في 2016 ليجسد رؤية جديدة لمؤسسه رونالد أكيلي حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الفندق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)

سافوي في فلورنسا وعلامة «باينيدر» يحتفلان بمتعة الكتابة وتعليم الخط

تعاون فندق «سافوي»، في فلورنسا، مع علامة القرطاسية التاريخية «باينيدر» للاحتفال بموسم الأعياد القادمة عبر فعالية «Wrapped in Time» أو «مغلف بالزمن»

«الشرق الأوسط» (لندن )

العلا... أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025

صخرة الفيل الشهيرة في مدينة العلا (الشرق الأوسط)
صخرة الفيل الشهيرة في مدينة العلا (الشرق الأوسط)
TT

العلا... أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025

صخرة الفيل الشهيرة في مدينة العلا (الشرق الأوسط)
صخرة الفيل الشهيرة في مدينة العلا (الشرق الأوسط)

حصدت العلا لقب «أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025» ضمن جوائز السفر العالمية لهذا العام، في إنجاز يعزّز مكانتها كوجهة عالمية للثقافة والتراث والاستكشاف، ويؤكد ريادتها المتنامية في تقديم تجارب ثقافية متكاملة تستند إلى إرثها الفريد وطبيعتها الاستثنائية.

صخرة الفيل الشهيرة في مدينة العلا (الشرق الأوسط)

ويُعد هذا التكريم من أرفع جوائز الحفل السنوي والأعلى تقديراً في قطاع السفر عالمياً؛ إذ نالت العلا هذا اللقب المرموق بعد حصولها على أعلى عدد من الأصوات من نخبة من الخبراء الدوليين وكبار التنفيذيين وأبرز منظمي الرحلات ووكلاء السفر المعتمدين.

أُطلقت جوائز السفر العالمية عام 1993 للاحتفاء بالتميّز في قطاعات السفر والسياحة والضيافة، وقد أصبحت اليوم معياراً عالمياً يُمثّل أفضل مناحي الإنجاز في هذه القطاعات. وتشمل الجوائز عدداً كبيراً من الفئات شديدة التنافسية، تمتد من أفضل الفنادق وشركات الطيران إلى أبرز تجارب السفر والضيافة وغيرها.

هجرة في العلا (الشرق الأوسط)

ويأتي هذا التكريم العالمي ليضاف إلى سلسلة إنجازات حققتها العلا مؤخراً، بعد نيلها ثلاث جوائز إقليمية ضمن النسخة الشرق أوسطية من جوائز السفر العالمية 2025، وهي: «أفضل مشروع للسياحة الثقافية في الشرق الأوسط لعام 2025»، و«أفضل وجهة للفعاليات والمهرجانات في الشرق الأوسط لعام 2025»، و«أفضل مشروع سياحي ثقافي رائد في السعودية لعام 2025».

تتفرّد العلا بكونها نقطة التقاء بين جمال الصحاري الشاسعة وعمق الإرث الإنساني العريق، فهي تحتضن بعضاً من أهم المعالم الثقافية في المنطقة والعالم. وفي مقدمتها الحِجر، أول موقع سعودي يُدرج على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، ويضم مجموعة استثنائية من المدافن النبطية المحفوظة بدقة لافتة تكشف روعة حضارة ازدهرت منذ قرون.

تجربة تأمّل النجوم في الغراميل (الشرق الأوسط)

وتتميّز العُلا بتاريخٍ يمتدّ لأكثر من 200 ألف عام من الوجود البشري، و7 آلاف عام من الحضارات المتعاقبة، تُروى فصولها اليوم من خلال جهود الهيئة الملكية لمحافظة العلا لتوفير تجارب غامرة تُعيد إحياء التاريخ، وتقديمه برؤية معاصرة تمزج الماضي بالحاضر. وتستكمل العُلا هذه اللوحة التاريخية بجمالها الطبيعي الآسر، ودفء ضيافتها، وبرامجها المتنوّعة من الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية ضمن تقويم فعاليات «لحظات العُلا» الممتدة على مدار العام.

معلومات عن العلا

محمية شرعان الطبيعية (الشرق الأوسط)

تقع العلا شمال غربي المملكة العربية السعودية، على بُعد نحو 1,100 كيلومتر من العاصمة الرياض، وتُعد واحدة من أبرز مواقع التراث الطبيعي والإنساني في العالم. تمتد العلا على مساحة شاسعة تبلغ 22,561 كيلومتراً مربعاً، وتضم واحة غنّاء وسلاسل جبلية من الحجر الرملي ومواقع أثرية تعود لآلاف السنين إلى فترة ممالك لحيان والأنباط.

تُعد الحِجر أشهر مواقع العلا. تبلغ مساحتها 52 هكتاراً، وكانت المدينة الجنوبية الرئيسية لمملكة الأنباط، وتضم أكثر من 140 مدفناً منحوتاً في واجهات صخرية بزخارف معمارية مبهرة.

وتُشير الأبحاث الحديثة إلى أن الحِجر كانت أبعد نقطة جنوبية للإمبراطورية الرومانية، بعد أن ضمّ الرومان مملكة الأنباط عام 106 ميلادية.

وتضم العلا أيضاً مدينة دادان القديمة، عاصمة مملكتي دادان ولحيان، التي تُعد من أكثر مدن الجزيرة العربية تطوراً خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، إلى جانب جبل عكمة، الذي يُعد مكتبة مفتوحة في الهواء الطلق تحتوي على مئات النقوش والكتابات بعدة لغات، وقد أُدرج مؤخراً في سجل ذاكرة العالم التابع لليونيسكو. كما تحتضن العلا البلدة القديمة، وهي متاهة تضم أكثر من 900 منزل طيني تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وقد اختارتها منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة كأحد أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2022.


طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)
مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)
TT

طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)
مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

مكان يجمع بين البحر الصافي وجمال الطبيعة ودفء الشمس والشعور براحة البال، هناك في طابا، أقصى الشرق من شبه جزيرة سيناء، حيث تختبئ المدينة المصرية كواحدة من أكثر الوجهات السياحية سحراً وهدوءاً.

تلك البقعة الساحلية التي تقدم لزوارها تجربة فريدة تجمع بين جمال الطبيعة البكر وهدوء العزلة، ما يجعلها وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن الاسترخاء، حيث تُعرف طابا بكونها المكان الأمثل لمن يبحث عن الانعزال عن صخب الحياة اليومية وقضاء عطلة مميزة وسط الطبيعة الخلابة، كما أن تميز المدينة بأجوائها الدافئة والمشمسة، يجعلها القرار الأمثل لقضاء وقت هادئ وممتع خلال أشهر الشتاء.

تتميز أعماق المياه في طابا بكثافة الشعاب المرجانية والأسماك الملونة (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

تقع طابا على رأس خليج العقبة على شواطئ البحر الأحمر، وتمتاز بأنها من أصغر المدن السياحية المصرية، إذ لا تتعدى مساحتها 508.8 أفدنة، ورغم صغرها، فإنها وجهة تقدم مشهداً بانورامياً يسيطر عليه التناغم بين زرقة مياه البحر الزاهية الممتدة أمام الأعين، والهدوء الذي تفرضه جبال جنوب سيناء.

زيارة قلعة "صلاح الدين" تتيح التعمق في التاريخ (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

ماذا تزور في طابا؟

إذا كانت وجهتك هي طابا، فإن جدول رحلتك سيكون مميزاً، فقط عليك اصطحاب كتابك المفضل ونظارتك الشمسية، وترك نفسك للطبيعة البكر.

تظل التجربة تحت الماء هي العنوان الأبرز في طابا، إذ يزخر خليج العقبة بالشعاب المرجانية والحياة البحرية المتنوعة، مما يجعلها وجهةً مثاليةً للغوص والغطس، تنتقل معهما إلى عالم آخر من الألوان والجمال الفطري.

ويُعد خليج «فيورد باي» (جنوب المدينة) قبلة عالمية لهواة الغوص، يضم هذا الخليج الطبيعي حفرة غطس فريدة، تتميز بكثافة الشعاب المرجانية والأسماك الملونة، مما يجعل الخليج قبلة للغواصين المحترفين، كما الخليج له قيمة استراتيجية وتاريخية نادرة، حيث يتيح للزوار فرصة فريدة لمشاهدة حدود أربع دول هي مصر، السعودية، الأردن، وفلسطين من موقعه المتميز.

جزيرة فرعون تسمح لزائرها بممارسة اليوغا أمام مشهد خلاب وسط الطبيعة (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

لعشاق التاريخ والهدوء، فيمكن لهم زيارة «جزيرة فرعون» قبالة شاطئ المدينة الجنوبي، على بعد 8 كيلومترات منه، ويمكن الوصول إلى هذه الجزيرة الساحرة عبر رحلة بحرية بمركب أو لانش يخترق مياه الخليج الهادئة، حيث يمكن قضاء اليوم في الاسترخاء أو الغطس، والتمتع بمنظر غروب الشمس الذي لا مثيل له.

تحتضن الجزيرة معلماً تاريخياً هو حصن أو «قلعة صلاح الدين»، التي بنيت عام 1171 ميلادية من الحجر الناري الجرانيتي، لحماية مصر من خطر الحملات الصليبية، والتي تم ترميمها مؤخراً، ليُكمل المشهد السياحي الذي تقدمه المدينة ما بين استرخاء في الطبيعة وتعمق في التاريخ، فما يميز زيارة الجزيرة هو جمعها بين عظمة القلعة التاريخية وإمكانية ممارسة رياضات الاستجمام، مثل اليوغا، أمام هذا المنظر الساحر، الذي يمنح الزائر صفاءً ذهنياً وعلاجاً للروح.

لا تكتمل مغامرة طابا دون زيارة «الوادي الملون»، إحدى العجائب الطبيعية في جنوب سيناء، إذ يوفر هذا الوادي متاهة من الصخور الرملية المنحوتة بفعل الطبيعة، واكتسب الوادي الملون اسمه بفضل ظلال الألوان التي تكسو جدرانه بفعل الأملاح المعدنية، والتي تتدرج ألوانها بين الأصفر الدافئ والأحمر القاني والذهبي اللامع، وهو مكان مثالي لرحلات السفاري والمشي، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجمال الطبيعة الصارخ في حضور عظمة الجيولوجيا.

جمال الطبيعة وعظمة الجيولوجيا يجتمعان في "الوادي الملون" بطابا (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

كذلك، تمنح طابا فرصة لا تُنسى لمحبي المغامرة، فموقعها المميز يجعلها نقطة انطلاق مثالية لرحلات استكشاف الطبيعة البرية والجبلية، إذ يمكن للسائح أن يعيش تجربة استثنائية من المغامرات الصحراوية، أو استكشاف سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية. وبعد أن يقضي الزائر لطابا نهاره أمام البحر والغوص، أو التمتع بجمال الطبيعة، يحل خلال الليل موعد السهرات البدوية، على الرمال وأسفل النجوم ووسط الجو الدافئ. فمع حلول المساء، تدعو طابا زوارها إلى الاستمتاع بسهرات بدوية، تزينها المشاوي والمشروبات، ويتخللها الغناء والاستعراض، ما يعرف الزائر بالتراث التقليدي للبدو المقيميين.

خليج "فيورد باي" في طابا قبلة عالمية لهواة الغوص (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

محمية طابا

لا تقتصر متعة طابا على شواطئها فحسب، إذ تُعد طابا أيضاً محمية طبيعية منذ عام 1998، وبفضل مساحتها التي تغطي حوالي 2800 كيلومتر مربع، تتربع المحمية على الساحل الشمالي الشرقي لخليج العقبة، لتقدم للزائر تجربة فريدة تتجاوز مجرد الاستمتاع بالشاطئ، ما يجعل المحمية من أكثر الأماكن المفضلة لدى السياح بالمدينة.

تتميز محمية طابا بكونها محمية ذات إرث طبيعي ومنطقة لإدارة الموارد الطبيعية، وتشتهر بتكويناتها الجيولوجية الفريدة التي يعود تاريخها إلى 5000 عام، وهي ليست مجرد أرض، بل متحف طبيعي مفتوح يضم مناظر طبيعية خلابة مثل الواحات والأخدود الملون وعيون المياه المنتشرة داخلها، حيث تحتوي على كهوف وممرات جبلية، ووديان أشهرها وادي وتير والزلجة والصوانة نخيل وواحة عين خضرة، بالإضافة إلى أنواع نادرة من الحيوانات و50 نوعاً من الطيور وأكثر من 450 نبات نادر.

الإقامة في طابا

تشتهر مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة، التي تمنح المقيمين فيها تجربة إقامة استثنائية، خصوصاً أن هذه المنتجعات تحتمي بالجبال الشاهقة من حولها، مما يوفر خصوصية للزائرين، مع إطلالات بانورامية خلابة وأجواء هادئة ومريحة. وتوفر هذه المنتجعات مجموعة متميزة من الخدمات، أبرزها حمامات السباحة المتنوعة، بالإضافة إلى بعضها يضم بحيرات الملح العلاجية، التي تضمن تجربة استجمام فريدة.


كيف يكون الفندق «بيئياً» حقاً؟

الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)
الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)
TT

كيف يكون الفندق «بيئياً» حقاً؟

الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)
الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)

افتُتح فندق «ديسا بوتاتو هيد بالي» عام 2010، وتم تطويره في 2016 ليجسد رؤية جديدة لمؤسسه رونالد أكيلي حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الفندق. إنه ليس مشروعاً تجارياً مستداماً فحسب، بل يقوم على التجديد، ويحدث أثراً إيجابياً بشكل فعّال. أمام ذلك الفندق هدف طموح، يتمثل في أن يصبح خالياً من الفضلات والمخلفات تماماً، وقد اقترب كثيراً من تحقيق هذا الهدف. يقول أكيلي: «لم نصل إلى نقطة عدم وجود مخلفات، وصدقاً ربما لا نصل أبداً. مع ذلك لقد حققنا تقدماً كبيراً، حيث تحول 99.5 في المائة من مخلفاتنا بعيداً عن مكبّ النفايات». ويأتي هذا الرقم مع وجود أكثر من ألف نزيل يومياً في القرية.

مشروع "سويت بوتيتو" (الشرق الاوسط)

يجب أن تمثل الفضلات والمخلفات دائرة مكتملة. عندما تسمع عبارة «فندق بيئي»، من المرجح أن يكون مصطلح البصمة البيئية هو أول ما يخطر ببالك، والتدوير هو الوقود الذي يشغل محرك فندق «بوتاتو هيد». لقد حظرنا استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في المكان منذ 2017، ويُمنح كل شيء ضروري فرصة حياة ثانية داخل «معمل المخلفات»، حيث يُعاد إنتاج كل شيء، بدءاً بقواعد الأكواب، وصولاً إلى زجاجات المياه وقطع الأثاث، بل بُنيت بعض مباني الفندق من قوالب الطوب المهملة المستبعدة والمواد البلاستيكية.

الرياضة واليوغا من النشاطات المرغوبة في السفر (الشرق الاوسط)

ويعمل طاهٍ يكرّس جهده للوصول إلى مستوى الخلو من الفضلات تماماً في كل المطاعم لضمان الإبداع والفاعلية. ويشارك فريق العمل بانتظام في دورات تعليمية خاصة بالطهي من دون مخلفات. كذلك يُهدى كل نزيل عند وصوله مجموعة أدوات خاصة بتحقيق هذا الهدف، ويُدعى إلى المشاركة في جولة «متابعة الفضلات» لرؤية عملية التدوير على أرض الواقع.

المشروع الأكثر تأثيراً للفندق هو «مشروع المخلفات المجتمعي»، وهو مركز لتجميع المخلفات والنفايات افتُتح عام 2024 بالتعاون مع جهات تجارية محلية أخرى. ولإدراكنا أن الفصل السليم أمر ضروري، شارك فندق «بوتاتو هيد» خبرته مع الجهات الشريكة لضمان نجاح العمل. ويقول أكيلي: «أكبر إنجاز نفتخر به ليس الحدّ من المخلفات داخل الفندق، بل مشاركة ما تعلمناه خارج جدرانه». وتتم معالجة ما يصل إلى نحو 5 أطنان من المخلفات والنفايات يومياً، وقد وسّع ذلك نطاق تأثير الفندق، وأسّس لمستقبل أكثر نظافة للسكان المحليين، ووفّر وظائف جديدة في إطار هذا العمل. ويُعاد استثمار كل الأرباح، التي تدرّها عملية بيع المنتجات، التي خضعت لعملية إعادة التدوير، في المجتمع. وأوضح قائلاً: «الفكرة هي أن يستمر تحسين وتطوير النموذج بما يساعد الجزيرة، لا نحن فقط، في الاقتراب من تحقيق هدف عدم تشكل أي مخلفات».

الاستدامة مطلوبة في السفر العصري (الشرق الاوسط)

المجتمع مهم

أصبح الإخلاص لمناصرة المجتمع المحلي ضرورياً لتحقيق الاستدامة الشاملة حين يتعلق الأمر بالفنادق. كثيراً ما يتم إغفال وتجاهل الجانب الاجتماعي للاستدامة، لكن مجال الضيافة يتمحور حول الناس، ولا يمكن لفندق أن يصبح موجوداً بشكل مستدام دون أن يضع في الاعتبار كيفية تأثيره على النزلاء والعاملين والسكان المحليين. ويقول أكيلي: «المجتمع يمنح الفندق روحه، ومن دون ذلك سيصبح مجرد مبنى آخر. نحن نرى أنفسنا جزءاً من النظام البيئي، لا جزءاً منفصلاً عنه. ونتعاون مع المبادرات المحلية ونفتح أبوابنا للمشروعات المجتمعية، سواء أكانت برامج توعية بالمخلفات والنفايات أم ورش عمل ثقافية وأماكن إقامة إبداعية. ليس هدفنا هو استضافة النزلاء فحسب، بل تقديم شيء ذي معنى إلى المكان الذي يضمّنا».

وقد وزّع مشروع «سويت بوتاتو»، الذي نفّذه الفندق، أكثر من 38 ألف وجبة على المحتاجين خلال عام 2024، وشارك العاملون في أعمال الزراعة والتوصيل التطوعي وتنظيف الشاطئ. وأوضح أكيلي قائلاً: «يحدث التغيير عندما يدرك الناس الأمور المهمة. لهذا السبب نبدأ بفريق العمل لدينا أولاً. عندما يعيشون ويتنفسون الغرض والغاية، ويشعرون باتصالهم به، يشاركونه بشكل عفوي وتلقائي مع نزلائنا ومجتمعنا». يمنح الفندق سلامة وسعادة فريق العمل به الأولوية. يقول أكيلي: «نريد ضمان تطور كل من يعمل معنا، ليس على المستوى المهني فقط، بل فيما يتعلق بجودة الحياة أيضاً، بما في ذلك الصحة والسعادة والاستقرار المالي».

المنتجات التي تستخدم في الفنادق تخضع لعنصر الاستدامة ايضا (الشرق الاوسط)

الإحساس بالمكان

يمكن أن يصبح تسليط الضوء على الموطن جزءاً قوياً ومؤثراً بوجه خاص من استراتيجية الاستدامة للفنادق، حيث يدعم الأنظمة الاقتصادية المحلية، مع تقديم مذاق فريد للثقافة والتراث إلى النزلاء. ويوضح أكيلي: «الموطن همزة وصل بين ما نفعله وبين المكان الذي نوجد فيه. منذ اللحظة التي يصل فيها النزلاء نريد أن يشعروا بروح بالي من خلال الطعام والناس والحكايات التي تجعل هذا المكان مميزاً. يتعلق الأمر بالاتصال بالوجهة، لا إعادة تكوين شيء يمكن أن يتوفر في أي مكان آخر في العالم».

إن فخر فندق «ديسا بوتاتو هيد» بهويته يتضح ويبرز منذ اللحظة التي يُقدّم فيها إلى النزيل مشروب الـ«جامو»، وهو مشروب عشبي إندونيسي تقليدي، عند تسجيل دخوله إلى الفندق، ويتجلى في كل قرار يتعلق بمشتريات الفندق. تعمل المطابخ عن كثب مع المزارعين المحليين، وتدعم التنوع البيولوجي بالمنطقة من خلال تقديم النباتات الأصيلة قدر الإمكان. ويساعد التعاون والعمل مع الحرفيين بالجزيرة في الحفاظ على المهارات التراثية. على سبيل المثال، بُنيت الأجنحة في الفندق باستخدام قوالب طوب المعبد المضغوطة يدوياً، وهي طريقة بناء تقليدية في بالي. ويقول أكيلي: «نحن لا نشتري المكونات أو المواد الأولية فقط، بل نصنع نظام تدوير يعود بالنفع على الآخر. بهذه الطريقة نكوّن حلقة إيجابية متجددة بدلاً من حلقة سلبية استبعادية».

جناح كاتامانا الذي يراعي الاستدامة (الشرق الاوسط)

يتعلق الأمر بتحقيق التقدم لا المثالية

أهم جزء من تعريف مشروع تجاري مسؤول هو التزامه بالتطوير والتحسين المستمر.

المثالية أمر لا يمكن الوصول إليه. الاستدامة هي ببساطة التقدم خطوة نحو الأمام في المرة الواحدة. ويعدّ التواصل الشفاف عنصراً أساسياً من هذا الأمر، حيث يساعد في توعية العملاء وتحفيز العاملين والحثّ على إحداث تغيير أكبر في مجال العمل. يقول أكيلي: «نحن لا نروي قصصاً للتسويق، بل نحثّهم على إلهام الآخرين ليكونوا جزءاً من هذه الحركة. تبني الشفافية والثقة، والثقة تصنع الفعل».

الإخلاص للرحلة هي أهم ما في الأمر، ولا يقتصر ذلك على المنتجعات الفاخرة أو الوجهات الفريدة. إن أي فندق مستعد دائماً لمواصلة التعلم واتخاذ خطوات ملموسة قابلة للقياس نحو مستقبل أكثر استدامة هو فندق بيئي. ويضيف أكيلي: «سوف نواصل تطوير كل جزء مما نفعله، بدءاً بالمشتريات، ووصولاً إلى تصميم المنتج والعمليات اليومية حتى نظل متجددين ومشاركين في التجديد قدر الإمكان. وسوف نواصل مشاركة ما نتعلمه، وندعو الآخرين إلى الانضمام إلينا في إحداث تغير من أجل التجديد. نحن نختار التقدم لا المثالية. لا يهم الحجم، لكن الأمر المهم حقاً هو بدء إحداث تغييرات».