{موديز}: قرار رفع سن التقاعد يعزز مناعة الميزانية الروسية

يستمر الجدل الحاد حول خطة الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة الروسية منتصف الشهر الجاري، وبرز تباين في ردود الفعل حيالها بين تقديرات إيجابية عبرت عنها مؤسسات دولية، وعدم تقبل لدى الرأي العام الروسي برز في استطلاع للرأي أظهرت نتائجه تراجع شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة ديمتري مدفيديف، بسبب تلك الإصلاحات، لا سيما القرار الذي تتضمنه حول رفع سن التقاعد في روسيا.
وكان رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف أعلن عن حزمة قرارات، تمثل مجتمعة خطة إصلاحات اقتصادية، وشملت زيادة ضريبة القيمة المضافة، ورفع سن التقاعد حتى 63 عاماً للنساء، و65 عاما للرجال. وقالت الحكومة إن الهدف من قرار رفع سن التقاعد هو تجاوز أزمة نقص الأيدي العاملة على المدى البعيد، الناجمة عن أزمة ديموغرافية تعاني منها روسيا، وتأمين موارد لتمويل العجز في صندوق التقاعد، بما يضمن حصول المتقاعدين على معاشات شهرية جيدة، وتخفيف العبء عن الميزانية. إلا أن كثيرين عبروا عن رفضهم لذلك القرار، واعترضت عليه النقابات العمالية وبعض أحزاب المعارضة.
ودخلت وكالة «موديز» الدولية للتصنيفات ساحة الجدل حول رفع سن التقاعد في روسيا، حين أشارت إلى جوانب إيجابية كثيرة ينطوي عليها ذلك القرار. وقالت وكالة «تاس» إن خبراء ومحللين اقتصاديين من «موديز» قاموا بتحليل ودراسة قرار رفع سن التقاعد، وخلصوا في دراستهم إلى أن تنفيذ الإصلاحات في المنظومة التقاعدية سيحمل معه الكثير من الإيجابيات للاقتصاد الروسي. وبصورة خاصة سيساهم هذا في التخفيف من حدة التأثير السلبي للوضع الديموغرافي على مهمة النمو الاقتصادي.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن أعداد المواطنين في سن العمل لا تتجاوز حاليا 82 مليون مواطن، وبعد 18 عاماً ستتراجع أعداد الرجال في سن ما بين 16 إلى 59 عاماً، والنساء في سن من 16 إلى 54 عاماً، حتى 79 مليون مواطن، أو 54.2 في المائة من إجمالي عدد السكان، وفق توقعات إيجابية وضعتها الهيئة الفيدرالية للإحصاء. وكانت الهيئة توقعت أن تتقلص أعداد القادرين على العمل نحو 3.2 مليون مواطن بحلول عام 2036. وبناء على تلك المعطيات ترى «موديز» أن رفع سن التقاعد سيحقق زيادة نحو 12 مليون مواطن إضافي قادرين على العمل، ليصبح إجمالي عددهم في العام ذاته نحو 92 مليون مواطن، ما يعني على المدى البعيد تجاوز أزمة نقص الأيدي العاملة، ورفع مستوى التأثير الإيجابي للإنتاج على النمو الاقتصادي.
ويرى الخبراء من «موديز» أن الميزانية ستكون المستفيد الأكبر من رفع سن التقاعد وزيادة أعداد المواطنين في سن العمل، وقالوا بهذا الصدد: «نتوقع أن تتراجع التحويلات المالية من الميزانية لصالح صندوق التقاعد (الذي يدفع المعاشات التقاعدية)، الأمر الذي من شأنه رفع مستوى استقرار منظومة الميزانية الحكومية وثباتها أمام الصدمات المحتملة».
ويشكل العجز في صندوق التقاعد إحدى أهم نقاط الضعف في مجمل منظومة الميزانية في روسيا، وتشير «موديز» إلى أن «الإنفاق على الضمان التقاعدي للمواطنين واحد من أكثر الفقرات إنفاقا في الميزانية». وكان صندوق التقاعد أشار في تقرير رسمي إلى أن التأمينات التي يتم تحصيلها من العمال في هذه المرحلة تؤمن 70 في المائة فقط من الموارد المالية للصندوق، التي يتم استخدامها لضمان تسديد المعاشات التقاعدية، بينما يتم تحصيل الجزء المتبقي بفضل تحويلات من الميزانية الفيدرالية.
وحولت الميزانية للصندوق 2.07 تريليون روبل (34.5 مليار دولار)، أو 2.25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتسديد تأمينات ومعاشات المتقاعدين عام 2017. وقالت وكالة «ريا نوفوستي» إن الميزانية ستوفر بعد قرار رفع سن التقاعد نحو 197 مليار روبل (3.3 مليار دولار) شهريا، أو 2.3 تريليون روبل (نحو 38 مليار دولار) سنوياً.
إلا أن الرأي العام الروسي لم يتقبل بعد قرار رفع سن التقاعد، وهو ما يشير إليه استطلاع للرأي أجراه «صندوق الرأي العام» الروسي، أظهرت نتائجه أن 26 في المائة من المواطنين وصفوا بطولة كأس العالم لكرة القدم بأنها الحدث الأهم، بينما وصف 25 في المائة قرار رفع سن التقاعد بأنه الحدث الأهم. وحسب «الصندوق» وكذلك وفق استطلاع آخر للرأي أجراه «مركز عموم روسيا للرأي العام» (فتسيوم)، فإن ذلك القرار أثر خلال أيام معدودة بشكل سلبي على شعبية الرئيس فلاديمير بوتين وشعبية رئيس الحكومة ديمتري مدفيديف.
وكشف استطلاع الرأي الذي جرى يوم 17 يونيو (حزيران) الجاري، أي بعد ثلاثة أيام فقط على الإعلان عن قرار رفع سن التقاعد، أنه «لو جرت الانتخابات الرئاسية اليوم»، فإن بوتين كان ليحصل على أصوات 54 في المائة فقط من المواطنين. ويُذكر أن الرئيس الروسي كان قد حصل في نتيجة الانتخابات في مارس (آذار) على 76.69 في المائة من الأصوات. أما الحكومة الروسية فقد تراجع مستوى تأييدها في أوساط المواطنين الروس من 47.1 في المائة في 10 يونيو، إلى 44.7 في المائة يوم 17 يونيو، على خلفية الإعلان عن الإصلاحات الاقتصادية.