الفتيات والمال والذبح... أسلحة «بوكو حرام» لتجنيد الشباب

من الأسئلة القديمة المتجدّدة عن أساليب استقطاب الجماعة مقاتليها

الفتيات والمال والذبح... أسلحة «بوكو حرام» لتجنيد الشباب
TT

الفتيات والمال والذبح... أسلحة «بوكو حرام» لتجنيد الشباب

الفتيات والمال والذبح... أسلحة «بوكو حرام» لتجنيد الشباب

شنت جماعة «بوكو حرام» خلال الأسبوعين الأخيرين ثلاث هجمات انتحارية متزامنة في مدينة ديفا، «عاصمة» جنوب النيجر، مخلّفة ستة قتلى وعشرات الجرحى. إلا أن هذه الهجمات التي استهدفت أحد المساجد، نُفِّذت من طرف فتاتين ورجل، في واحد من الأساليب التي برعت فيها هذه الجماعة المتطرفة منذ عدة سنوات؛ أي العمليات الانتحارية الدموية. ولكن هذه الهجمات، وإن كانت تعيد «بوكو حرام» إلى الواجهة بعد عدة أشهر من الركود، بفعل الضربات الموجعة التي تلقتها على يد الجيوش الحكومية، فإنها تعيد طرح أسئلة قديمة متجدّدة حول الأساليب التي تعتمدها «بوكو حرام» في تجنيد الانتحاريين والمقاتلين، وإقناعهم بالانخراط في صفوفها، والتي مكّنتها من «تجديد دمائها» في كل مرة تفقد مئات المقاتلين خلال غارات الجيوش على معسكراتها.

يؤكد الخبراء المهتمون بتطور جماعة «بوكو حرام» المتطرفة الناشطة في دول غرب أفريقيا، وتأقلمها مع الأوضاع المتغيّرة في محيط بحيرة تشاد، أن الأساليب التي تعتمدها الجماعة في تجنيد المقاتلين «أساليب غامضة وغير محددة»، بل إنها تتغير كثيراً وفق المعطيات الاجتماعية والثقافية والجغرافية للمناطق التي تتحرّك فيها، لا سيما، أن نسبة كبيرة من المقاتلين التابعين لها «غير مؤدلجين» ولا يؤمنون -بالضرورة- بالمبادئ التي تقاتل من أجلها.
وفي هذا السياق يقول جيل يابي، وهو باحث مستقل ومدير سابق لمشروع غرب أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: «من الصعب، بل من شبه المستحيل، إحصاء عدد المنخرطين في صفوف (بوكو حرام)، فعمليات الاستقطاب والجذب التي تقوم بها الجماعة مستمرة وبوتيرة ثابتة». ويضيف يابي في بحث حول الجماعة أن «هناك المئات، بل الآلاف من مقاتلي الحركة قُتلوا خلال السنوات الأخيرة في العمليات التي شنها الجيش (النيجيري) وقوات الأمن (في نيجيريا) ضد معسكراتها، ولكن الجماعة كانت تنجح دائماً في تجديد دمائها، وبالتالي، تجنيد عناصر جديدة، ما يجعل تحديد عدد مقاتليها مهمة صعبة».
ويتابع الباحث: «إن أساليب التجنيد -لدى (بوكو حرام)- غامضة جداً... ويجري استقطاب القادة من الطبقات الأكثر فقراً في البلاد، وبخاصة في صفوف الشباب الذين لم يرتادوا المدارس الحكومية، بل تخرّجوا في المدارس الدينية التقليدية المنتشرة في المنطقة، حيث تنعدم تقريباً السياسات التنموية الحكومية».

خطاب المظالم
لعل أكبر عملية تجنيد قامت بها جماعة «بوكو حرام» هي تلك التي سبقت حملها السلاح، أي خلال الفترة ما بين عام تأسيسها (2002) والعام الذي حملت فيه السلاح وبدأت حربها ضد الجيش النيجيري (وهو 2009)، وهو العام نفسه الذي قُتل فيه مؤسسها محمد يوسف وتولى القيادة من بعده أبو بكر شيكاو، أحد أكثر رموزها دموية وتطرفاً.
على امتداد سبع سنوات عُرفت «بوكو حرام» باسمها الأصلي «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، واشتهرت بخطب زعيمها الأول محمد يوسف في مساجد مدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو بأقصى شمال شرقي نيجيريا. وهي خطب تتحدث في معظمها عن «الظلم» الواقع على أهل الشمال المسلمين من طرف الحكومة «التي يتحكم بها أهل الجنوب المسيحيون» - على حد قوله. وكان الرجل، من ثم، ينطلق من المظالم الاجتماعية لإعطاء تفاسير دينية تبرر الجهاد والعنف ضد الدولة، وبالفعل، نجح في استقطاب كثيرين من الشباب المسلمين الذين يعانون من الفقر والجهل، ويتعرضون للظلم يومياً على يد عناصر الشرطة الفاسدين.

«إخوان» وإيران وأموال
مسيرة هذا الداعية مثيرة. إذ بدأ نشاطه في صفوف جماعة «الإخوان المسلمين» في نيجيريا منتصف ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يتحوّل مع مطلع التسعينات إلى جماعة شيعية ترتبط بنظام الملالي في العاصمة الإيرانية طهران، وتسعى لقيام «الثورة الإسلامية» في نيجيريا وعموم غرب أفريقيا. ثم، يؤسس مطلع الألفية جماعته الخاصة التي تحوّلت في ما بعد إلى «بوكو حرام» (وتعني تحريم التعليم الغربي).
ومع أن الحركة استندت في البداية إلى خطاب ديني عاطفي، يستغل المظالم الاجتماعية لاستقطاب الشباب الغاضبين، فإنها لم تكتفِ بذلك، بل أخذت تدفع بسخاء للشباب المنخرطين في صفوفها، فشكّلت بذلك أكبر موظِّف في شمال نيجيريا، في حين كانت الدولة عاجزة عن توفير فرص عمل وحياة كريمة لعشرات آلاف الشباب العاطلين عن العمل، والمُحبَطين، والساخطين على إهمال الحكومة وفسادها.
وعندما كانت «بوكو حرام» تدفع الأموال الطائلة من أجل استقطاب مقاتلين جُدد، خلال السنوات الأولى من حربها ضد الحكومة المركزية في نيجيريا، بدأت الأسئلة تثار حول مصادر تمويلها «الغامضة». وكان بعض التقارير السرّية يشير إلى أن الجماعة المتطرفة تستغل الصراعات السياسية المحلية للحصول على أموال الساسة الفاسدين، وأولئك الطامحين إلى تحقيق مكاسب سياسية، أو الراغبين في ضرب خصومهم في مناطق نفوذ الجماعة.
ويشير عدد من المحللين إلى أن «بوكو حرام» استُخدمت في المعارك السياسية في ولاية بورنو، وكان حاكم بورنو في الفترة الممتدة من عام 2003 حتى عام 2011 أحد أبرز الأسماء التي تُقدَّم على أنها من مموّلي الجماعة المتطرفة. ولكن في المقابل هنالك من يتحدث عن استفادة الجماعة المتطرفة من أموال طائلة يدفعها كبار التجار ورجال الأعمال الساعين وراء النفوذ والسلطة في شمال نيجيريا، كما أن «بوكو حرام» قامت بعمليات سطو على البنوك مكّنتها من الحصول على عشرات ملايين الدولارات، وفق بعض التقديرات.

المال مقابل التوعية
وفي تقرير صدر أخيراً عن مكتب دراسات ألماني متخصص في نشاطات الجماعات المتطرفة عبر العالم، حاول المكتب أن يفسر السر وراء إقبال الشباب في محيط بحيرة تشاد على الانخراط في صفوف «بوكو حرام» على الرغم من الحرب الشرسة التي تخوضها جيوش دول المنطقة ضدها، ولقد توصل التقرير في خلاصته إلى أن معظم الشباب في هذه المنطقة يعتقدون أن «بوكو حرام» قادرة على أن توفر لهم وظائف بمقابل مادي محترم، بعكس وضع الحكومة. بيد أن التقرير الألماني أكد أن على الحكومات في البلدان المتضررة من هذه الجماعة -وهي نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون- أن تعمل على رفع مستوى توعية السكان المحليين المستهدفين من طرف الحركة المتطرفة، ومحاربة آفتي الأمية والفقر بوصفهما الحاضنة الحقيقية التي تنمو فيها دعاية «بوكو حرام».
ودعا التقرير في خلاصته إلى ضرورة أن تعمل الحكومات على فتح مراكز للتكوين والتأهيل المهني، من أجل رفع مستوى القدرات الوظيفية للشباب، قبل أن توفر لهم وظائف مناسبة تسهم في امتصاص البطالة، وإغلاق الباب أمام اكتتابهم من طرف الحركة المتطرفة. إلا أن الأهم في التقرير هو إشارته إلى أن «الفساد» الذي ينخر الحكومات هو العائق الكبير أمام نجاح جميع الاستراتيجيات المعتمدة من أجل محاربة الحركة، لا سيما وأن هذا الفساد يتجلّى بشكل كبير في الأجهزة الأمنية والمؤسّسات التنموية، أكبر جهازين يقع على عاتقهما محاربة التطرف والإرهاب.

خطف الفتيات
في عام 2014 أقدمت «بوكو حرام» على اختطاف 276 طالبة صغيرة السن من مدرسة في مدينة شيبوك بشمال نيجيريا، ولقد تراوحت أعمار الفتيات المختطفات ما بين 12 و17 سنة. وبطبيعة الحال، هزّت هذه الجريمة الرأي العام العالمي، وعُرفت القضية باسم «فتيات شيبوك»، وأشعلت حملة تضامن عالمية واسعة الانتشار مع الضحايا. ومن ثم، على الرغم من تحرك الحكومة لتحرير الفتيات، فإن «بوكو حرام» عرضت شريطاً مصوراً ظهرت فيه الفتيات وهنّ محجبات يعلنّ دخولهن في الإسلام و«رفضهنّ العودة» إلى عائلاتهن. وبعد عملية «فتيات شيبوك» تكرّرت عمليات الخطف التي شنتها الجماعة ضد الفتيات خلال السنوات الأخيرة وفي مناطق عديدة من شمال نيجيريا، كانت آخرها في فبراير (شباط) الماضي حين اختطفت الجماعة 111 فتاة من مدرسة بمدينة يوبي.

انتحاريات أو «زوجات» بالإكراه
المؤكد هو أن بعض هؤلاء الفتيات يُستخدمن من طرف «بوكو حرام» في شن هجمات انتحارية على أهداف مدنية ودينية، ولكن النسبة الأكبر منهن تتحوّل إلى زوجات لمئات المقاتلين المقيمين في معسكرات نائية وسط الغابات الاستوائية، وذلك بعد إخضاعهن لبرنامج «إعادة تأهيل» يبدأ بإرغامهن على دخول الإسلام وتلقينهن مبادئ الجماعة المتطرفة. ووصفت الفتيات القليلات اللاتي تمكنّ من الفرار، الجحيم الذي كنّ فيه منذ وقوعهن في الأسر لدى الجماعة المتطرفة، ويتحدثن عن إشراف قادة الجماعة على تزويج الفتيات المُطيعات للمقاتلين، بينما تتعرّض الفتيات غير المنضبطات لعمليات اغتصاب بشعة، قبل تجهيزهن لعمليات انتحارية، وحسب التقارير شكّل وجود مئات الفتيات المختطفات في معسكرات الجماعة، عامل جذب إضافي للمقاتلين.
مع هذا، لم تكن المزايا المادية الكبيرة ولا الفتيات المختطفات، وحدها «الأسلحة» التي تعتمدها «بوكو حرام» لاكتتاب مجنّدين جدد، إذ أكدت المصادر الأمنية والمحلية أنه سبق للجماعة المتطرفة اللجوء إلى عمليات ترويع لإرغام الشباب على الالتحاق بصفوفها، بل إنها لا تزال تعتمد هذه الاستراتيجية في المناطق الحدودية بين نيجيريا والكاميرون، وفق ما تؤكده مصادر أمنية كاميرونية. وحسب هذه المصادر، بدأت الجماعة استهداف الشباب والمراهقين في القرى الحدودية النائية، من أجل تكوين كتائب صغيرة لشنّ هجمات ضد الجيش وقوات الأمن على الحدود، وتحدثت المصادر عن «اجتذاب ما يزيد على مائتي مراهق (تتراوح أعمارهم ما بين 15 و19 سنة)، في منطقة كولوفاتا، بأقصى شمالي الكاميرون، على الحدود مع نيجيريا».
كذلك، تركز «بوكو حرام» في عمليات التجنيد على الشبان والمراهقين المنحدرين من قبائل تنتشر على جانبي الحدود، ما يسهل عليها عملية التجنيد القسري، فأغلب المستهدفين ينحدرون من قبيلة الكانوري Kanuri، وهي قبيلة كبيرة منتشرة في شمال الكاميرون وشمال شرقي نيجيريا، ولديها امتدادات عرقية نيجيريا.

سلاح الترويع
ومع أن العديد من المقاتلين يلتحق بمعسكرات «بوكو حرام» بحثاً عن المكاسب المادية، إلا أن الجماعة لم تكتفِ بذلك، بل إنها تستخدم سلاح الترويع للحصول على مقاتلين جُدد، فمن يرفض الانصياع للأوامر «يذبحونه أمام رفاقه»، ولقد تحدّثت المصادر عن عمليات ذبح بشعة نفّذها قادة التنظيم خلال مرورهم ببعض القرى بحثاً عن مقاتلين جدد. وشرح شاهد عيان في تصريحات صحافية تجربته بالقول: «عندما مروا بقريتنا، شرعوا في الحوار مع الشبان محاولين إقناعهم بالانخراط في صفوف الجماعة، وكانوا يوردون بعض الآيات القرآنية ويفسرونها على أنها تحث على القتال إلى جانبهم، وعندما يبدي أحد الشبان رفضه لما يقولونه يذبحونه بسكين أمام الناس».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».