سنوات السينما

- سوّاق الأوتوبيس (1982)
- عاطف الطيب ببساطته المبهرة
في العام 1982 أخرج الراحل عاطف الطيب (1947 - 1995) فيلمين متواليين أولهما «الغيرة القاتلة» وثانيهما «سواق الأوتوبيس» وفي كليهما استعان المخرج بنور الشريف ليكون بطل أحداث هذين العملين.
ليس غريباً أن يبقى «سواق الأوتوبيس» في الذاكرة السينمائية ويغيب الفيلم الآخر. ليس فقط لأن «سواق الأوتوبيس» نال جائزة مهرجان قرطاجة لأفضل عمل لمخرج جديد، بل لأنه فيلم قائم على ما عرفته لاحقاً غالبية أفلام الطيّـب الأخرى وهو الإتيان بدراما اجتماعية وشحنها بالهم الناتج عن ملاحظات وطروحات الفترة التي يمر بها ذلك المجتمع.
يبدأ الفيلم وينتهي بمشهد نشال في حافلة يقودها الأسطى حسن (نور الشريف). في المشهد الأول نرى السارق وقد قفز من الحافلة وسط صراخ الناس ليولي الهرب بما سرقه من الركاب. يوقف حسن الحافلة لكنه غير مخوّل بترك مقعده شاغرا ومطاردة أياً كان. في المشهد النهائي ها هو النشال ذاته مرّة أخرى. يسرق ويقفز من الحافلة هرباً. لكن هذه المرة سنجد حسن يقفز وراءه ويقبض عليه ثم يكيل له اللكمات حتى يدميه. وينتهي الفيلم عند هذا المشهد.
ما بين المشهدين كل المبررات التي حثت حسن على فعل أمر ما في المرة الثانية. كل الدوافع المتراكمة ما بين الحدثين التي تشحنه إحباطاً وغضباً. في البداية يكتشف أن والده المريض (عماد حمدي) يعاني من أزمة مادية حادة، فقد أصدرت مصلحة الضرائب أمراً بإقفال الورشة لأنها لم تستلم العائدات المفروضة طوال سنين. سيكتشف حسن أن زوج إحدى أخواته هو المسؤول عن ذلك بعدما بدد عائدات الورشة التي كانت إدارتها قد أنيطت به. يتدبر حسن نصف المبلغ المطلوب (عشرون ألف جنيه) ثم يدور على شقيقاته اللواتي تزوجن من رجال صنعتهم أموال الأب. بذلك يزيل عاطف الطيب عبر بطله أكذوبة التضامن العائلي والعادات الأسرية والاجتماعية الحميمة. يجد شقيقاته يقفن إلى جانب أزواجهن الذين يبررون عدم دعمهم لمحاولة حسن إنقاذ ورشة أبيه بعدم توفر المبلغ المطلوب (علماً بأنهم يملكونه) وأما لأنهم يريدون استحواذ الفرصة وشراء العقار بثمن رخيص بهدف هدمهما لإنشاء عمارة جديدة.
يطرق حسن الأبواب ويسمع الأجوبة ونكتشف معه ما حل بالتقاليد العائلية تحت وطأة التغيرات الاقتصادية التي حدثت وتركت بصماتها على معالم الحياة وطرق التواصل بين الناس. لكن حسن ليس وحيداً. معه يقف رفاق السلاح في حرب أكتوبر (تشرين الأول) الذين يعانون، مثله، من تلك المتغيرات المتسارعة. هنا يرسم المخرج أزمة جيل تطلع لأن يكون انتصاره جسر عبور لمجتمع أفضل ليجد نفسه وهو رازح تحت ثقل واقع جديد وثقيل.
في النهاية يضطر لبع سيارة أجرة كانت زوجته (الرائعة ميرفت أمين) قد اشترتها له. ومع هذه الخلفية ومرارة الشعور بالعجز عن قبول محيطه يهب مدافعاً عن راكب منهوب وحياة مسروقة.
في تلك الآونة كان مخرجو الموجة الجديدة في السينما المصرية (محمد خان وخيري بشارة وسعيد مرزوق وسيد سعيد) يطرقون باب النقد الاجتماعي وفيلم الطيب من بين تلك التي تعاملت مع مشكلة الانفتاح غير الممنهج كأحد أكثرها واقعية ومعايشة لحياة الأسرة. إنه عن رجل عادي يخوض حرب أكتوبر ويخرج منها فخوراً ثم يدخل حرب الداخل ويخرج منها مدحوراً.