معرض «بعَينَي والدي»... نماذج إيجابية للأبوّة في لبنان

تنظمه «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» بالتعاون مع برنامج «كير» وشارك فيه محمد صلاح

صورة فوتوغرافية من ضمن الأعمال الفنية المشاركة في معرض «بعيني والدي»
صورة فوتوغرافية من ضمن الأعمال الفنية المشاركة في معرض «بعيني والدي»
TT

معرض «بعَينَي والدي»... نماذج إيجابية للأبوّة في لبنان

صورة فوتوغرافية من ضمن الأعمال الفنية المشاركة في معرض «بعيني والدي»
صورة فوتوغرافية من ضمن الأعمال الفنية المشاركة في معرض «بعيني والدي»

«بعيني والدي»، هو عنوان معرض الصّور الفوتوغرافية الذي ينطلق اليوم ويتضمّن ألبومات عائلية عن النّماذج الإيجابية للأبوة في لبنان. ويأتي هذا المعرض الذي تنظّمه «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» بالتعاون مع برنامج «منظمة كير» البريطانية للاستجابة للأزمة السورية، كتحية للآباء في عيدهم الذي يصادف موعده 21 يونيو (حزيران) من كل عام.
ويبلغ عدد المشاركين في هذا المعرض نحو 50 رجلاً من جنسيات مختلفة تعيش في لبنان (لبنانيون وعراقيون وسوريون). وتندرج أعمالهم الفنية هذه، في إطار البرنامج الإقليمي لـ«هيئة الأمم المتحدة للمرأة» الذي نُظّم تحت عنوان «رجال ونساء من أجل المساواة» والمموّل من السويد.
وقد خضعوا لسلسلة من ورش عمل (11 جلسة)، تدربوا فيها على كيفية التمتع بدور أكبر في موضوع الرّعاية الأبوية في أسرهم. وحسب مديرة البرنامج المذكور جومانا زبانة فإنّ دراسة استقصائية أُجريت على نحو 2250 شخصاً (من الرجال)، بينت أنّ غالبيتهم عانوا من عنف مباشر كان يمارس عليهم في طفولتهم وكذلك على أمهاتهم من قبل رأس البيت (الأب). وأظهرت الدراسة أيضاً أنّ نوعاً من التمييز كان يمارس عليهم فيحدث الفرق بينهم وبين أخوتهم من الجنس اللطيف، فكانوا يملكون حرية التصرف أكثر منهن.
وتوضح زبانة في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «الرجال الذين عانوا من العنف في صغرهم مارسوه هم أيضا تجاه أولادهم ونسائهم. وعندما سألناهم عمّا إذا هم يرغبون في تقديم مشاركة أكبر في أسرهم من ناحية الرعاية الأبوية ردّ 80 في المائة إيجابا إذا ما سمحت ظروف عملهم بذلك، بحيث يمضون وقتا أطول مع أولادهم في أوقات فراغهم». ونتيجة هذه الدراسة جرى إقامة شراكات مع مؤسسات دولية ومحلية (15 شراكة)، للعمل من أجل تغيير دور الأب في البيت فيحصل على الدّعم والتدريب اللازمين ليقوم بمهمته الأساسية في منزله (الرعاية الأبوية). «لقد تبين لنا أيضاً من خلال هذه التدريبات (أخذت عينات من منطقتي سن الفيل وطرابلس)، أنّ هؤلاء الرّجال يختزنون في ذاكرتهم صوراً من طفولتهم عن عدم التوازن العائلي الذي عاشوه. وبعد التدريبات التوعوية التي خضعوا لها، تحسّن أداؤهم في البيت وصاروا على دراية بالأسلوب التربوي الذي يجب اتباعه في أسرتهم للمساهمة في استحداث أجواء إيجابية وسعيدة فيها». تقول زبانة التي تضيف: «يأتي هذا المعرض من ضمن النتائج الإيجابية التي توخيناها من الجلسات التدريبية إذ طلبنا منهم تصوير مواقف وحالات اجتماعية تبين تفاعلهم معها». ومن الصور الفوتوغرافية المعروضة في غاليري (A+BCP) في شارع غورو في بيروت (مجموعها 128 صورة)، تلك التي تحكي عن تصرفات الآباء وأدائهم في يومياتهم تجاه أولادهم وزوجاتهم. كما بينها ما يتناول مشاركة الرجل زوجته الأعمال المنزلية، فيما أخرى تصوّر حلقات الحوار التي صاروا يعقدونها مع أفراد أسرتهم لمناقشة موضوع معيّن، وكذلك صوراً تُظهر العاطفة والحنان التي يكنونها لأطفالهم.
يذكر أنّ هذا البرنامج التوعوي يطبّق في 4 بلدان عربية بالتعاون مع «هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، أمّا المعرض في لبنان فسيفتح أبوابه أمام الزوار حتى نهاية الشّهر الحالي. «لقد حاولنا كسر النمطية السّلبية السّائدة في بيوت كثيرين حول المهمة الأساسية للرجل في بيته والرّعاية الأبوية التي يجب أن يتمتع بها والتي هي عادة نتيجة ترسّبات تربوية مُورست عليهم منذ الصغر، فحلّ مكانها نماذج طبيعية تعزّز المساواة بين المرأة والرجل. وقد أكّد غالبية الرّجال المشاركين في هذا البرنامج أنّ نقطتين أساسيتين في إمكانها أن تساهم في تغييرهم على صعيد الرعاية الأبوية وهي: بأن يتقبلهم المجتمع فلا يسخرون من أدائهم المنفتح هذا، وبأن تؤمّن لهم في المقابل ظروف عمل تساعدهم على ممارسة الرعاية الأبوية المطلوبة منهم. واستعان برنامج «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» (رجال ونساء من أجل المساواة)، بشخصيات مشهورة من الرجال (كلاعب كرة القدم محمد صلاح في مصر) الذي شارك في هذا البرنامج الإقليمي من خلال التأثير التوعوي الذي تحدثه على المجتمع الذكوري في البلد الذي ينتمون إليه.
وفي هذا الإطار تم تصوير أفلام قصيرة وطويلة تبين المشاركة الإيجابية للرجال في بيئتهم لتكون بمثابة نموذج إيجابي يحتذى به.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».