الدستور السوري مدخل دي ميستورا لتوافق دولي ـ إقليمي

المبعوث الدولي يستضيف في جنيف اليوم «ضامني» آستانة... والأسبوع المقبل «النواة الصلبة»

أطفال يلعبون قرب الدمار في معرة النعمان بريف إدلب أول من أمس (إ.ب.أ)
أطفال يلعبون قرب الدمار في معرة النعمان بريف إدلب أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

الدستور السوري مدخل دي ميستورا لتوافق دولي ـ إقليمي

أطفال يلعبون قرب الدمار في معرة النعمان بريف إدلب أول من أمس (إ.ب.أ)
أطفال يلعبون قرب الدمار في معرة النعمان بريف إدلب أول من أمس (إ.ب.أ)

يطلق المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في جنيف اليوم عملية شاقة لمد الجسور بين كتلتين من الدول الكبرى والإقليمية الفاعلة في الملف السوري، هما الدول الثلاث «الضامنة» لعملية آستانة بقيادة روسيا من جهة و«مجموعة الست» بقيادة أميركا من جهة ثانية على أمل الوصول إلى «أرضية مشتركة» من مدخل الإصلاح الدستوري.
ولن يكون وفدا الحكومة السورية والمعارضة مدعوين إلى هذه المشاورات التي يطلقها دي ميستورا وفريقه، لكن اتصالات متوازية ستجري مع الفريقين لتشكيل اللجنة الدستورية وتسهيل عملها باعتبار أن «العملية سورية وبقيادة سورية» بعدما تتوفر التوافقات الدولية والإقليمية ويتم فك العقد أمام الوصول إلى أرضية مشتركة. وفي الغضون، يستمر التفاوض بين روسيا وإسرائيل وأميركا والأردن للتوصل إلى تسوية لجنوب غربي سوريا وسط استمرار الحكومة حشد قواتها لشن عملية هجومية.
تبدأ سلسلة المشاورات في جنيف اليوم، لدى وصول كبار موظفي وزارات الخارجية في الدول الثلاث «الضامنة» لمسار آستانة، روسيا وتركيا وإيران، لبحث جدول أعمال وضعه فريق المبعوث الدولي ويتعلق بتشكيلة اللجنة الدستورية وآلية عملها والتصويت فيها ومرجعيتها. كما سيصل كبار الموظفين في الدول الست في «النواة الصلبة» وتضم أميركا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن وألمانيا في 25 الشهر الجاري إلى جنيف لبحث ذات النقاط التي بحثها ممثلو «الضامنين» الثلاثة.
وبحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن الوصول إلى هذه النقطة لم يكن أمراً سهلاً، إذ أنه تطلب زيارات من دي ميستورا ونائبه السفير رمزي عز الدين رمزي إلى دول إقليمية بينها مصر ولقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وتركيا وإيران، إضافة إلى زيارات إلى دول أوروبية وواشنطن وموسكو وبروكسل.
العقدة وقتذاك كانت في رفض واشنطن الجلوس «الدول الست» على ذات الطاولة مع «ضامني» عملية آستانة التي تضم إيران، خصوصاً بعدما رفضت واشنطن المشاركة في الاجتماع الأخير.
لكن محادثات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت حاسمة في قبول الجسر بين كتلتين رئيسيتين فاعلتين في الملف السوري على أن تكون هذه العملية في جنيف، لإعطاء إشارة إلى إبقاء مسار العملية التفاوضية بغطاء دولي على قيد الحياة بعد انحياز تركيا وإيران وروسيا إلى مسار سوتشي وآستانة الذي انطلق قبل أكثر من سنة وبدأ يراكم دينامية سياسية.
كما ساهم إقناع الرئيس بوتين الرئيس السوري بشار الأسد بتقديم قائمة من 15 اسما مرشحي اللجنة الدستورية إلى المبعوث الدولي في إعطاء إشارة إلى رغبة موسكو في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي الذي أوكل إلى دي ميستورا تشكيل اللجنة الدستورية ومرجعيتها وعقد اجتماعاتها في جنيف، خصوصاً بعدما رفضت دمشق مراراً استضافة فريق المبعوث الدولي، بل شنت حملة ضد مخرجات سوتشي وتفويض دي ميستورا تشكيل اللجنة الدستورية.
وكان المبعوث الدولي أشار قبل أيام إلى وجود «نقاط تقاطع حقيقية لإحراز تقدم في المسار السياسي الذي دعا إليه مجلس الأمن في القرار 2254» للوصول إلى «مسار سوري بقيادة سوريين وتسهيل أممي... ونركز الآن على إحراز تقدم بخصوص اللجنة الدستورية».
وحرص دي ميستورا على خفض سقف توقع حصول «اختراق جوهري» في القريب العاجل. مرد ذلك إلى إدراك حجم العقبات القائمة أمام المسار المستقبلي.
وبين التحديات كيفية الجمع بين موقفين سياسيين متباعدين، إذ أن أميركا لا تزال متمسكة في خطابها بـ«الانتقال السياسي» وأنها لا ترى مستقبلا للرئيس الأسد في المدى الطويل وتريد تقليص نفوذ إيران مقابل تمسك موسكو بـ«عملية سياسية وإصلاح دستوري» والتنسيق مع موسكو، إضافة إلى تباعد موقف الطرفين إزاء علاقة إعادة إعمار سوريا بالانتقال السياسي.
ويأمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الوصول إلى «توافقات سياسية» بين واشنطن وموسكو، إذ أنه أبلغ زواره قبل أيام أنه ينوي إجراء محادثات منفردة مع كل من الرئيس بوتين والرئيس دونالد ترمب إزاء الملف السوري. وهناك من الدول من يدفع بقبول علني من جميع الدول المنخرطة بالحل السياسي كي يكون 2021 موعدا رسميا لبدء العملية الانتقالية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وترك مسألة مشاركة الأسد إلى ذلك الوقت.
وإضافة إلى الفجوة السياسية، هناك مسائل فنية تتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية لا تزال تشكل عقدا رئيسيا مثل حصص الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني، خصوصاً أن موسكو لم تعارض إلى الآن طلب دمشق حصولها على الأغلبية في تشكيلة اللجنة مقابل وجود اقتراحات أخرى تقوم على المثالثة. وهناك أيضا آلية التصويت في اللجنة بين الأغلبية أو الإجماع أو أغلبية الثلثين وعلاقة ذلك بالتوافق على عدد أعضاء اللجنة وسط وجود طرح أن يكون 45 أو 50 عضواً.
ومن العقد الإضافية، حصة المعارضة في اللجنة وما إذا كانت «هيئة التفاوض السورية» هي الممثلة للمعارضة أم أن المشاركين في مؤتمر سوتشي سيحسبون على المعارضة. ومن المقرر أن تعقد «هيئة التفاوض» اجتماعا في الأيام المقبلة لتوفير إجماع داخلي على مرشحين للجنة، من دون أن تكون مدعوة رسميا للمشاركة في مشاورات جنيف الخاصة بالدول الإقليمية - الدولية والكتلتين.
وكانت موسكو وطهران باركتا القائمة التي قدمتها دمشق إلى دي ميستورا. وكان من المقرر بموجب مسار سوتشي - آستانة أن تتبنى أنقرة تقديم قائمة المعارضة، لكن مشاورات جنيف التي تبدأ اليوم ستؤدي إلى وجود كلمة لكتلة «النواة الصلبة» في تسمية مرشحي المعارضة إلى اللجنة الدستورية.



مواقف متباينة في صنعاء حول الحرب الإيرانية - الإسرائيلية

عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مواقف متباينة في صنعاء حول الحرب الإيرانية - الإسرائيلية

عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

أثار إعلان الجماعة الحوثية وقوفها مع إيران في مواجهة إسرائيل، سخط الشارع اليمني، حيث يرى سكان وناشطون في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة تسعى مُجدداً لإقحام نفسها في حروب جديدة يدفع فاتورتها الشعب اليمني دون غيره.

ويأمل سكان في صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» ألا يقحم قادة الانقلاب الحوثي اليمنيين في صراعات «لا ناقة لهم فيها ولا جمل»، بخاصة في ظل هذه المرحلة التي يصفونها بـ«العصيبة»، إذ يعاني الملايين من الجوع وانعدام فرص الحياة.

وكانت جماعة الحوثيين تبنّت، الأحد الماضي، أولى الهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل لمساندة إيران بالتنسيق مع الأخيرة، وذلك غداة تأكيد زعيمها عبد الملك الحوثي دعمه لموقف طهران «بكل ما يستطيع» للرد على الضربات الإسرائيلية.

وجاء تبني الجماعة للهجمات المنسقة مع طهران عقب ساعات من استقبال العاصمة المختطفة صنعاء ضربات إسرائيلية هدفت لاغتيال قادة حوثيين، يتصدرهم رئيس أركان الجماعة محمد عبد الكريم الغماري، وسط تعتيم على نتائج العملية.

آثار الدمار إثر قصف صاروخي إيراني شرق تل أبيب (أ.ف.ب)

وشهدت صنعاء ومدن أخرى خاضعة للحوثيين تبايناً في ردود الفعل والمواقف الشعبية، لكنها اتسمت في معظمها إما بالصمت أو بالتشفي من طهران وتل أبيب على حد سواء، بسبب تقديم الأولى الدعم والتمويل للجماعة الحوثية لقتل وتجويع وتشريد اليمنيين، وبسبب ارتكاب إسرائيل المجازر في غزة.

ثلاث فئات

أظهرت متابعة الشارع اليمني الخاضع للحوثيين أن الحرب الإيرانية الإسرائيلية الحالية أفرزت السكان والناشطين إلى ثلاث فئات متباينة في ردود الفعل والمواقف، إذ تمثلت الفئة الأولى في «المتابعين بصمت» الذين يرون باختصار أن هذه الحرب هي «تصفية الظالمين بالظالمين». وفق تعبيرهم.

أما الفئة الثانية فتمثلت في أتباع الجماعة الحوثية والموالين لها ممن يؤيدون بقوة الضربات الإيرانية ضد إسرائيل، ويطالبون كبار قادة جماعتهم بسرعة التدخل لدعم إيران من باب رد الجميل لها.

تصاعد الدخان عقب هجوم إسرائيلي على مستودع للنفط في طهران (رويترز)

وتمثلت الفئة الأخيرة في المؤيدين لما يتعرض له النظام الإيراني، الذين يرون أنه حول اليمن إلى مسرح مفتوح للحرب وقام بدعم الانتهاكات الحوثية وتزويد الجماعة بالأسلحة لترسيخ انقلابها وقمع اليمنيين.

ويبدي «سامي»، وهو اسم مستعار لأحد سكان صنعاء، ارتياحه إزاء استمرار توجيه ضربات عنيفة للنظام الإيراني حتى يلاقي، بحسب قوله، مصيره حيال دعمه المتكرر للإرهاب الحوثي.

ويتمنى سامي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن تؤدي هذه المواجهة إلى إضعاف النفوذ الإيراني أو حتى سقوطه بصورة نهائية في المنطقة، وعلى رأسه الذراع الحوثية في اليمن.

ويرى أن أي استهداف قوي وُمدمر للنظام الإيراني في الوقت الحالي سينعكس حتماً على حلفائه في اليمن الممثلين في الجماعة الحوثية.

رقابة أمنية

على صعيد المنع الحوثي للتأييد المحلي في صنعاء لضرب إيران، فقد نشرت الجماعة العشرات من الجواسيس والمخبرين التابعين لها في معظم شوارع وأحياء صنعاء وعلى مستوى أماكن التجمعات والمقاهي والحدائق العامة، بغية مراقبة وتتبع أحاديث السكان بخصوص الصراع الحالي، والإبلاغ عن المؤيدين لضرب إيران.

صواريخ اعتراضية إسرائيلية تتصدى لهجوم حوثي (رويترز)

وكانت الجماعة الحوثية لجأت عقب تنفيذ الضربة الأولى ضد إيران لاستخدام كافة الوسائل والطرق الممكنة لإقناع السكان في صنعاء وبقية المدن بضرورة تأييد طهران، بزعم أن الأخيرة تقف حالياً بالنيابة عن الدول العربية والإسلامية في مواجهة إسرائيل والغرب.

ويرى مراقبون في صنعاء أن ذلك يأتي خوفاً من الخلاص من النظام الإيراني الذي لطالما قدم لها الدعم والتمويل لمواصلة انقلابها وحربها ضد اليمنيين وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وخشية من أن يأتي الدور القادم عليها.