تحذير أميركي بعد خرق النظام «وقف التصعيد» في الجنوب

المعارضة تتحدث عن تعزيزات وتخشى بدء عملية عسكرية

جندي سوري يداعب طفلاً يحمل مسدساً بلاستيكياً في دوما بالغوطة الشرقية أمس (إ.ب.أ)
جندي سوري يداعب طفلاً يحمل مسدساً بلاستيكياً في دوما بالغوطة الشرقية أمس (إ.ب.أ)
TT

تحذير أميركي بعد خرق النظام «وقف التصعيد» في الجنوب

جندي سوري يداعب طفلاً يحمل مسدساً بلاستيكياً في دوما بالغوطة الشرقية أمس (إ.ب.أ)
جندي سوري يداعب طفلاً يحمل مسدساً بلاستيكياً في دوما بالغوطة الشرقية أمس (إ.ب.أ)

أشعل النظام السوري جبهة الجنوب فجأة أمس، مستهدفاً منطقة مثلث أرياف دمشق - درعا - القنيطرة، في تصعيد أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ستة مدنيين في أول أيام عيد الفطر، متجاوزاً اتفاق «وقف التصعيد» وتحذيرات سابقة وجهتها الولايات المتحدة، وكررتها أمس متعهدة اتخاذ «إجراءات حازمة وملائمة رداً على انتهاكات دمشق».
وفي تطور قد يكون مرتبطاً بما يحصل في جنوب سوريا، قال الكرملين في بيان أمس الجمعة، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفق على تعزيز التنسيق بشأن سوريا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مكالمة هاتفية. وأضاف الكرملين أنهما ناقشا الجهود المشتركة لضمان الأمن في المنطقة الحدودية بين سوريا وإسرائيل.
وكان النظام السوري قد خرق اتفاق الهدنة القائم بقصف مدفعي وصاروخي، ولكن في غياب لسلاح الجو. وبدا القصف بمثابة تمهيد لعملية عسكرية وشيكة في المنطقة.
وسارعت الولايات المتحدة إلى الرد على تصعيد النظام، وقالت في بيان وزعته وزارة الخارجية إنها «تشعر بالقلق من التقارير التي تُفيد بحدوث عمليات للحكومة السورية في جنوب غربي سوريا ضمن حدود منطقة خفض التصعيد التي تم التفاوض حولها بين الولايات المتحدة والأردن والاتحاد الروسي في العام الماضي، والتي تم تأكيدها مجدداً بين الرئيس ترمب والرئيس بوتين في دي نانغ بفيتنام في نوفمبر (تشرين الثاني)». وتابع البيان أن «الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالحفاظ على استقرار منطقة خفض التصعيد في جنوب غربي سوريا، وكذلك وقف إطلاق النار الذي تستند إليه. ونؤكد مجدداً أن أي تحرك عسكري للحكومة السورية ضد منطقة خفض التصعيد في جنوب غربي سوريا يشكل مخاطرة بتوسيع الصراع. كما نؤكد مرة أخرى أن الولايات المتحدة ستتخذ تدابير صارمة ومناسبة رداً على انتهاكات الحكومة السورية في هذه المنطقة».
وأضاف بيان الخارجية الأميركية: «روسيا مسؤولة رسمياً بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي عن استخدام نفوذها الدبلوماسي والعسكري على الحكومة السورية لوقف الهجمات، وإجبار الحكومة على وقف المزيد من الهجمات العسكرية. كما نطلب من روسيا أن تفي بالتزاماتها وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2245 وكذلك ترتيبات وقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا».
وقال رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الأربعاء، إن حكومته لا تزال تسعى إلى حل سياسي في جنوب غربي البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة، لكنه أضاف أنه سيلجأ للقوة العسكرية إذا فشلت الجهود بهذا الصدد. وأضاف في مقابلة يوم الأربعاء مع قناة «العالم» الإخبارية الإيرانية، ونشرتها الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) بالكامل: «نعطي المجال للعملية السياسية إن لم تنجح فلا خيار سوى التحرير بالقوة».
وقالت مصادر عسكرية معارضة في جنوب سوريا لـ«الشرق الأوسط»، إن الضربات المفاجئة «جاءت بعد استعدادات بدأها النظام منذ مطلع الشهر الحالي لمعركة محتملة»، مشيرة إلى أن قوات النظام «دفعت بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة الجنوبية منذ أكثر من 10 أيام». وقالت المصادر إن الضربات المدفعية والصاروخية التي استهدفت بلدتي كفر شمس والحارة قرب الحدود مع هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، «بدت على أنها تمهد لمعركة يتحضر لها النظام». وأشارت إلى أن قوات النظام «اعتمدت على القصف المدفعي والصاروخي، لكن سلاح الجو لم يتدخل على خط القصف».
وتكتسب منطقة الجنوب خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع إسرائيل والأردن، فضلاً عن قربها من دمشق. وتسيطر الفصائل المعارضة على 70 في المائة من محافظة درعا، مهد الاحتجاجات ضد قوات النظام، ومن محافظة القنيطرة المجاورة الحدودية مع إسرائيل.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، بمقتل 6 أشخاص بينهم طفلان، نتيجة القصف المدفعي والصاروخي الصباحي من قبل قوات النظام على عدة بلدات في ريف درعا الغربي. وقال إن عملية التصعيد المتواصل جاءت بالتزامن مع استقدام قوات النظام تعزيزات عسكرية جديدة إلى منطقة دير العدس في منطقة «مثلث الموت»، وهو مثلث ريف درعا الشمالي - ريف دمشق الغربي وريف القنيطرة الشرقي ضمن التحضيرات المستمرة للعملية التي تلوح قوات النظام بتنفيذها ضد الفصائل المقاتلة والإسلامية في محافظتي القنيطرة ودرعا.
وكان «المرصد السوري» رصد الأسبوع الماضي وصول عشرات الآليات والمدرعات التي تحمل على متنها المئات من عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها والعتاد والذخيرة، بالتزامن مع استمرار الفصائل في الاستنفار بالمنطقة وتحصين مواقعها، في تحضير من جانبها لأي هجوم قد تبدأه قوات النظام في أي لحظة ضد الفصائل.
ويعد هذا التصعيد الأول في الجنوب منذ أشهر. وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن، إن حصيلة الضحايا أمس هي الأعلى منذ إعلان وقف إطلاق النار في المنطقة. وينظر إلى المنطقة على نطاق واسع على أنها بؤرة ساخنة محتملة لمزيد من التصعيد في الصراع.
ولم يقرّ النظام السوري بالتصعيد في المنطقة الجنوبية، فقد اكتفى الإعلام الرسمي بالإعلان عن زيارة ميدانية لنائب القائد العام وزير الدفاع العماد علي أيوب إلى أحد التشكيلات المقاتلة في المنطقة الجنوبية، لمناسبة عيد الفطر.
وأفادت وكالة «سانا» الرسمية بأن العماد أيوب التقى خلال الزيارة المقاتلين في مواقعهم و«اطلع على جاهزيتهم القتالية ومعنوياتهم العالية»، من غير تحديد مواقع الزيارة.
وفي سياق متصل بالتطورات في الجبهة الجنوبية، أفاد «المرصد» بإقدام مجهولين على خطف «رئيس وفد المصالحات» في بلدة داعل الواقعة في ريف درعا الأوسط، وتم اقتياده إلى جهة مجهولة. وقال إن عملية الخطف تلك «جاءت في إطار عمليات الاغتيال المتصاعدة في عموم محافظة درعا، التي تطال في غالبها أعضاء مصالحة مع النظام». وتحدث ناشطون عن أن عمليات الاغتيال تتواصل بوتيرة متصاعدة في عموم محافظة درعا في الجنوب السوري، تزامناً مع المقترحات الروسية لعقد مشاورات محلية بغية التوصل لاتفاق حول الجنوب السوري، بعد تعرقل المشاورات الإقليمية - الدولية، للتوصل لاتفاق في الجنوب السوري.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.