ماكرون يريد أن تعمل باريس وروما «يداً بيد»

طوت فرنسا وإيطاليا صفحة الخلاف بينهما، بشأن ملف الهجرات، وكذلك ما تفجَّر حول مصير الباخرة الإنسانية «أكواريوس» وركابها الـ629 من اللاجئين الأفارقة. وسعى الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة الإيطالية في اجتماعهما أمس في قصر الإليزيه إلى تدوير الزوايا، وتقريب المواقف، بل إلى الاتفاق على العمل مع إسبانيا وألمانيا وفي إطار الاتحاد الأوروبي من أجل تقديم مقترحات مشتركة في القمة الأوروبية التي ستنعقد في بروكسل يومي 28 و29 من الشهر الحالي.
بداية، برز الاتفاق بين إيمانويل ماكرون وجوزيبي كونتي في اجتماعهما بقصر الإليزيه في إطار غداء عمل حول تشخيص المشكلة. وفي المؤتمر الصحافي الذي أعقبه، اعتبر الرئيس الفرنسي أن أوروبا «قاصرة» في معالجة ملف الهجرات المتدفقة على شواطئها وجاءت سياستها «غير فاعلة»، وتفتقر خصوصاً لـ«التضامن» مع البلدان الأوروبية التي تتحمل العبء الأكبر، وعلى رأسها إيطاليا.
وأكد ماكرون كذلك أن «اتفاقية دبلن» التي تلقي مسؤولية المهاجرين على الدولة التي يطأون أرضها أولاً (وفي هذه الحالة إيطاليا) بحاجة إلى إعادة نظر، مضيفاً أن «سياسة الحصص» (أي توزيع اللاجئين بعد تسجيلهم على البلدان الأوروبية) «معطَّلَة» في إشارة إلى أن بلداناً أوروبية مثل المجر وتشيكيا ورومانيا رفضتها. وخلاصة الرئيس الفرنسي أن الحل يجب أن يكون «جماعيّاً وأوروبيّاً» لأن المسؤولية «جماعية».
ما قاله ماكرون لقي صدى إيجابيّاً لدى رئيس الحكومة الإيطالية الذي دعا إلى «تغيير جذري» للقواعد المعمول في سياسة الهجرات الأوروبية وبداية «تغيير قواعد دبلن». وأهم ما يتمسك به جوزيبي كونتي وهو رئيس حكومة شعبوية يمينية متطرفة جعلت من محاربة الهجرات هدفاً رئيسيّاً لها، هو التخلص من مبدأ «بلد الوصول الأول» الذي يرتب على إيطاليا المسؤولية الكبرى باعتبارها مهبط اللاجئين الأول القادمين إليها من موانئ ليبيا وشمال أفريقيا. كذلك طالب كونتي بمزيد من التضامن وبألا «تغسل أوروبا يديها» من هذه المسألة.
في سياق المقترحات لمشكلة يجمع الخبراء بأنه سوف تستفحل في السنوات المقبلة، خرج ماكرون وكونتي بمجموعة منها سوف يتم العمل عليها بداية مع ألمانيا وإسبانيا لتُطرح لاحقاً في قمة بروكسل. واقترح المسؤول الإيطالي أن تقيم البلدان الأوروبية مراكز لها (تسمى بالإنجليزية Hot Spots) في بلدان المنشأ، غرضها فحص طلبات الراغبين في الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي لمعرفة من يحق له ذلك ومن سيُعاد من حيث أتى.
ومن حيث المبدأ، لا تقبل البلدان الأوروبية سوى الذين يحق لهم باللجوء إلى البلدان الأوروبية بسبب الحروب أو اختلال الأمن أو انتهاك الحقوق الإنسانية...فيما المهاجرون لأسباب اقتصادية لا يحق لهم عمليّاً الحصول على حق اللجوء، وبالتالي يُفترَض أن يُرحّلوا إلى بلادهم. ولذا، فإن كونتي وماكرون يدعمان إيجاد مكاتب أوروبية للجم ضخ الهجرات باتجاه الشواطئ الأوروبية. بيد أن الخبراء لا يعتبرون أن هذه الحلول سوف تكون ناجعة بسبب صعوبة السيطرة على الحدود في أفريقيا وبسبب غياب الدولة في ليبيا ووجود مهربين ومنتفعين من الهجرات. وفي أي حال، فإن المقترح المذكور ليس جديدا وسبق أن طُرِح في أكثر من مناسبة ولم يؤخذ به. إضافة إلى ذلك، عرض الرئيس الفرنسي مقترحاً إضافياً هو إرسال ممثلين للوكالات الأوروبية المعنية بملف الهجرات إلى «الضفة الأخرى» من المتوسط أي إلى «بلدان الممر» حيث سيكون عملها شبيها بما يمكن أن تكلف به المكاتب في بلدان المنشأ ولمنع المهاجرين واللاجئين من المخاطرة بعبور المتوسط إذا كانت حظوظ قبولهم على الأراضي الأوروبية معدومة.
تريد إيطاليا وفرنسا «مقاربة شاملة» تتعامل في الوقت عينه مع بلدان المنشأ والممر وتعزز الآليات الموجودة بأيدي الأوروبيين لمواجهة تدفق الهجرات أو تعديلها. وفي سياق التعزيز، يريد الطرفان تغيير قواعد اللجوء إلى البلدان المرتبطة باتفاقية التنقل الحر أو ما يسمى «شينغن» لجعلها أكثر تشدداً. وفي الوقت عينه يسعيان لتعزيز «شرطة الحدود» (أو «فرونتكس») الخاصة بحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. جميع هذه المقترحات وغيرها (مثل زيادة مساعدات التنمية الاقتصادية للبلدان الأفريقية حتى توفر فرص العمل وتبقي على مواطنيها داخل حدودها وإبرام اتفاقات تتيح إعادة من لا يحق له اللجوء إلى أوروبا...) سبق أن تم التباحث بشأنها على المستوى الأوروبي والغرض إبقاء اللاجئين أو المهاجرين حيث هم إن في بلدانهم أو في بلدان الترانزيت (أو الممر). والحال أن أزمة الهجرات ما زالت على حالها ما يعني أن السياسات المتبعة، بحسب ما أشار إليه المسؤولان الفرنسي والإيطالي، لم تنجح في تحقيق الأهداف المشار إليها، بل إنها ما زالت تثير الأزمات بين بلدان متجاورة مثل فرنسا وإيطاليا أو داخل الاتحاد. ويرى مسؤولون فرنسيون أن الصعوبة ازدادت أوروبيّاً مع وجود حكومات يمينية متطرفة في أوروبا الوسطى ترفض الهجرات بالمطلق أو سياسة الحصص وبالتالي تنسف من الداخل الإجماع الأوروبي. وليست إيطاليا إلا الوافد الأخير إلى نادي المتطرفين وهو ما سعى جوزيبي كونتي إلى التغطية عليه في باريس من خلال التركيز على «الرؤى المشتركة» بينه وبين ماكرون بينما وزير داخليته الذي هو في الوقت عينه نائب رئيس الحكومة ورئيس حزب الرابطة اليميني المتطرف يريد العمل في إطار «دول المحور» من أجل سياسة أكثر تشدداً إزاء الهجرات واللجوء.