جولة جديدة مرتقبة لمفاوضات «سد النهضة» على وقع تقارب مصري ـ إثيوبي

مصادر تتوقع خرقاً كبيراً باتجاه حل الأزمة

TT

جولة جديدة مرتقبة لمفاوضات «سد النهضة» على وقع تقارب مصري ـ إثيوبي

على وقع تقارب مصري - إثيوبي لافت، في أعقاب قمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، قبل نحو أسبوع، تستقبل القاهرة خلال أيام جولة جديدة من المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، على أمل الوصول لتوافق بشأن أزمة تخزين وقواعد تشغيل «سد النهضة»، الذي تبنيه أديس أبابا على أحد روافد نهر النيل، وتخشى القاهرة من تأثيره على حصتها من المياه.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن «بوادر توافق كبير تلوح في الأفق خلال الاجتماع التساعي المزمع عقده يومي 18 و19 يونيو (حزيران) الجاري، بالقاهرة، والذي يضم وزراء الخارجية والموارد المائية ومديري مخابرات الدول الثلاث». وأوضحت المصادر أن «مصر تلقت تطمينات قوية من إثيوبيا بخصوص حل أزمة الدراسات الفنية الخاصة بتحديد حجم الأضرار المحتملة للسد».
وخلال زيارته للقاهرة يوم الأحد الماضي، قال آبي أحمد، «إنهم سيحافظون على حصة مصر في نهر النيل.... بل وزيادتها»، كما أقسم بالله أنه «لن يقوم بأي ضرر بالمياه في مصر». فيما توقع السيسي «التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن سد النهضة يؤمِّن استخدامات مصر المائية في نهر النيل».
وقالت الدكتورة هبة البشبيشي، الباحثة في العلاقات الأفريقية، لـ«الشرق الأوسط»، إن مصر حصلت على تطمينات من إثيوبيا بعدم المساس بحصتها من المياه، والالتزام باتفاق المبادئ الموقّع منذ عام 2015، وسرعة حسم الأمور الفنية من خلال فريق علمي وطني يضم خبراء من الدول الثلاث».
وأوضحت البشبيشي أن «مصر نالت تأييداً ودعماً خليجياً واضحاً في موقفها من إثيوبيا، وأن الضغط الخليجي أثمر عن تراجع أديس أبابا عن تشددها بخصوص فترة ملء السد، حيث تطالب مصر بمدها لـ10 سنوات».
ويرى مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، أن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد، الذي تولى منصبه في مارس (آذار) الماضي، يحمل كل الصفات التي تُمكنه من إخراج ملف سد النهضة من أزمته الراهنة التي تتمثل شكلاً في تعطيل المسار الفني، وعدم قدرة أطراف التفاوض على الوصول إلى معايير واضحة ومحددة يمكن أن تحدد حجم الأضرار التي يمكن أن تقع على دولتي المصب، مصر والسودان، بعد اكتمال بناء السد.
وأوضح مكرم، في مقاله قبل أيام بجريدة «الأهرام»، أنه إذا كان سد النهضة يمثل بالنسبة إلى الإثيوبيين أملاً كبيراً في التنمية الشاملة اعتماداً على الكهرباء التي يمكن توليدها من مساقط المياه على طول النهر الأزرق، فإن سد النهضة يمثل بالنسبة إلى مصر قضية حياة أو موت، لأن انتقاص 2% فقط من حصة مصر بما يساوى مليار متر مكعب من المياه يؤدي إلى بوار 200 ألف فدان يمكن أن يعيش عليها 200 ألف أسرة مصرية.
وأكد مكرم أن ثمة وعود وتصريحات إثيوبية شفهية عديدة تبعث برسائل طمأنينة إلى المصريين، تؤكد أن مصر لن تُضار في كوب مياه واحد من مياه النيل، لكن هذه التصريحات الشفهية تظل نوعاً من الأماني لا يوثّقها حتى الآن مستند رسمي إثيوبي واحد يؤكد حق مصر التاريخي الثابت في مياه النيل، ولا يجعل هذه الطمأنينة حقيقة واقعة، ولهذا اتسم التفاوض مع إثيوبيا بنوبات تفاؤل وتشاؤم عديدة دون أن يكون هناك خط واحد واضح صعوداً أو هبوطاً يجعل الأمور أكثر شفافية ووضوحاً.
يشار إلى أن اتفاق المبادئ الموقّع عام 2015 بين زعماء مصر وإثيوبيا والسودان يتضمن عدداً من المبادئ الحاكمة التي تقر بحقوق دولتي المصب، السودان ومصر، ويؤكد ضرورة الالتزام بالاحتياجات الوجودية لمصر، كما أكد ضرورة الالتزام باحتياجات إثيوبيا التنموية، وأن هدف إثيوبيا من بناء سد النهضة هي الطاقة وليست المياه، كما نصَّ اتفاق المبادئ على ضرورة استكمال الدراسات الفنية لمعرفة الآثار الجانبية للسد على دولتي المصب. وبدأت إثيوبيا بناء السد، الذي تبلغ كلفته 4 مليارات دولار عام 2012، لكن المشروع الضخم أثار توتراً وخصوصاً مع مصر التي تتخوف من أن يؤدي ذلك إلى انخفاض تدفق مياه النيل الذي يوفر نحو 90% من احتياجاتها من المياه.
وتعتمد مصر تماماً على مياه النيل، للشرب والري، وتقول إن «لها حقوقاً تاريخية» في النهر بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 التي تعطيها 87%، من مياه النيل وحق الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.