حكاية البرازيلي «المهدي» الذي قاد المغرب لأروع ظهور بالمونديال

قصة «أسود الأطلسي» في مونديال المكسيك 1986

حكاية البرازيلي «المهدي» الذي قاد المغرب لأروع ظهور بالمونديال
TT

حكاية البرازيلي «المهدي» الذي قاد المغرب لأروع ظهور بالمونديال

حكاية البرازيلي «المهدي» الذي قاد المغرب لأروع ظهور بالمونديال

جوزيه فاريا عادة ما كان يغوص بقدميه في البلاط الخاص بغرفته في مجمع برشيد قرب الدار البيضاء ، حيث مقر معسكر المنتخبات المغربية بمختلف الألعاب الرياضية، فاريا كان يغسل هموم يومه بمحاكاة حركة قدميه في رمال شواطيء ريو دي جانيرو، محاكياً وضع رأسه على كتف زوجته الأولى، مشاهداً ابنه الوحيد وهو يجرب شعور الجنوح في المحيط دون أن تلمس قدماه الأرض أن يكون بلا أطواق تساعده على الطفو ، أو شباك أمان تلتقطه في أوقات الأزمة ”.
الذهاب مساء إلى ملعب ماراكانا ملاحقاً نادي فلومنينزي ، كل بقايا روائح الستينات القادمة من الطرف الآخر للأطلنطي.
السلسلة الذهبية المتدلية من رقبته العارية العامرة بشقوق في الجلد، بقايا حروق الشمس على الكتفين، الأنفاس المتقطعة التي تليق برجل في مطلع الخمسينيات من عمره هي التي تفيقه من أحلام اليقظة، وتذكره بأنه يقبع في واحدة من ضواحي كازابلانكا، متزوج من سعيدة ، واسمه الآن أصبح المهدي، عائد لتوه من لعب الجولف مع الملك الحسن الثاني في دعوة شبه أسبوعية، خوسيه بدا وكأنه سندباد كروي يعيش تبعات منتصف العمر، حطت رحاله بعد الرحيل عن ريو جي جانيرو والدوحة في محطة نهائية مغربية.
إنها اللحظة التي اكتشف فيها المهدي طبيعة محطته النهائية ، لم يفهم الكثير من تفاصيل الفيلم المصري الذي يتحدث عنه الجميع في المنتخب المغربي خلال الأسابيع الأخيرة، ذلك الرجل القادم من المدينة الذي حل ضيفاً لأيام قليلة على أهل بلدة صغيرة من أجل إنهاء إجراءات ميراث قانونية، ليجد نفسه ذلك الرجل متورطاً مع كل يوم يقضيه في شئون البلدة، حتى عثر على جنته الخاصة وسط حقول البرتقال المتناثرة كحباتها الناضرة على العشب دون ترتيب.
قادماً من عمله المضمون في قطر كان الحضور إلى المغرب فيما بدا وكأنها رحلة عمل قصيرة كمدير فني للجيش الملكي عنوانها الرئيسي هو مزيد من التأمين المادي أصبح حالة ارتباط لا يمكن تفسيرها ، للمرة الأولى لم يشعر ”خوسيه“ أنه مجرد رقم في الموضة البرازيلية الرائجة في الخليج إلى جانب كارلوس ألبرتو بيريرا وإيفرستو وتيلي سانتانا، ليصبح المدرب البرازيلي المعادل الكروي للفيلم المصري ”خرج ولم يعد“، ”خوسيه“ تورط بلقب مزدوج للدوري والكأس المحليين مع الجيش الملكي ، ثم ميدالية ذهبية مع المنتخب في ألعاب البحر المتوسط ١٩٨٣، ثم تأهل لألعاب لوس أنجيليس في العام التالي، ثم أول لقب قاري لنادي مغربي على الإطلاق في العالم الذي يليه.
وكان كل شيء يتعلق برحلة فاريا في المغرب يتعلق ب“اللحظة“، اللحظة التي حط فيها قدمه في كازابلانكا في وقت يبحث فيه ملك البلاد عن مدير فني برازيلي يمكنه أن يعوض الجمهور عن إحباطات ما بعد نشوة الفوز ببطولة كأس الأمم ١٩٧٦، لحظة اصطياد جيل يملكه النهم، تربى على مشاهدة أحمد فراس تلفزيونياً في مونديال ١٩٧٠ في المكسيك، جيل كرة ”الحومة“، جيل التمرس في شوارع الأحياء القديمة في السبعينات، لم تكن الصدفة فقط هي التي جمعت بين مراوغات عزيز أبو دربالة في حي الضبعة البيضاوي ، أو خليفة العابد في القنيطرة، أو مغامرات بادو الزاكي في سيدي قاسم أو مشاغبات محمد التيمومي في العاصمة الرباط.
”اللحظة“ طالما كانت القاسم المشترك في حياة فاريا وجيل الثمانينات كله في المغرب ، إنها اللحظة بين إهدار اللاعب المصري لركلة جزاء في الدور الثالث من التصفيات الأفريقية للمكسيك ٨٦ ، في قلب الدار البيضاء ، والتي كانت كفيلة بإنهاء الرحلة في مهدها ، وبين هدف محمد التيمومي بعدها ب٣٠ ثانية.
هي نفسها ”اللحظة“ المغربية التي حسمت النتيجة في الخمس دقائق الأخيرة من مباراة التأهل في الدور التالي أمام ليبيا، بثنائية من التيمومي وبودربالة ، هي نفسها ”اللحظة“ التي أهدت البديل عبد الرازق خيري هدفين متتالين في المونديال أمام البرتغال ، إنها ”اللحظة“ التي رسم فيها الزاكي لوحته الخاصة بإنقاذ إعجازي أمام الأسطورة الألمانية كارل هاينتس رومينيجه في مباراة الدور الثاني، هي نفسها ”اللحظة“ التي قرر فيها المدافع نور الدين البويحياوي بتردده أن يخرج من حائط الصد المغربي في الدقيقة الأخيرة، متيحاً الفرصة للوثار ماتيوس أن يسجل هدف الحسم الألماني منهياً المغامرة بأكملها.
كل تلك ”اللحظات“ المغربية هي الواجهة لعقد كامل من محاولات الإخفاق والنجاح في الكرة المغربية، بين مناخ محلي مازال يبحث عن هويته، وبين الرغبة في الهجرة والاحتراف أوروبياً، رحلة فاريا في المغرب هي رحلة التوازن بين ألمعية عبد المجيد الضلمي كأسطورة محلية بيضاوية، وبين تجربة ”كريمو“ في باستيا كنجم للفريق الفرنسي المغمور وصيف بطولة كأس الإتحاد الأوروبي ١٩٧٧، والرحالة في البطولة الفرنسية لقرابة عقد كامل.
كل شيء في منتخب فاريا يتعلق بتلك الرحلة للبحث عن النضج، إيجاد تلك النقطة بين رومانسية التوانسة في مونديال ١٩٧٨، وبين اندفاعية الجزائريين في ١٩٨٢، إنجاز ”المهدي“ الحقيقي هو تصميمه لذلك ”الكاتالوج“ الذي قد تستعين به الفرق التي تم تلقيبها بأنها ”صغيرة“ لدى خوضها المناسبات الكبرى. لا يمكنك فقط التأهل عن مجموعة يشاركك فيها إنجلترا وبولندا والبرتغال ، بل يمكنك تصدرها. لا يمكنك فقط تطبيق مباراة فائقة تكتيكياً تفرض فيها إيقاعك الخاص على مدرب مثل الإنجليزي بوبي روبسون أو الألماني فرانز بيكنباور ، بل أيضاً يمكنك أن تصبح واحدا من أفضل الدفاعات في البطولة ، لا يمكنك فقط اقناع الفرق العربية والأفريقية بلعب طريقة ٤- ٤- ٢ بشكل حرفي، بل يمكن صناعة تنويعات هجومية بالغة الذكاء ، كما كان الحال في مباراة البرتغال في وقت كان مازال فيه الإيطالي أريجو ساكي يطور نفس الفلسفة التي اشتهر بها برفقة نادي بارما.
منتخب فاريا ينضح طوال الوقت بما يسمى بالنماذج المبدئية أو ”البروتوتايب“ ، كنوافذ على تطبيقات مستقبلية ، ليس فقط في تنويعات طريقة ٤ - ٤- ٢ ، ولكن أيضاً على المستوى الفردي أيضاً ، الضلمي في وسط الملعب كان يعطي للجميع فكرة عما يمكن أن يفعله رقم ٦ ، وكأنه تقديم عملي لسيرخيو بوسكيتس ، بجانبه مصطفى الحداوي في أدوار يمكن التعرف عليها من خلال أسماء مثل ريدوندو ، عبد المجيد لامريس وخلفية العابد بإنطلاقات الظهيرين النموذجية تعطي فكرة عما سيقدمه لاحقاً فينسنت كانديلا أو كريستاينو بانوتشي في روما ، عزيز بو دربالة كان أشبه بنبوءة عما سيقدمه بعدها بعقد كامل نجم مثل الفرنسي يوري ديوركاييف ، التيومومي كيدنامو لربط الوسط بالهجوم في الثلث الأخير من الملعب سيعطيك نبذة عن لمحات ريفالدو في التسعينات ، حتى بادو الزاكي في حراسة المرمى كان التفسير المثالي لمن في مركزه للقياد بدور ليبرو الفريق خلف رباعي الدفاع ، وتحديداً ثنائي القلب مصطفى البياز والبويحياوي.

ربما كان فوز تونس على المكسيك في ٧٨ هو الأول عربياً وأفريقياً في المونديال ، وربما كان تغلب الجزائر على ألمانيا في ٨٢ هو الأكثر مباغتةً ، إلا أن فوز المغرب على البرتغال في ٨٦ هو الأكثر أهمية ، ليس فقط لأنه كان قد تأهل على المحك مع منافس مباشر على الصدارة ، ولكن للطريقة التي أجهز بها المغاربة على حظوظ منافسيهم ، في عرض هجومي مباغت مغاير تماماً للتحفظ الدفاعي السابق أمام إنجلترا وبولندا ، يكفي تأمل الطريقة التي انتقل بها المغاربة من الدفاع إلى الهجوم في أقل من أربع تمريرات، من اليمين إلى اليسار في سرعة تثير الدوار ، خاصة في الهدف الثاني من خيري ، ثم ذلك الصبر الذي رافق الهدف الثالث لكريمو ، بعد ١٠ لمسات متتالية ضاعفت من دوار البرتغاليين ، وكانها إعادة إنتاج لهدف البرازيل في إيطاليا على نفس الأراضي المكسيكية بنهائي ١٩٧٠.
الأمر لا يتعلق بالمعجزات بالنسبة للمهدي فاريا في المغرب، إنها أقرب لتجربة عمل أفضت إلى واحدة من أعمق العلاقات الإنسانية التي عرفتها كرة القدم الأفريقية والعربية خلال العقود الأربعة الماضية، حتى مع ترهل الجسم ، ثقل الحركة ، بطء ردود الفعل ، البقاء وحيداً في غرفة بشقة الابن يوسف ، فواتير مثقلة بالديون ، مازالت السلسلة الذهبية على صدر حافل بالتجاعيد ، ، مقرراً البقاء حتى اللحظة الأخيرة على الجانب الأخر من أمواج الأطلنطي ، على الجانب الأخر من مدينته في ”الوطن“ ، قدوم ”المهدي“ إلى المغرب لم يكن منتظراً والإخفاق في السنوات التالية لمونديال المكسيك لم يكن متوقعاً ، الرحيل في عام ٢٠١٣ لم يكن صاخباً ، ولكن في كل موقع من مواقع مجمع مولاي برشيد ، أو ملاكب محمد الخامس بالدار البيضاء يمكن أن يشم أي محب لكرة القدم المغربية رائحة هي الأكثر غياباً عن المنتخبات الوطنية المغربية منذ استقبال هدف ماتيوس في الدقيقة الأخيرة ، ليس فقط رائحة النجاح ، ولكنه المغلف أيضاً بالثقة ، وكأن ”المهدي“ رغب فقط في المجيء إلى المغرب لإرشاد أصحاب البلد إلى الطريق قبل الاختفاء مجدداً.


مقالات ذات صلة

المسحل: لن نتعذر بالتحكيم «رغم أخطائه» وثقتنا في الصادق مستمرة

رياضة سعودية المسحل قال إن التحكيم الآسيوي ارتكب بعض الأخطاء ضد الأخضر (تصوير: عدنان مهدلي)

المسحل: لن نتعذر بالتحكيم «رغم أخطائه» وثقتنا في الصادق مستمرة

أكد ياسر المسحل، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، أن أخطاء الحكام أثّرت على مسيرة المنتخب السعودي في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2026.

خالد العوني (بريدة)
رياضة سعودية ياسر المسحل خلال تكريمه ماجد عبد الله الفائز بجائزة من جوائز المسؤولية الاجتماعية (الاتحاد السعودي)

ياسر المسحل: حظوظ المنتخب السعودي لا تزال قائمة في بلوغ كأس العالم 2026

قال ياسر المسحل رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم إن حظوظ الأخضر في نيل البطاقة المباشرة لنهائيات كأس العالم 2026 لا تزال قائمة، موضحاً أن الثقة حاضرة في اللاعبين

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية فابيو ليما (رويترز)

ليما يحيي آمال الإمارات في العودة للمونديال بعد 36 عاماً

تحوّل فابيو ليما البرازيلي المولد رمزاً لحملة الإمارات لما يمكن أن يكون صعودها لكأس العالم لكرة القدم بعد غياب 36 عاماً، بتسجيله 4 أهداف بالفوز الساحق على قطر.

«الشرق الأوسط» (دبي)
رياضة عربية سون هيونغ مين (أ.ف.ب)

سون قائد كوريا الجنوبية: علينا التعلم من منتخب فلسطين

أشاد سون هيونغ مين، قائد كوريا الجنوبية، بصلابة الفريق الفلسطيني، بعدما منح مهاجم توتنهام هوتسبير فريقه نقطة بالتعادل 1 - 1.

«الشرق الأوسط» (عمان)
رياضة عالمية فرحة لاعبي الأرجنتين بهدف مارتينيز (أ.ف.ب)

تصفيات كأس العالم: الأرجنتين تبتعد في الصدارة... والبرازيل تتعثر بنقطة الأوروغواي

قاد المهاجم لاوتارو مارتينيز المنتخب الأرجنتيني إلى الفوز على ضيفه البيروفي بهدف دون رد، الثلاثاء، في الجولة الـ12 من تصفيات أميركا الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (مونتيفيديو)

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
TT

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)

قال باولو فونيسكا مدرب ميلان المنافس في دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم الجمعة، إن الفوز على فينيتسيا بعد ثلاث مباريات دون انتصار هذا الموسم، بنفس أهمية مواجهة ليفربول أو غريمه المحلي إنتر ميلان.

ويتعرض فونيسكا للضغط بعدما حقق ميلان نقطتين فقط في أول ثلاث مباريات، وقد تسوء الأمور؛ إذ يستضيف ليفربول يوم الثلاثاء المقبل في دوري الأبطال قبل مواجهة إنتر الأسبوع المقبل. ولكن الأولوية في الوقت الحالي ستكون لمواجهة فينيتسيا الصاعد حديثاً إلى دوري الأضواء والذي يحتل المركز قبل الأخير بنقطة واحدة غداً (السبت) حينما يسعى الفريق الذي يحتل المركز 14 لتحقيق انتصاره الأول.

وقال فونيسكا في مؤتمر صحافي: «كلها مباريات مهمة، بالأخص في هذا التوقيت. أنا واثق كالمعتاد. من المهم أن نفوز غداً، بعدها سنفكر في مواجهة ليفربول. يجب أن يفوز ميلان دائماً، ليس بمباراة الغد فقط. نظرت في طريقة لعب فينيتسيا، إنه خطير في الهجمات المرتدة».

وتابع: «عانينا أمام بارما (في الخسارة 2-1)، لكن المستوى تحسن كثيراً أمام لاتسيو (في التعادل 2-2). المشكلة كانت تكمن في التنظيم الدفاعي، وعملنا على ذلك. نعرف نقاط قوة فينيتسيا ونحن مستعدون».

وتلقى ميلان ستة أهداف في ثلاث مباريات، كأكثر فرق الدوري استقبالاً للأهداف هذا الموسم، وكان التوقف الدولي بمثابة فرصة ليعمل فونيسكا على تدارك المشكلات الدفاعية.

وقال: «لم يكن الكثير من اللاعبين متاحين لنا خلال التوقف، لكن تسنى لنا العمل مع العديد من المدافعين. عملنا على تصرف الخط الدفاعي وعلى التصرفات الفردية».

وتابع فونيسكا: «يجب علينا تحسين إحصاءاتنا فيما يتعلق باستقبال الأهداف، يجب على الفريق الذي لا يريد استقبال الأهداف الاستحواذ على الكرة بصورة أكبر. نعمل على ذلك، يجب على اللاعبين أن يدركوا أهمية الاحتفاظ بالكرة».