إهمال البنية التحتية والفساد يهددان حياة العراقيين

TT

إهمال البنية التحتية والفساد يهددان حياة العراقيين

يؤدي الإهمال في البنى التحتية والفساد إلى حوادث مأساوية متكررة في العراق. هذه المرة حصدا شابين حاولا إنقاذ طفل سقط في فتحة للصرف الصحي وسط مدينة البصرة جنوب البلاد، ما أثار موجة استياء عارمة لدى السكان.
وقعت الحادثة مساء الخميس الماضي في وسط حي الموفقية الشعبي، وأدت إلى وفاة الشابين اللذين ضحيا بحياتهما والطفل البالغ من العمر سبع سنوات وإصابة أربعة آخرين.
وأوضح مسؤول في الشرطة أن ستة من الشباب هرعوا لإنقاذ طفل كان يسير من دون انتباه، وسقط داخل فتحة مجاري. وأضاف أن «اثنين من الشباب اختنقا داخل المجاري وتوفيا على الفور، فيما نجا أربعة آخرون لكنهم بحالة خطيرة، ويرقدون في مستشفى الفيحاء». وأفاد مصدر طبي بأن الشابين عادل الساري وعماد الربيعي توفيا نتيجة اختناق بالغازات داخل فتحة المصرف، إضافة إلى الطفل كرار الشمري.
وعزا سكان في البصرة الواقعة إلى «المشاريع الفاسدة والوهمية» التي يعاني منها العراق. وقال الناشط أحمد عبد الصمد في فيديو نشره على صفحته: «نحن اليوم أمام جريمة مروعة وقعت بسبب المشاريع الفاسدة... ثلاثة أشخاص قتلوا بسبب غطاء مصرف أيتها الشركات الفاسدة. ما ذنب هؤلاء الذين تركوا وراءهم زوجات وأطفالاً؟». وأضاف أن «الحادث مأساة كبيرة. كتب على العراقيين الموت، إما بالحشد أو بطلقة أو بمنهول (مصرف).... كل ما نطلبه أن نموت بشكل طبيعي».
وقال شقيق أحد الضحايا في فيديو بثه عبد الصمد، وهو يتكلم بغضب شديد، إن الحادثة وقعت أمام محله. وأضاف: «منذ أسبوع ونحن نطالب البلدية بتوفير غطاء للفتحة لكنهم يقولون لنا: اجلبوا لنا كتاباً رسمياً... هل جلب غطاء (منهول) بحاجة إلى كتاب رسمي؟».
وزارت وكالة الصحافة الفرنسية مجلس عزاء عماد الربيعي في منزله، وتحدثت إلى شقيقه إياد الربيعي الذي أجهش بالبكاء قائلاً: «هل يعقل بسبب الإهمال أن يتوفى أخي، وهو أب لثلاثة أطفال وينتظر مولوداً... كل هذا بسبب البيروقراطية. البلدية كانت ترفض جلب غطاء إلا بعد طلبات للمجلس البلدي وسلسلة طويلة من المراجعات».
وبحسب سكان، كانت الفتحة مغطاة بصفيحة معدنية لحظة سقوط الطفل. وقال مسؤول بلدية الموفقية نجاح شاكر: «نواجه تحدياً بسبب سرقة أغطية فتحات المجاري». وأضاف أن الفتحة التي سقط فيها الضحايا «قمنا بتنظيفها قبل 10 أيام، لكن تبين أن الغطاء سقط داخل (المنهول) ولا نعرف كيف حدث ذلك».
وهذه ليست الحالة الأولى، فقد تكررت مشاهد سقوط سيارات في مشاريع المجاري، خصوصاً غير المنجزة، إضافة إلى حوادث أخرى. ففي نهاية الشهر الماضي توفي عقيد في الشرطة إثر محاولته إنقاذ شاب وقع في إحدى فتحات الصرف الصحي لمشروع قيد الإنشاء في الديوانية جنوب بغداد.
وقال قائد شرطة الديوانية اللواء فرقد العيساوي إن «العقيد حسين منفي توفي إثر محاولته إنقاذ الشاب علي فرحان، بعد أن سقط في إحدى فتحات الصرف الصحي لمشروع مجاري الديوانية قيد الإنشاء بعد أن شاهده الضابط يسقط من خلال كاميرات المراقبة المنزلية في حي الصدر بمركز مدينة الديوانية».
وكان «مشروع مجاري الديوانية الكبير» أحيل إلى شركة «الرافدين» العامة التابعة لوزارة الموارد المائية، بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء قبل سبع سنوات، بمبلغ 218 مليار دينار عراقي لإنجازه في ثلاث سنوات.
وهناك أكثر من 5 آلاف عقد وهمي بلغت المبالغ المهدورة فيها 228 مليار دولار، فيما تعيش مدينة البصرة التي تعتبر رئة العراق الاقتصادية، والتي تنتج معظم نفط البلاد، وسط نقص كبير في الخدمات.
وبيّن رئيس لجنة الخدمات في مجلس محافظة الديوانية جعفر الموسوي أن «الشركة متخصصة في إنشاء السدود فقط، وغير متخصصة في إنشاء مشاريع شبكات مجاري المياه الثقيلة». وفي عام 2015 توفيت طفلة بعد أن سقطت في إحدى فتحات الصرف الصحي أيضاً للمشروع نفسه وفي المنطقة ذاتها.
وبحسب تقرير الشفافية العالمي، يعتبر العراق واحداً من البلدان الأكثر فساداً في العالم، ويحتل المركز 166 في قائمة من 176 دولة بعلامة 17 من مائة. ويندد العراقيون منذ سنوات بالإهمال المالي الذي يدمر البلاد، ويفكك بنيتها الأساسية رغم استثمارات بمليارات الدولارات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.