دار نشر مصرية تهتم بـ«الإبداع النسائي» فقطhttps://aawsat.com/home/article/1297541/%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%87%D8%AA%D9%85-%D8%A8%D9%80%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%8A%C2%BB-%D9%81%D9%82%D8%B7
ظهرت «هن» المصرية، إلى النور منذ عامين تقريبا، وأصدرت حتى الآن ما يزيد على خمسة وثلاثين عملاً إبداعياً بين الشعر والقصة والرواية، لكاتبات مصريات وأخريات من سوريا والمغرب والجزائر وتونس. وفي حوار لنا معه عن فكرة إنشاء مثل هذه الدار، ومغامرة إطلاقها، يقول الروائي المصري رجائي موسى، مؤسس «هن» ومديرها المسؤول: «أنشأت الدار بعد تعثر الثورة المصرية، وانكسار حلم التغيير والحرية، وسيطرة التيار الديني، وما جرى بعد ذلك من صراعات. كانت (هن) ضرورية في تلك الظروف للتماسك، والتشبث بالذات والحياة. كانت كل الخيارات المطروحة مكلفة، لذا اتجهت لتأسيس (هن)، لأنقذ نفسي من التشتت والإحساس بالضياع». وأشار موسى إلى أن الفكرة الأساسية لإنشاء الدار جاءت بعد قراءة رواية الكاتبة الإيرانية آذر نفيسي «أن تقرأ لوليتا في طهران»، التي تتحدث عن وجود دار نشر نسوية فرنسية في سبعينات القرن العشرين، أنشأتها سيدة في فرنسا، «وقتها قلت لماذا لا أقوم بعمل مشروع، يهتم بكتابات النساء هنا، وفي العالم العربي أيضاً، بالطبع هناك تيارات أخرى ما بعد النسوية ظهرت في العالم كله، تجاوزت فكرة هذه الدار». ويذكر موسى أنه مهتم شخصياً منذ زمن بالفلسفة النسوية وما بعد النسوية، وكتب مقالاً في هذا الشأن، يعتبره من أهم مقالاته في عام 2007 اسمه «لماذا نحدق في النساء»، وقبل ذلك كتب دراسة «فيما هو نسوي وما هو ذكوري»، مستوحيا تعويذة جلب المطر في أساطير جنوب أفريقيا. يقول: «تذهب الأساطير إلى أن هناك جماعتين إثنيتين هما السَان، والهيتنتوت، أطلق عليها الهولنديون (البوشمان)، أي رجال الكوخ، وهي تسمية غير حقيقية، استعمارية في أساسها، المهم أن هاتين الجماعتين، يقسمون المطر، قسمين، أحدهما ذكوري وهو مدمر، والآخر أنثوي وهو مطر ناعم يرمز للخير والنماء، ويفيد الزرع والحيوانات والطيور والبشر، ولديهما تعاويذ وطقوس خاصة لاستجلابه، وهم رغم ذلك ليسوا في حالة كراهية للمطر الذكوري، لكنهم يفضلون المطر الأنثوي، وهو مرتبط ببنية الميثيولوجيا لديهما. وقد أعددت رسالة الماجستير عن (أساطير السَان)، وهذا يعكس اهتمامي وشغفي بكل ما هو أنثوي، بمعنى ما هو مجهول وغامض وقادر على أن يفكك بنية مستقرة وراسخة، ملخص ما أريد أن أقوله أن تأسيس (هُن) لم يكن بعيدا عن اهتماماتي بالفلسفة النسوية، كجزء من النظرية المعرفية التي ارتبطت بالتفكيك لديَّ». ويضيف: «قمت أيضا من أجل دعم الفكرة من الدار بكتابة شعار (خطوة عزيزة) على السلم المؤدي لها، وهي كلمة يستقبلك بها المصريون دائما عند زيارتهم في بيوتهم، خاصة في الجنوب، ليشعروك بالراحة، وكم السعادة التي يحصلون عليها من وجودك بينهم، كما سعيت لتأسيس الدار بمعمار رحب، لتأخذ شكلاً مريحاً ورحباً مثل أرواح النساء، وهنا تجد كل شيء من خامات بكر لم يتدخل فيها أي عنصر آخر، حتى المقاعد تجدها دون طلاء، لتعكس لون الخشب الأصلي بعيداً عن أي زيف أو ألوان مستعارة، تفقده طابعه الأصلي». ويطمح موسى إلى ترجمة التراث النسوي في الكتابة الأميركية، والغربية عموماً، فضلا عن الكاتبات الغربيات الأصل، وكل هذا يتمنى أن يجد طريقة للنشر في دار «هن». وسبق للدار أن قدمت كاتبات عربيات مثل التونسية أمل خليف، وسماح اليوسفي «المخطوط» والشاعرة السورية ديما حسون، والجزائرية عنفوان فؤاد.
عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟https://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/5098584-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%87-%D8%AE%D8%A7%D9%84-%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81-%D9%86%D9%85%D9%88%D9%87%D8%9F
كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.
ثنائية الركض والزحف
ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.
يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.
البداية المُزاحة بالاستطراد
هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.
وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية
بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.
الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز
لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».
في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.
وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.
غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»
لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».
لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.