قضاة يباشرون الإشراف على العد والفرز اليدوي

TT

قضاة يباشرون الإشراف على العد والفرز اليدوي

فيما قدمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق طعنا إلى المحكمة الاتحادية بقانون التعديل الثالث للانتخابات الذي صوت عليه البرلمان العراقي في جلسة استثنائية الأسبوع الماضي فقد أعلنت السلطة القضائية عن تسمية 9 قضاة للإشراف على عملية العد والفرز اليدوي للانتخابات العراقية التي من المقرر أن تبدأ في غضون يومين طبقا لما أعلنه عضو المفوضية سعيد كاكائي.
وقال القاضي عبد الستار بيرقدار المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى في بيان له أمس إن «جلسة مجلس القضاء الأعلى شهدت تسمية القضاة المرشحين للانتداب للقيام بصلاحيات مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حسب أحكام المادة (4) من قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات والقضاة المرشحين لإشغال مهمة مديري مكاتب المفوضية في المحافظات». وأضاف البيرقدار أن «المجلس عقد جلسته برئاسة القاضي فائق زيدان وبحضور جميع أعضائه واستضاف فيها مدير دائرة العمليات ومدير عام الدائرة الإدارية ومدير الشكاوى في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»، لافتا إلى أن الجلسة «جاءت للوقوف على طبيعة عمل المفوضية وموجز للشكاوى التي أثيرت بخصوص انتخابات مجلس النواب».
إلى ذلك كشف عضو مجلس المفوضين سعيد كاكائي إن «العد والفرز لأصوات الناخبين سيبدأ يوم الأربعاء أو الخميس المقبلين». وقال كاكائي إن «عملية العد والفرز اليدوي لأصوات الناخبين ستتم بإشراف قضاة لكل محافظة». وأشار إلى أن «9 قضاء تم انتدابهم بدلا من المفوضية للإشراف على تعديل قانون الانتخابات الذي أقره مجلس النواب مؤخراً». وأكد كاكائي أن «10 آلاف موظف سيقومون بالعد والفرز لأكثر من 10 ملايين صوت ضمن 53 صندوقا للانتخابات التي جرت في 12 مايو (أيار) الماضي بإشراف الأمم المتحدة».
من جهته عد حسن توران نائب رئيس الجبهة التركمانية وعضو البرلمان العراقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطوة التي أقدم عليها مجلس القضاء الأعلى بانتداب قضاة للقيام بمهمة العد والفرز اليدوي تعد خطوة مهمة وممتازة وفي وقتها المناسب بعد أن ثبت للجميع وجود خروقات وتزوير لم يعد ممكنا السكوت عليه». وأضاف توران أن «التزوير شمل كل العراق سواء كان في الداخل والخارج لكن كان في محافظة كركوك هو الأشد وطأة الأمر الذي أدى إلى بدء عملية الاعتصام المفتوح التي استمرت نحو 29 يوما ولم تنته إلا بعد إعلان مجلس القضاء أخذه المهمة على عاتقه بعد أن فقدنا الثقة بالمفوضية».
وردا على سؤال فيما لو استمرت عملية العد والفرز بعد الثلاثين من هذا الشهر حيث يتوقف عمل البرلمان واحتمال الوقوع في فراغ دستوري، قال توران إن «استمرار العمل بالعد والفرز بعد هذا التاريخ ليس مشكلة بحد ذاته لأننا سبق أن مررنا بحالات مشابهة، حيث إنه في حال توقف عمل البرلمان عند نهاية مهلته الدستورية فإن الحكومة تستمر بوصفها حكومة تصريف أعمال فقط».
في السياق نفسه، يقول النائب عن محافظة نينوى أحمد الجبوري، وهو أحد الفائزين في الانتخابات، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «التزوير في هذه الانتخابات أمر واقع وبالتالي لا بد من الوقوف بوجهه حتى لا نؤسس كل شيء على خطأ بصرف النظر إن كان المرء خاسرا أم فائزا في الانتخابات». وأضاف الجبوري أن «فوزي في الانتخابات لا يعني عدم وقوفي إلى جانب الحق يضاف إلى ذلك أن الكيان السياسي الذي أنتمي إليه (تمدن) تضرر بسبب التزوير حيث إنه يستحق أكثر من مقعد بعد». ولفت الجبوري إلى أن «هناك نوابا فازوا بالفعل لكنهم لم يفوزوا نتيجة استحقاق بل بسبب التزوير ولا بد من الوقوف ضدهم أيضا بينما هناك نواب خسروا نتيجة التزوير وهذا كله لا يصب في مصلحة العدالة».
إلى ذلك أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن قيام رئيسها معن الهيتاوي برفع دعوى قضائية ضد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري للطعن بالتعديل الثالث لقانون الانتخابات. وجاء في الدعوى المرفوعة إلى المحكمة الاتحادية أن «القانون الذي صوت عليه مجلس النواب مخالف للدستور حيث تم إصدار هذا القانون في جلسة استثنائية عقدها المجلس وبقيت مفتوحة في مخالفة صريحة لأحكام المادة 8 أولا من الدستور». وأشار إلى أن «قانون التعديل الثالث للانتخابات لم يتم إرساله إلى رئاسة الجمهورية ومن ثم نشره بالجريدة الرسمية حتى يكون نافذا من تاريخ التصويت وعليه فلا يمكن أن يصبح نافذا من تاريخ التصويت عليه من دون مصادقة رئيس الجمهورية». وعد الهيتاوي أن «إقحام القضاء في عمل المفوضية مخالف للقانون حيث إنه لا يجوز الجميع بين وظيفة القاضي مع أي وظيفة تشريعية أو تنفيذية».



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.