برنارد لويس... بطريرك الاستشراق

غرس بذور الأصولية وحصد الغرب من ورائه مرارة الكراهية

برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)
برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)
TT

برنارد لويس... بطريرك الاستشراق

برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)
برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)

ربما لم يثر رحيل أحد من المفكرين الكبار مؤخرا ضجة مثل تلك التي أثارها رحيل برنارد لويس الأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون الأميركية، والملقب ببطريرك الاستشراق منذ أن وضع رسالته العلمية الأولى عن «الطائفة الإسماعيلية وجماعة الحشاشين»، وقد اشتهرت مؤلفاته الكثيرة من عينة «العرب في التاريخ»، «الإسلام والغرب»، «تشكيل الشرق الأوسط الحديث»، «الإسلام في التاريخ»، «يهود الإسلام»، «مستقبل الشرق الأوسط»، «ما الخطأ»، «أزمة الإسلام».
الملاحظ أن لويس المولود في إنجلترا لعائلة يهودية اشكينازية من الطبقة الوسطى قد وضع في بدايات حياته منطقة الشرق الأوسط والدين الإسلامي كهدف بحثي رئيسي لمنهجه على أمل أن يصل ذات يوم إلى رقي أفكار أستاذه المستشرق الفرنسي الكبير «لويس ماسينيون» في تاريخ الشرق الأوسط.
غير أنه حين اندلعت الحرب العالمية الثانية ترك لويس مسار التعلم الجامعي الذي كان قد بدأه للتو ليعمل ضابطا في الاستخبارات العسكرية البريطانية، ثم عاد غداة انتهاء الحرب إلى منصبه كأستاذ محاضر في جامعة لندن، رغم أن الكثيرين من معارفه يؤكدون على استمرار صلاته بالمؤسسة الاستخباراتية البريطانية ومن بعدها الأميركية حتى وفاته.
أحد الأسئلة التي واكبت حياة لويس وربما تبعت موته: «لماذا حمل الرجل على العالم الإسلامي وعلى المسلمين على هذا النحو، فقد كان سببا رئيسيا في تنامي التيارات الأصولية اليمينية في الداخل الأميركي من جهة، عطفا على أنه يعد صاحب فكرة أسلمة أوروبا، الأمر الذي استدعى صحوة التيارات القومية واليمينية الأوروبية، تلك التي نجح بعضها، فيما البعض الآخر على الطريق في الوصول إلى مقاعد الحكم في عدد من الدول الأوروبية؟
الجواب مرتبط ارتباطا جذريا بهوية لويس وهل كان الرجل مفكرا ومؤرخا، أم منظرا لسياسات إمبريالية بعينها، خدمت المنطلقات الغربية في التعاطي مع الشرق الأوسط خاصة، والإسلام عامة حول العالم وطوال أكثر من سبعة عقود أضحى فيها لويس مثل الإله الروماني «جانوس» الذي يحمل وجهين... إنسانا وإلها، فقد عرج لويس كثيرا بين دور المؤرخ الذي يتحتم عليه الموضوعية والحياد حين تناوله قضايا التاريخ، وبين صاحب الرأي المنحول عادة والذي يحمل عداء مجانيا للعرب والمسلمين، ويضعهم في أسفل السلم الإنساني، في رؤية عنصرية قريبة جدا من السلم البشري الذي قال به هتلر ذات مرة ووضع فيه القرود في درجة مرتفعة عن الهنود.
لا يمكن بحال في بضعة سطور أن نناقش آراء لويس وأطروحاته والتي تصدى وتحدى لها عدد كبير من رجالات الفكر العربي، وجميعهم يذهب في طريق نقد أو نقض آرائه العنصرية، غير أن ما يهمنا هنا هو التركيز على الدور الذي لعبه في تأجيج نيران الكراهية التي ولدت وأشعلت تاليا ظاهرة الإسلاموفوبيا في قلوب ونفوس شرق الأطلسي وغربه منذ ستينات القرن الماضي.
عرف جيدا لويس وهو ربيب الاستخبارات البريطانية التي تمثل العقل الكبير للمؤسسة الغربية في تعاطيها مع الشرق وجله إسلامي أن العدو لا بد منه لكي تبقى الشعوب متيقظة، وعليه فإنه أصل بشكل واسع لحتمية تاريخية - وإن كانت حتمية زائفة – مفادها عداوة الإسلام للمسيحية واليهودية، ورفض الإسلام لغيره من الأديان والثقافات، ومن هنا بسط لا سيما في عقول العوام فكرة عداء المسلمين للسامية، وفي وقت تلا الحرب العالمية الثانية حيث كان العالم لتوه قد خرج من واحدة من أشد النكبات الإنسانية التي ارتكبها الغرب الذي يطلق عليه مجازا «المسيحي» ضد اليهود في اوشفيتز، تلك المحرقة التي أدانها العالم الإسلامي قديما وحديثا.
هيأ لويس الأرضية لفكرة العداء التاريخي من قبل المسلمين لكل ما هو غربي يهودي أو مسيحي، بل يرجع إليه تعبير «كفاح المسلمين الألفي» بمعنى نوايا المسلمين لإعلان الحرب على العالم المغاير لهم دينيا، لا سيما الحاضنات الأوروبية والأميركية والتي يمكن لها أن تستمر لألف عام حتى يتمكنوا من غزو شعوب تلك الدول وأسلمتها، وهو ما جعل حالة القلق النظري تنتقل في لحظة زمنية معينة إلى حروب وأخبار حروب.
حجر الزاوية الذي أرساه لويس كتب عليه أن المسلمين أقوام لا يحسنون استيعاب ما اقتبسوه من الغرب، وقد تناسى عمدا وهو المؤرخ بالضرورة ما كان من فضل سابق للحضارة العربية على أوروبا، أو كيف ساهم العلماء العرب في رفع شأن مستوى الحياة الغربية عبر الاختراعات والمكتشفات التي قدموها للإنسانية دون الوقوف عند عرق بعينه أو شعب بذاته.
اتهامات لويس العنصرية تمضي في سياق العرب الذين باءت – على حسب تقديره - مساعيهم للحق بركب المدنية الحديثة، مدنية الغرب، بالفشل الذريع فراحوا يبحثون عن «كبش فداء»، هنا وهناك، لتبرير تخلفهم، وعجزهم وقصورهم، ويصبون جام غضبهم على الغرب، دون أن يدركوا ما وقعوا فيه من أخطاء تتمثل في رفض الحضارة الغربية والعداء للسامية وينتهي إلى نتيجة واحدة، قاسية كلماتها... المسلمون أوغاد بطبعهم، يكرهون الآخر، ويرون ذبح الغرب واليهود أمرا طبيعيا لتعويض الدونية والقصور الذي يعيشونه في حاضرات أيامهم.
حين نطلق على لويس بطريرك الاستشراق فمرد ذلك أن الكثير مما قال به مرفوض من وجهة النظر التاريخية، سيما وأنه يضع المسلمين في قالب ثابت سرمدي لا يتغير ولا يتبدل، مهما تغيرت الظروف البيئية أو تعدلت الأجواء الإنسانية.
أفضل من قدم أطروحات لنقد لويس اثنان، آلان جريش الكاتب والصحافي الفرنسي الشهير، والآخر الدكتور إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الأصل العروبي النزعة والأميركي الجنسية.
تهكم «جريش» طويلا على لويس بالقول بأنه يتوجب على علماء البيولوجيا ووظائف جسم الإنسان، البحث عن «جينة الإسلام»، بمعنى أنه لدى المسلمين فقط دون غيرهم هذه الجينة التي تحمل بذور العنف والشر والكراهية، بل والتخلف والفوضى، وهي لا توجد عند غيرهم من شعوب العالم.
يؤكد جريش أن لويس هو الأب الروحي لـ«صموئيل هنتنغتون» صاحب رؤية صدام الحضارات، سيما وأن كليهما يخلص إلى أن العرب والمسلمين يكرهون الغرب ليس بسبب أفعال الشعوب الفرانكوفونية أو الأنجلوفونية، بل لأنهم يرفضون قيم الحرية بعد أن فقدوا قوتهم وقدرتهم ومنعتهم التي كانت لهم في التاريخ يوما ما.
القول المتقدم لبرنارد لويس قول مزيف جملة وتفصيلا، ذلك أن هناك من المبررات العقلية التي دفعت جزءا كبيرا من العرب والمسلمين لرفض منهجية الغرب السلطوية الكثيرة جدا.
على سبيل المثال لا الحصر هل كان تأميم شركة قناة السويس في مصر بسبب كراهية المسلمين للغرب؟ هل الانتفاضات الفلسطينية ضد سلب أراضيهم سببها تلك الكراهية؟ المقاومة للاحتلال الأميركي للعراق هل سببها الحقد الأخلاقي أو الآيديولوجي؟ بل الصراع في كوسوفو والبوسنة هل كان منشأه فقدان مشاعر الود وإحلال الكراهية موضعها وموقعها؟
الرفض العربي والإسلامي منطقه غالبا الظلم التاريخي الذي حاق بالمنطقة وشعوبها عبر مرحلتين استعماريتين الأولى بقوة السلاح في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، والمرحلة الثانية ماضية قدما إلى اليوم والاحتلال فيها بأدوات وآليات مغايرة منها الإعلامي وفيها الاقتصادي، وتسخير المجتمع الدولي لتحقيق رغبات الكبار.
كارثية لويس التي فضحها بمنهجية علمية وعقلانية الراحل الدكتور إدوارد سعيد تتصل بالتنميط القاتل للعالم الإسلامي وللمسلمين، فقد وضعهم لويس جميعا في سلة واحدة عبر حالة استاتيكية، بمعنى أنهم لا يتغيرون ولا يتبدلون عبر الأزمنة أو الأماكن، فيما يشبه الجمود الحتمي وكاهل الكهف وصاحبهم الرقيم، الأمر الذي يجافي وينافي حركة التاريخ.
كتب سعيد ذات مرة مقالا يتوجب الرجوع إليه وقراءته بعين محققة ومدققة من جديد، وقد كان عنوانه: «الإسلام من خلال عيون غربية» يشير فيه إلى الدور الكارثي الذي لعبه لويس وأمثاله من تلك الجماعة التي تفتخر بأنها نخبة الغرب الفكرية، ذلك أنه كان ملقى على عاتقهم توضيح صورة الإسلام والمسلمين بطريقة علمية موضوعية وتهذيبها في عيون الشعب وكذا صناع القرار، إلا أن هؤلاء جذروا الصورة المشوهة والمغلوطة للإسلام كتهديد للغرب من رؤية «زيجينو بريجنسكي» في خلال الأزمات إلى نظرية لويس عن عودة الإسلام، وكلهم يجمعون على رسالة واحدة «.. الإسلام ضد الإنسانية ومعاد للسامية ولا عقلاني».
خلال عقود كان لويس هو العقل المفكر للدولة الأميركية العميقة، والحديث في هذا السياق يحتاج إلى مؤلفات قائمة بذاتها، ويكفي الإشارة إلى أنه الرجل الذي تحدث إلى الكونغرس الأميركي باكرا جدا عن حتمية تفكيك الشرق الأوسط ودوله بصورتها الحالية وإعادة خلق واقع جيوسياسي مغاير، اصطلح البعض على تسميته «سايكس بيكو 2»، كان ذلك عام 1983. وفيما يؤكد لنا الدور الكبير في تأجيج أصولية المنطقة فقد عمد لويس إلى ضرورة استخدام الجماعات التي كان هو أول من أطلق عليها في منتصف سبعينات القرن الماضي «جماعات الإسلام السياسي» كمخلب قط لإسقاط دول المنطقة، الأمر الذي يعود بنا إلى دائرة تاريخية قديمة تربط بين الاستخبارات البريطانية والجماعات الأصولية في الشرق الأوسط بدءا من الإخوان المسلمين مرورا بالقاعدة ووصولا إلى «داعش».
والأكثر غرابة أن الرجل يستثني دولتين من مصير التفخيخ المحتوم... إسرائيل وتركيا ويشير إلى أنه ينبغي الحفاظ على استقرارهما وقوتهما واستقلالهما والاعتماد عليهما. المسطح يضيق عن الاستطراد ويدفعنا دفعا إلى الرحيل إلى أوروبا تلك التي أرعب لويس سكانها وألقى بهم في يم الأصولية المتطرفة حين سطر مقاله المنحول أيضا في صحيفة الواشنطن بوست: «أوروبا والمسلمون: ناقوس الخطر القادم»، حيث هدد الأوروبيين بأن قارتهم العجوز سوف تضحى قارة مسلمة مع العقود القادمة، وبحلول نهاية القرن الحادي والعشرين على أقصى تقدير، وعنده أن الأعداد المتزايدة من المهاجرين المسلمين إلى أوروبا سوف تفعل فعلها وبخاصة في ظل ميل المسلمين لإنجاب أكبر عدد من الأفراد، إضافة إلى تأخر الأوروبيين في سن الزواج وعزوفهم عن الإنجاب، أو في أفضل الأحوال إنجاب طفل واحد.
أدخل لويس الذعر في نفوس الأوروبيين حين تناول إشكالية الولاءات السياسية، والهويات التي يمكن أن نطلق عليها الروحية والدينية، إذ روج بين الأوروبيين أن المسلم في أوروبا سيظل ولاؤه وانتماؤه عرقيا دينيا وأيديولوجيا بأكثر من ولائه السياسي، وفي التحليل بهذه الصورة ولا شك ربط بالنتيجة المسبقة وهي أن المسلمين قوة تدمير لا أدوات تعمير، وعليه فإنه هو الأصل في حالة الانتفاضة الأصولية اليمينية التي عرفها الشارع الأوروبي والتي يعتبرها الملايين هناك صحوة في مواجهة موجة الهجوم الثالثة على أوروبا التي تناولها لويس بالتوضيح والتشريح ضمن استعادته لعلاقة أوروبا مع الإسلام عبر خمسة عشر قرنا خلت.
رحل لويس بعد أن زرع بذور الشقاق والفتنة الأصولية من جديد، وكأنه «دو مونتكروتشي» يبعث ثانية من القرون الوسطى، وفي وقت يحتاج العالم فيه للوفاق لا الافتراق وللحوار والجوار عوضا عن الكراهية وإحياء الخصومات.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.