خلفت مقاطعة 3 علامات تجارية في المغرب، احتجاجاً على غلاء الأسعار، تداعيات سياسية باتت تهدد تماسك الائتلاف الحكومي، وتربك التوازنات السياسية، خصوصاً بعدما أجبرت وزيراً على تقديم استقالته.
وتوقعت الصحف المغربية أول من أمس «نهاية حزينة» لحكومة «ضربها زلزال» المقاطعة، في ظل تكهنات بسقوط الائتلاف، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية لـ«عجزه» عن مواجهة الحملة المتواصلة منذ 6 أسابيع.
ويقول المحلل السياسي أحمد البوز لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «المقاطعة هي بمثابة الضربة القاضية لائتلاف حكومي ولد ضعيفاً».
وتستهدف الحملة، التي انطلقت على موقع «فيسبوك» من دون أن يتبناها أحد منذ 20 من أبريل (نيسان) الماضي، محطات توزيع الوقود «أفريقيا»، ومياه «سيدي علي» المعدنية، ومنتجات «سانترال دانون»، من أجل الضغط على هذه الشركات المستحوذة على حصة الأسد من السوق كي تخفض أسعارها.
ولوحت الحكومة في وقت سابق بالملاحقة القضائية في حق مروجي نداءات المقاطعة ما عرضها لانتقادات واسعة. ثم سعت لإقناع المقاطعين بـ«المصالحة»، والكف عن مقاطعة الحليب تحديداً حماية لمصالح الفلاحين الصغار وعمال شركة «سانترال دانون». لكن العديد من المعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي رأوا في هذه الدعوة وقوفاً إلى جانب «الشركات»، بدل الضغط عليها لخفض الأسعار.
وجاءت استقالة وزير الشؤون العامة والحكامة لحسن الداودي من منصبه الأربعاء لتؤكد هذا الشرخ. فقد اضطر الداودي إلى تقديم استقالته بعد موجة من التعليقات الساخرة عقب ظهوره في وقفة نظمها عمال شركة «سانترال دانون» بالرباط، مطالبين بوقف المقاطعة وتدخل الحكومة لحماية مناصب عملهم.
وتوقعت شركة «سانترال دانون» هذا الأسبوع تراجع رقم تعاملاتها للنصف الأول من هذه السنة بـ20 في المائة، معلنة تسريح عمال تربطها بهم عقود عمل مؤقتة، وخفض التزود بالحليب الخام بنسبة 30 في المائة.
ووصفت الصحف المحلية، الداودي، بأنه «وزير أحرقته المقاطعة»، و«شهيد» شركة «سانترال دانون». لكنه ليس الخاسر الوحيد من المقاطعة، إذ يرى المعلق السياسي عبد الله ترابي أن «كل وزراء حزب العدالة والتنمية بات ينظر إليهم كمدافعين عن مصالح حفنة من الشركات الكبرى، بدل أن يمثلوا مصالح ناخبيهم».
وحمل ما سمي «الربيع العربي» عام 2011 هذا الحزب الإسلامي المعتدل إلى رئاسة الحكومة، بعدما قضى سنوات عدة في المعارضة البرلمانية. واستطاع «الإسلاميون» الاستمرار في صدارة المشهد السياسي عندما حققوا فوزاً كاسحاً في انتخابات 2016. لكن إعفاء زعيمهم عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة أضعف الحزب. وتأثرت شعبيته أكثر عندما قبل سعد الدين العثماني الشروط، التي رفضها سلفه لتشكيل الائتلاف الحكومي، وسط تساؤلات حول تماسك فريقه الحكومي.
وفي هذا السياق أشار ترابي إلى أن «حملة المقاطعة تزيد من إضعاف العثماني، الذي جاء أصلاً في ظل ظروف مأزومة».
في المقابل، بات رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، الذي تصفه الصحافة المحلية بأنه «مقرب من القصر»، يتخذ صورة الرجل القوي في الساحة السياسية منذ توليه رئاسة هذا الحزب خريف 2016، وتشكيله تحالفاً من أربعة أحزاب، وفرض شروطه في تشكيل الحكومة. وقد ظل المراقبون إلى وقت قريب يرون فيه رئيس الحكومة المقبل. لكن تداعيات المقاطعة أثرت بشكل كبير في هذا السيناريو. فقد وجد أخنوش نفسه على رأس المستهدفين بالمقاطعة، كونه يملك شركة «أفريقيا» لمحطات الوقود، وموضع جدل حول تضارب المصالح بين ممارسة أنشطة تجارية وتولي مسؤوليات حكومية. وفي هذا السياق يؤكد البوز أن أخنوش «كان يستعد قبل أسابيع فقط ليشكل بديلاً عن حزب العدالة والتنمية، لكن هذا السيناريو لم يعد قائماً اليوم»، فيما يشير ترابي إلى أن «صورته (أخنوش) تضررت بفعل المقاطعة».
ويحاول حزب الأصالة والمعاصرة تحديداً الاستفادة من التداعيات السلبية للمقاطعة على منافسيه السياسيين، ونقلت عنه الصحف المحلية تلويحه بطلب حجب الثقة لإسقاط حكومة «عاجزة» عن مواجهة الأزمة.
ويرى ترابي أن «الظروف الحالية لا تتيح لأي حزب سياسي الاستفادة من ثمار المقاطعة، على العكس من ذلك، أتوقع أن يزداد انعدام الثقة في الأحزاب السياسية والمؤسسات بشكل عام».
وفيما يؤكد البوز أن «هامش تحرك الحكومة يظل محدوداً بالنظر إلى صلاحياتها وعدم جرأتها»، يلاحظ مراقبون أن حملة المقاطعة تثير مجدداً تساؤلات حول مدى قدرة أفرقاء سياسيين، لا يتمتعون باستقلال تام، على مواجهة أزمات مثل الاحتجاجات الاجتماعية التي هزت المغرب السنة الماضية.
«زلزال المقاطعة» يهدد تماسك الائتلاف الحكومي في المغرب
مواطنون ينظرون إلى وزراء حزب «العدالة والتنمية» كمدافعين عن مصالح حفنة من الشركات الكبرى
«زلزال المقاطعة» يهدد تماسك الائتلاف الحكومي في المغرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة