السعودية: إنشاء هيئة عليا للقوى العاملة لإعادة اكتشاف الفرص الوظيفية في القطاع الخاص

توقعات بإحداث 100 ألف فرصة عمل جديدة خلال العام المقبل

الفرص الوظيفية في القطاع الخاص السعودي بدأت بالارتفاع أخيرا («الشرق الأوسط»)
الفرص الوظيفية في القطاع الخاص السعودي بدأت بالارتفاع أخيرا («الشرق الأوسط»)
TT

السعودية: إنشاء هيئة عليا للقوى العاملة لإعادة اكتشاف الفرص الوظيفية في القطاع الخاص

الفرص الوظيفية في القطاع الخاص السعودي بدأت بالارتفاع أخيرا («الشرق الأوسط»)
الفرص الوظيفية في القطاع الخاص السعودي بدأت بالارتفاع أخيرا («الشرق الأوسط»)

تسعى السعودية إلى إعادة تنظيم قطاع القوى العاملة في البلاد، من خلال إنشاء هيئة عليا من المتوقع أن تقود إلى اكتشاف فرص وظيفية أكبر في القطاع الخاص، حيث من الممكن أن تجمع إدارة هذه الهيئة القطاعين العام والخاص، وهي خطوة جديرة بالاهتمام في حال تحقيقها.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي كان قد كشف فيه منتدى الرياض الاقتصادي، أول من أمس، النقاب عن 20 معوقا أمام توطين بعض الوظائف في القطاع الخاص السعودي، مطلقا في الوقت ذاته ثلاث مبادرات جديدة من الممكن أن تتولى الجهات الحكومية في البلاد زمام تنفيذها خلال الفترة المقبلة.
وفي هذا الاتجاه، أكد الدكتور سالم باعجاجة، أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف، لـ«الشرق الأوسط»، أمس؛ أن إنشاء هيئة عليا للقوى العاملة في السعودية يعني مزيدا من التنظيم وتوحيد الآراء والجهود بين القطاعين العام والخاص. وقال: «أتوقع أن تنجح هذه الهيئة في حال إنشائها في إعادة اكتشاف فرص العمل في القطاع الخاص السعودي».
ولفت باعجاجة خلال حديثه إلى أن القطاع الخاص السعودي قادر على إحداث 100 ألف فرصة عمل للمواطنين خلال العامين المقبلين، مشيرا إلى أن إجراءات وزارة «العمل» المتعلقة بدعم توطين الوظائف أسهمت في جزء كبير من زيادة معدلات التوطين.
إلى ذلك، كشفت جلسة العمل الثانية خلال منتدى الرياض الاقتصادي، الذي اختتم أعماله أمس، والتي تناولت دراسة «سياسات العمل وتوطين الوظائف في القطاع الخاص»؛ عن حاجة السوق السعودية إلى إنشاء هيئة عليا للقوى العاملة في السعودية، وسط توقعات بأن تلقى هذه التوصية قبولا ملموسا من قبل الجهات المعنية خلال الفترة المقبلة.
وفي السياق ذاته، كشف استطلاع أعلنت عنه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، في جلسة خاصة خلال منتدى الرياض الاقتصادي، مساء أول من أمس؛ عن أن أكثر من 1500 شخص على مستويات مختلفة من الأعمار والوظائف شملتهم الدراسة أبدوا تباينا في الآراء، حيث يرى 2 في المائة منهم أن السعودية لا تعاني فسادا ماليا أو إداريا، فيما أكد 68 في المائة منهم أن هذا النوع من الفساد منتشر بشكل ملحوظ، فيما أكد 30 في المائة، وهم النسبة المتبقية، أن الفساد موجود لكن بشكل محدود.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» في هذا السياق، إلى أن الفساد في المملكة يعد ظاهرة اقتصادية وليس اجتماعية، بسبب ضخامة الأموال المهدرة، موضحة أن ما يزيد على 70 في المائة من حجم هذا الفساد سببه العقود الحكومية التي يتربع على رأسها قطاع المقاولات.
من جهة أخرى، خلصت دراسة «سياسات العمل وتوطين الوظائف في القطاع الخاص»، التي ناقشها منتدى الرياض الاقتصادي في دورته السادسة، أول من أمس؛ إلى ثلاث مبادرات رئيسة لإنجاح خطط وسياسات التوطين في القطاع الخاص والتغلب على معوقات التوطين. وقد تضمنت المبادرات الثلاث مبررات طرحها، والجهات المعنية بتنفيذها، والآليات المقترحة لترجمتها إلى واقع عملي ملموس.
وتنص المبادرة الأولى التي كشفت عنها الدراسة، على إنشاء هيئة عليا للقوى العاملة في السعودية، يتولى تنفيذ المبادرة خلال ثلاث سنوات مجلس الوزراء، ولجنة وزارية تقوم بوضع التنظيم الإداري للهيئة.
وأشارت الدراسة إلى وجود كثير من المبررات لطرح هذه المبادرة، من أهمها: تعدد مصادر التشريعات الخاصة بتنظيم سوق العمل، وتعدد الأنظمة التي تحكم سوق العمل والحاجة إلى تطويرها بشكل مستمر لمواكبة المستجدات، والحاجة إلى جهة موحدة تختص برسم الاستراتيجيات ووضع السياسات التي تحكم سوق العمل، وضعف التنسيق بين القطاعين العام والخاص فيما يتعلق بتطوير الأنظمة والقوانين، كما أن الشراكة بينهما لا تقوم على نظام مؤسسي، ولا ينجم عنها غالبا نتائج تتوافق مع تطلعات القطاع الخاص، علاوة على وجود مؤشرات تتعلق بظهور توطين غير حقيقي، وعدم مواءمة مخرجات النظم التعليمية والتدريبية لاحتياجات سوق العمل، والتستر التجاري الذي يعد واحدا من أبرز معوقات التوطين في القطاع الخاص.
كما تتضمن مبررات المبادرة الحاجة إلى سياسات عامة وبرامج لإعادة تأهيل وتدريب القوى العاملة الوطنية، وعدم مراعاة الاختلاف بين مناطق المملكة من راسمي السياسات والبرامج وصناع القرار، إضافة إلى حاجة السياسات والبرامج القائمة للمراجعة والتقويم المستمر.
ووضعت الدراسة عددا من الآليات لتنفيذ المبادرة، تتضمن: توحيد مصادر رسم الاستراتيجيات ووضع السياسات وتطوير الأنظمة التي تحكم سوق العمل، ومعالجة ضعف التنسيق بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل الشراكة بينهما بشكل مؤسسي، وضمان التجانس بين السياسات التي تنظم سوق العمل، وتطوير الأنظمة والتشريعات لضمان مواكبتها متغيرات العصر، واعتماد السياسات والبرامج والقرارات ومنحها الصبغة النظامية بعد التأكد من توافقها مع الأنظمة، وتقييم التنظيمات والتشريعات التي تسهم في الكشف عن التستر، والإسهام في تطوير الأنظمة الحكومية ذات الصلة (المشتريات والمنافسات) بما يكفل تقديم مميزات نسبية للشركات والمؤسسات التي حققت معدلات عالية في توطين الوظائف، والمراجعة والتقويم المستمر لسياسات وبرامج التوظيف، بما في ذلك سياسات الدعم والتحفيز، وتبني سياسة إعادة التأهيل والتدريب والإحلال للقوى العاملة.
وتتعلق المبادرة الثانية بالتحفيز والمشروعات الحكومية، وتتولى تنفيذها وزارة المالية من خلال صندوق الاستثمارات العالمية، ووزارة العمل من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية، علاوة على وزارة التجارة والصناعة، ويتم تنفيذها على مدى خمس سنوات.
وتنبع مبررات المبادرة من الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، وتشبع القطاع العام وعدم قدرته على استقطاب أعداد كبيرة من الباحثين عن العمل، وتقوية وتوسيع قدرات القطاع الخاص نتيجة تخصيص المشروعات التي تتولى الحكومة تنفيذها بعد نجاحها، واعتماد برنامج محفز على فلسفة الدعم بشكل كبير يفوق فلسفة التوظيف وتعزيز الاتكالية لدى شريحة من أبناء وبنات الوطن، كما تعد ميزانية البرنامج ضخمة ومن شأنها تأسيس مشاريع عملاقة قادرة على استقطاب كثير من أبناء وبنات الوطن.
وبينت الدراسة أن تنفيذ تلك المبادرة يتم عبر عدد من الآليات، هي: زيادة تفعيل الاستراتيجية الوطنية للصناعة، ودراسة وتحديد المشاريع الصناعية الاستراتيجية التفضيلية والتحويلية التي يمكن للقطاع الخاص تنفيذها في مناطق محددة في حال توافر التحفيز الحكومي المادي والنظامي، وتشكيل فرق عمل من جهات التنفيذ لتحديد الأنشطة الاقتصادية المستهدفة التي تحقق غاية هذه المبادرة، وإقامة صناعات متطورة مملوكة للدولة ولا يستطيع القطاع الخاص تنفيذها حاليا وتتمتع بميزة نسبية، وموزعة على مناطق المملكة ومدنها بطريقة متناسبة مع أعداد المتعطلين، وأن تكون الأولوية في تدشين هذه المشاريع للمناطق التي تبين أنها تعاني البطالة بشكل يفوق غيرها من المناطق.
وتشمل آليات تنفيذ المبادرة تأسيس مشروعات إنتاجية حكومية تدار وتنفذ بأطر نسائية، ودعم وتشجيع القطاع الخاص على إنشاء مشروعات تدار وتنفذ بالعناصر النسائية، والتوسع في تحمل صندوق تنمية الموارد البشرية جزءا من المزايا المالية للقوى العاملة الوطنية في مثل هذا النوع من المشروعات، وتدشين تلك المشروعات داخل النطاق العمراني ما أمكن، وتشكيل فريق عمل نسائي من أجل العمل على ابتكار أساليب جديدة لتوظيف العناصر النسائية، ودراسة الأفكار والمبادرات المطروحة، وتعميم الاستفادة من التجارب الناجحة على المستويين المحلي والعالمي.
أما المبادرة الثالثة التي تطرحها الدراسة فتحمل عنوان «البرنامج الوطني لتحسين وتطوير بيئة العمل»، حيث إن بيئة العمل المادية والمعنوية هي أحد معوقات توطين بعض الوظائف، ويتولى تنفيذ المبادرة خلال ثلاث سنوات وزارة التجارة والصناعة، ووزارة العمل، والغرف التجارية الصناعية.
وتتمثل مبررات المبادرة في جاذبية القطاع العام للعمالة الوطنية، وتفضيل العمالة السعودية العمل لدى الشركات المتوسطة وما فوق بسبب تفوق بيئة العمل فيها على تلك الأصغر، وعدم ملاءمة بيئة العمل في كثير من منشآت القطاع الخاص للمرأة السعودية، وشعور شريحة من طالبي العمل السعوديين بعدم توافر الأمان الوظيفي في القطاع الخاص. أما آليات التنفيذ فتتضمن: دراسة وتحديد الشروط الخاصة بشغل الوظائف والمواصفات الملائمة للعاملين والعاملات السعوديين من صندوق تنمية الموارد البشرية، وتطوير وتنفيذ أنظمة ولوائح بالمشاركة مع القطاع الخاص تكفل تطبيق المواصفات الملائمة للسعوديين في مكان العمل، وكذلك الجزاءات والمكافآت والحقوق والواجبات لكل من المنشأة والعامل، وتحفيز القطاع الخاص عبر برنامج نطاقات لتبني المواصفات الملائمة للعاملين والعاملات السعوديين في مكان العمل والحوافز اللازمة لزيادة الإنتاج وتحقيق الولاء، ومساهمة القطاع الخاص، ممثلا بمجلس الغرف في إيجاد وحدة تنظيمية هدفها تقديم المشورة في هذا الخصوص.
وتشمل الآليات تصميم حملة تثقيفية بهدف تعزيز الصورة الذهنية الإيجابية عن القطاع الخاص لدى أفراد المجتمع، ووضع المزايا والحوافز لشغل المهن الحرفية والميدانية.
وجاءت تلك المبادرات بهدف القضاء على معوقات توطين الوظائف التي رصدتها الدراسة، حيث لاحظت وجود 20 معوقا، هي: عدم توافر العدد الكافي من السعوديين الراغبين في العمل في بعض المهن أو الأعمال، مثل المقاولات والصيانة والنظافة، وتفضيل بعض المديرين الأجانب والاستشاريين العمالة غير السعودية، وشعور شريحة من طالبي العمل السعوديين بعدم توافر الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، والتستر التجاري الذي يعزز فرص العمالة الأجنبية، وجاذبية الوظائف في القطاع العام، والنظرة السلبية لبعض شرائح المجتمع تجاه بعض المهن الحرفية والأعمال اليدوية، وضعف اللغة الإنجليزية لدى شريحة كبيرة من القوى العاملة السعودية.
كما تتضمن معوقات التوطين: عدم جاذبية الرواتب والعوائد في كثير من الأعمال التنفيذية بالقطاع الخاص، وضعف مرونة القوى العاملة السعودية في قبول مكان التوظيف أو النقل، وارتفاع أجور القوى العاملة السعودية مقارنة بتكلفة القوى العاملة الوافدة، واعتماد بعض القطاعات على العمالة الموسمية المؤقتة التي يصعب سعودتها، ومبالغة القطاع الخاص في شروط شغل الوظائف، وعدم مواءمة مخرجات النظم التعليمية والتدريبية لاحتياجات سوق العمل، وانخفاض إنتاجية القوى العاملة السعودية مقارنة بالعمالة الأجنبية.
وشملت المعوقات سهولة إنهاء عقود عمل العمالة الأجنبية مقارنة بالسعودية، وطبيعة العمل في القطاع الخاص من حيث طول ساعات العمل، وقصر الإجازات مقارنة بالقطاع العام، والانطباع بعدم التزام وجدية الشاب السعودي، والتنقل المستمر للقوى العاملة السعودية من وظيفة إلى أخرى، وسهولة إجراءات استقدام العمالة الأجنبية لمؤسسات القطاع الخاص، والتخوف من تأثير السعودة على القدرة التنافسية للقطاع الخاص.



السعودية تجمع 12 مليار دولار من سندات دولية وسط طلب قوي

ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)
ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)
TT

السعودية تجمع 12 مليار دولار من سندات دولية وسط طلب قوي

ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)
ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)

جمعت السعودية 12 مليار دولار من أسواق الدين العالمية، من أول طرح لها لسندات دولية هذا العام استقطب طلبات بما يقارب 37 مليار دولار، وهو ما يظهر مدى شهية المستثمرين بالأوراق السعودية.

يأتي هذا الطرح بعد يومين على اعتماد وزير المالية محمد الجدعان خطة الاقتراض السنوية للعام المالي 2025، التي أشارت إلى أن الاحتياجات التمويلية المتوقعة لهذا العام تبلغ 139 مليار ريال (37 مليار دولار).

وسوف يستخدم هذا المبلغ في تغطية العجز المتوقع في الميزانية العامة للدولة لعام 2025، والمقدر بحوالي 101 مليار ريال (26.8 مليار دولار)، وسداد مستحقات أصل الدين خلال العام الحالي، والبالغة ما يعادل 38 مليار ريال (10 مليارات دولار).

وقال المركز الوطني لإدارة الدَّيْن في السعودية، في بيان الثلاثاء، إن الشريحة الأولى تضمنت سندات قيمتها 5 مليارات دولار لأجل 3 سنوات، والثانية 3 مليارات لأجل 6 سنوات، والثالثة 4 مليارات لأجل 10 سنوات.

وأضاف أن إجمالي الطلبات بلغ نحو 37 مليار دولار، وهو ما يعادل زيادة في الاكتتاب بنحو 3 أضعاف الإصدار.

وأوضح أن هذه الخطوة تعدّ ضمن استراتيجية المركز الوطني لإدارة الدَّيْن، لتوسيع قاعدة المستثمرين بغرض تلبية احتياجات المملكة التمويلية من أسواق الدَّيْن العالمية بكفاءة وفاعلية.

وأفادت خدمة «آي إف آر» لأخبار أدوات الدخل الثابت، يوم الاثنين، بأن السعر الاسترشادي للسندات لأجل ثلاث سنوات تمّ تحديده عند 120 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، في حين تم تحديد السعر الاسترشادي الأولي للسندات لشريحتي الست والعشر سنوات عند 130 نقطة أساس، و140 نقطة أساس على الترتيب فوق المعيار نفسه، وفق «رويترز».

وذكرت أنه تسنى خفض سعر العائد على سندات الشريحة الأولى، مما يشير إلى شهية قوية من المستثمرين.

وتُعدّ تسعيرة السندات فوق سندات الخزانة الأميركية مغرية في سوق السندات.

ثقة دولية

ووصف خبراء اقتصاديون حصول المملكة على هذا المبلغ، بأنه يؤكد ثقة المستثمرين الدوليين في متانة الاقتصاد السعودي، والخطط المالية للمملكة، وجني الثمار من مبادرات برنامج التحول الاقتصادي، وبرنامج الاستدامة المالية.

وقال أستاذ الاقتصاد بـ«جامعة الملك فيصل» الدكتور محمد القحطاني، لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الخطوة تؤكد عزم المملكة وحرصها على الاستمرار في تنويع أدوات التمويل المحلية والدولية، والاستفادة من ذلك في تمويل مشاريع «رؤية 2030»، وفي تعزيز الثقة الدولية باقتصادها، وتخفيف العبء على الميزانية العامة، وخفض تكاليف الاقتراض.

وأشار إلى أن هذه العملية ستسهم في تخفيف الضغط على موارد التمويل الداخلية، وفي تعزيز مرونة الاقتراض، وفي الجذب القوي للمستثمرين الدوليين، ويتضح ذلك من تجاوز طلبات الشراء على السندات السعودية للمستهدف، ووصولها إلى نحو 37 مليار دولار، لافتاً إلى أن ذلك يعزز من قدرة المملكة على تلبية احتياجاتها المالية بيسر وسهولة للعام الحالي، وعلى توسيع قاعدة المستثمرين، وتعزيز شبكة التمويل العالمية للمملكة، كما يسهم في دخول أسواق جديدة للاستفادة من التمويل الدولي، والتمويل عبر السندات، وبما ينعكس على تسريع وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والنفقات الرأسمالية ضمن أهداف السعودية الاقتصادية.

وأوضح أن بقاء نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي ضمن الحدود المستدامة لنسبة الدين العام بحسب مؤشرات صندوق النقد الدولي، يؤكد على التخطيط السعودي الجيد في وقت مبكر لاحتياجات الحكومة من أدوات الدين منذ بداية السنة المستهدفة، ويسهم في توفير احتياجاتها التمويلية عند الحاجة.

ما بين العجز والإنفاق

من جانبه، قال المستشار الاقتصادي مؤسس مركز «جواثا» الاستشاري، الدكتور إحسان بن علي بوحليقة، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إن الميزانية العامة السعودية لعام 2025 ذات سمة توسعية، وتسعى إلى توفير متطلبات التمويل لبرنامج التنويع الاقتصادي، كما أن عجزها المتوقع يأتي ضمن مستويات الجدارة المعتبرة في منظمة التنمية الاقتصادية والتنمية، ويعد عجزاً اختيارياً.

ويقوم وجوده على المفاضلة بين أمرين: إما الإنفاق وفق ما هو متاح من إيرادات، بحيث يكون هناك توازن تام بين الإيرادات والمصروفات، وعند اتباع هذا الخيار لن تسجل الميزانية عجزاً، لكنها لن توفر احتياجات إنجاز مبادرات «رؤية 2030».

وأضاف أن الخيار الثاني، هو الإنفاق لتمكين تحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030»، وليس وفقاً لما هو متاح من إيرادات واردة للخزانة العامة.

والدافع لذلك أن ما يمول هو برامج مداها حتى 2030 وليس التمويل من عام لعام، فالعام الواحد هو حلقة من سلسلة زمنية ضمن حلقات تبدأ بطموح وتنتهي بتحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030».

وهكذا، فالعام المالي ليس مدى لمستهدف بل وحدة زمنية محاسبية تفيد في التخطيط والتقنين والضبط. وعليه، فالمنظور هو تمويل الإنفاق على مدى «الرؤية»، ومستهدفاتها التي لا تحتمل التأجيل ريثما تسمح إيرادات النفط.

فسحة مالية

وأشار إلى أن السعودية تملك الجدارة الائتمانية للتحرك ضمن فسحة مالية (fiscal space) مريحة، تمكنها من الاقتراض من السوق الدولية بأسعار من بين الأكثر تنافسية، حيث تشهد الإصدارات تغطيات بأضعاف السقف المطلوب استدانته من دون المساس باستدامتها المالية أو بالاستقرار الاقتصادي، وهي إحدى ثمار برنامج التحول الاقتصادي ومبادرات برنامج الاستدامة المالية الذي انطلق في عام 2017 وأعاد هيكلة المالية العامة، والحفاظ على متانة الفسحة المالية والقدرة على الموازنة بين الاستقرار الاقتصادي حتى في أحلك الظروف، كما حصل أثناء «كوفيد - 19» رغم تراجع أسعار النفط، وبين الالتزام بتمويل المبادرات التي انطوت عليها مستهدفات «رؤية 203»، وذلك من خلال المزاوجة بين تدابير مالية على المدى المتوسط، وإصلاحات هيكلية في المدى الطويل.

وتابع أن الحكومة السعودية وظفت هذه الفسحة بالمعايرة بين الاقتراض الداخلي والخارجي حسب الاحتياج، كما أن ثلثيّ الدين العام داخلي وثلثه خارجي، وقد بلغ حتى نهاية الرابع الثالث قرابة 1.2 مليار ريال، وهو ما يعد دون السقف المحدد بـ30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسيبقى عجز الميزانية في المنظور متوسط المدى، ملازماً الميزانية حتى عام 2027، وفقاً لتقديرات وزارة المالية، ولن تتجاوز نسبته 3 في المائة في أي من السنوات، وفقاً لتلك التقديرات.

ولفت إلى أنه من أهم سمات بناء سعة الاقتصاد، الحفاظ على سمة الإنفاق الرأسمالي، إذ من الملاحظ بلوغ الإنفاق الرأسمالي للحكومة 186 مليار ريال في عام 2023، وهو في حدود ما كان مخططاً، ليرتفع في عام 2024 إلى 198 مليار ريال، أي بنحو 6.5 في المائة.

وأشار إلى أن الحكومة السعودية تمارس دوراً محورياً في هذا الجانب، وذلك من خلال ثلاث أذرع؛ الإنفاق الحكومي الرأسمالي، واستثمارات «صندوق الاستثمارات العامة»، والضخ الاستثماري الداعم من صندوق التنمية الوطني والصناديق المنضوية تحت مظلته، بما في ذلك صندوق البنية التحتية، وهو ضخ يقوم على استراتيجية مقرة وذات مستهدفات تسعى إلى تحقيق هدف رئيس محدد، وهو تنويع الاقتصاد عبر تعظيم مساهمة القطاع الخاص.

وقال «صندوق الاستثمارات العامة» الاثنين، إنه حصل أيضاً على تسهيل ائتماني للمرابحة بسبعة مليارات دولار، وهو شكل من أشكال التمويل الإسلامي. وكانت بنوك «سيتي» و«غولدمان ساكس إنترناشيونال» و«جيه بي مورغان» مشترِكة، منسِّقة عالمية ومنظِّمة لإصدار السندات السيادية السعودية.

كما أعلن المركز الوطني لإدارة الدين في الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي ترتيب اتفاقية تسهيلات ائتمانية دوّارة بقيمة 2.5 مليار دولار متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لتمويل احتياجات الميزانية العامة.

وكانت وكالة «موديز» قد رفعت تصنيف المملكة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى «إيه إيه 3»، بعد تصنيف «فيتش» لها عند «إيه +»، وكلاهما مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وقدرة عالية على الوفاء بالالتزامات المالية، مع مخاطر ائتمانية منخفضة.

في حين تصنّف «إس آند بي غلوبال» المملكة عند «إيه إيه - 1» مع نظرة مستقبلية «إيجابية»، وقدرة جيدة على الوفاء بالالتزامات المالية، مع مخاطر ائتمانية منخفضة نسبياً.

وقدّر صندوق النقد الدولي نسبة الدَّيْن العام إلى الناتج المحلي في المملكة عند 26.2 في المائة في 2024، ووصفه بأنه منخفض، وفي حدود يمكن الاستمرار في تحملها.

وذكر أن الاقتراض الأجنبي سيواصل الاضطلاع بدور رئيسي في تمويل العجز، وهو ما يؤدي إلى أن تبلغ نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي نحو 35 في المائة بحلول عام 2029.