«حوار طرشان» بين الرئيس الفرنسي ونتنياهو بخصوص النووي الإيراني

في ثالث لقاء بينهما منذ وصول الرئيس الفرنسي ربيع العام الماضي إلى قصر الإليزيه، سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى التركيز على الملف النووي الإيراني، وتهميش الملف الفلسطيني، والتغطية على الخلافات الفرنسية الإسرائيلية في ما خص الاستيطان والقدس وأحداث غزة، وكلها كانت موضع تنديد فرنسي، وتحديداً من الرئيس ماكرون. بيد أن هذه الخلافات لم تمنع ماكرون من أن يشارك نتنياهو ليلاً في تدشين موسم فرنسا - إسرائيل الثقافي في «القصر الكبير»، القريب من قصر الإليزيه، وأن يشيد بعلاقات الصداقة التي تربط بلاده بإسرائيل.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الفرنسية أدوار فيليب سبق له أن ألغى زيارة كانت مقررة إلى إسرائيل نهاية الشهر الماضي وبداية الشهر الحالي، وكانت حجته «كثرة شواغله» في باريس. إلا أن الأسباب الحقيقية، بحسب مصادر فرنسية، مردها للأوضاع في غزة، والأعداد الكبيرة من القتلى التي وقعت برصاص الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، ولنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وقد استقبلت نتنياهو، أمس، تجمعات مناهضة لزيارته في العاصمة باريس وكثير من المدن الفرنسية الكبرى. كذلك، فإن 3 نقابات صحافية رئيسية أصدرت بياناً مشتركاً نددت فيه بمقتل أكثر من 100 شخص، وإصابة نحو 8 آلاف آخرين بالرصاص الحي، بمن فيهم رجال إسعاف ونساء وأطفال وصحافيين. وطالبت هذه النقابات مجتمعة بالإفراج عن جميع الصحافيين المعتقلين، ووضع حد للقمع الإسرائيلي. واليوم، ينهي نتنياهو زيارته إلى فرنسا متوجهاً إلى لندن، في إطار جولته الأوروبية التي تشمل العواصم الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي مع طهران.
وإذا كان هدف نتنياهو حمل باريس على تغيير موقفها من الاتفاق النووي مع إيران، واللحاق بالرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي نقضه في الشهر الماضي، فمن الواضح أنه لم ينجح. ففي المؤتمر الصحافي المشترك، عاد ماكرون للتأكيد على تمسك باريس بالاتفاق، رغم «النواقص» التي تراها فيه، ورغبتها بـ«استكماله» باتفاق إضافي، يأخذ بعين الاعتبار البرنامج الصاروخي الباليستي لطهران وسياستها الإقليمية المزعزعة للاستقرار ومستقبل نشاطاتها النووية لما بعد عام 2025. ولأن نتنياهو كان يعي أن مسعاه لدفع ماكرون إلى التخلي عن الاتفاق لن يكلل بالنجاح، فقد اعتمد «تكتيكاً» مختلفاً، إذ أكد أنه «لم يطلب من ماكرون ذلك لأن الاتفاق سيزول من نفسه للأسباب الاقتصادية»، في إشارة إلى بدء انسحاب الشركات الفرنسية والأوروبية من السوق الإيرانية، وآخرها شركة «بيجو سيتروين» المصنعة للسيارات.
وحقيقة الأمر أن ما جرى بين ماكرون ونتنياهو بشأن النووي الإيراني كان أشبه بـ«حوار طرشان». فعندما كان نتنياهو يندد بالاتفاق، ويؤكد أنه يتيح لإيران بعد سنوات، إذا ما يقي قائماً، تصنيع عشرات القنابل النووية، كان الأول يبتسم لإظهار عدم موافقته. ولكن الجانبين بينا عن تفاهم بشأن المسائل الأخرى المرتبطة بإيران، مثل سياستها الإقليمية وبرنامجها الباليستي ومستقبل الوضع في سوريا.
وذهب نتنياهو إلى اعتبار أن امتلاك إيران للسلاح النووي «وهو ما يتيحه لها الاتفاق»، كما قال، «سيشكل أكبر تهديد ليس فقط لإسرائيل والمنطقة، بل لأوروبا والعالم كله».
وندد نتنياهو بالاتفاق الذي وفر لطهران «كثيراً من الأموال التي استخدمتها من أجل السيطرة على الشرق الأوسط»، ولكي «تبني إمبراطورية». ومرة أخرى، استخدم نتنياهو حجة لجأ إليها أول من أمس في برلين، إذ اعتبر أن إيران بصدد بناء «جيش شيعي» في سوريا، ليس فقط لمهاجمة إسرائيل، بل أيضاً لـ«تشييع» السنة، ما سيؤدي إلى حرب دينية، وسيدفع الملايين من الناس للهجرة إلى أوروبا.
والخلاصة التي توصل إليها نتنياهو هي أنه على «الأمم الباحثة عن السلام» أن تقف بوجه إيران، وفي مقدمة هذه البلدان أوروبا المعنية بالتهديدات الإيرانية، وآخرها تهديد المرشد الأعلى خامنئي بـ«تدمير إسرائيل».
وأكد نتنياهو أن إسرائيل تعمل على «تعطيل» خطط إيران، خصوصاً في سوريا التي أكد أنه «لا مكان لإيران فيها».
وشكل إعلان طهران عن قرارها زيادة قدراتها لتخصيب اليورانيوم، عن طريق بناء طاردات جديدة، مادة جدل بين ماكرون ونتنياهو. فالأول اعتبر أنه «لا يشكل انتهاكاً» للاتفاق النووي، كما أنه «لا يعني خروج طهران منه»، لكنه بالمقابل يمثل عنصراً «يزيد من نسبة التوتر»، ولذا دعا الرئيس الفرنسي إلى «الامتناع عن التصعيد»، وحث طهران على البقاء داخل الاتفاق، علماً بأن الجانب الإيراني يربط هذه المسألة بنجاح الأوروبيين في «توفير الضمانات» الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي يوفرها الاتفاق، رغم الانسحاب الأميركي، والعقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن، والتهديد بأن تطال الشركات الأوروبية.
وشدد الرئيس الفرنسي على أن ما يريده من الاتفاق التكميلي الذي يسعى إليه أن يكون بمشاركة «الأطراف الإقليمية»، وأن يكون شاملاً كل القضايا، خصوصاً أن يحدد أوجه استفادة إيران مما يتيحه من توفير أموال، بحيث تصرف «لمصلحة الشعب الإيراني». ومن هنا، دعا ماكرون القيادة الإيرانية إلى أن «تقبل» البدء بمناقشة المسائل المكملة للاتفاق الحالي.
وكما هو واضح، تمثل دعوة ماكرون رداً على تصريحات خامنئي في اليومين الأخيرين، حيث رفض البحث في البرنامج الصاروخي الباليستي، كما رفض العودة إلى مناقشة الملف النووي.
أما نتنياهو، فقد شدد من جانبه على أن الاتفاق الجديد مع إيران، في حال تم التوصل إليه، يجب أن «يتحاشى» الأخطاء السابقة، وألا «يمكن ديكتاتورية ثيوقراطية من امتلاك السلاح النووي»، فضلاً عن وقف الخطط الإيرانية في المنطقة. وخلص نتنياهو الذي يختتم اليوم جولته الأوروبية في لندن إلى أنه «حان الوقت للقيام بتدابير قصوى» ضد إيران.
وفي الملف السوري المرتبط، الذي لا يمكن فصله عن السياسة الإيرانية، أشار ماكرون إلى «حصول تقدم» و«التوجه للقيام بعمل مشترك» من أجل الحل في سوريا عن طريق «آلية التنسيق» التي اتفق بشأنها مع الرئيس بوتين بين «مجموعة ىستانة» من جهة، و«المجموعة الضيقة» (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن)، والهدف هو الوصول إلى أن تستعيد «سوريا الغد» كامل سيادتها على أراضيها «ما يشكل عنصراً مهماً لآمن إسرائيل»، في إشارة إلى انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من الجنوب السوري، وأن يتغير دستورها «وهي المهمة التي تعمل عليها روسيا»، وتنظيم انتخابات حرة لكل السوريين في الداخل والخارج.