أدى أمس الجمعة جوزيبي كونتي، الرجل الذي اختير لقيادة الائتلاف الإيطالي الذي لم يختبر، ويضم الشعوبيين المناهضين للاتحاد الأوروبي، اليمين الدستورية كرئيس للوزراء.
وأدى كونتي اليمين أمام الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ليصبح رئيسا للوزراء في أول حكومة مناهضة للمؤسسات في غرب أوروبا والتي تهدف إلى خفض الضرائب وتعزيز الإنفاق على الرفاهة الاجتماعية وإصلاح لوائح الاتحاد الأوروبي الخاصة بالميزانيات والهجرة. وقال غايتانو بيكورا الأستاذ في جامعة لويس في روما لوكالة الصحافة الفرنسية بأن «كل هذه الوعود اجتمعت تحت راية التغيير الثوري. نحن جميعا ننتظر».
المحاولة الثالثة لتشكيل الحكومة، أي بعد 88 يوماً على إجراء الانتخابات العامة التي تمخّضت عن المشهد السياسي الأكثر تعقيدا في تاريخها، ولدت إيطاليا الكابوس الذي سعت أوروبا لتحاشيه بكل ما أوتيت من وسائل: حكومة ائتلافية بين حركة النجوم الخمس الشعوبية ورابطة الشمال اليمينية المتطرفة، يرأسها أستاذ في القانون لم يسبق له أن اجتاز عتبة البرلمان، ويتولّى فيها حقيبة العلاقات الأوروبية خبير في الاقتصاد تؤذيه رائحة اليورو الذي يعتبره «جريمة ضد الإنسانية» ولا يجد أي حرج في القول إن ألمانيا لم تتخلّى عن فكرة السيطرة على أوروبا بعد سقوط النازية، لكنها استبدلت الوسائل العسكرية بالأدوات الاقتصادية والمالية التي استخدمها الرايخ الثالث.
الحكومة التي أعلنها جوزيبي كونتي من مقر رئاسة الجمهورية في قصر الكورينالي تحظى بالتأييد اللازم في البرلمان حيث تجمع الحركة والرابطة الأغلبية الكافية، ينتظر أن تقود المركب الإيطالي خمس سنوات في يمّ أوروبي تتعالى أمواجه وتصطرع فيه تيارات متضاربة يكاد يقتصر جهدها على البقاء والصمود في وجه التيارات الشعوبية المتنامية.
ما كان هزيمة لرئيس الجمهورية وطعناً في مصداقيته وحياده الدستوري بداية الأسبوع عندما رفضت الحركة والرابطة التراجع عن تكليف باولو سافونا حقيبة المال والاقتصاد، أصبح أمس انتصاراً لمثابرة ماتّاريلّا وإجماعا على رجاحة موقفه، وانتقاما باردا من الذين هددوا بعزله، عندما تنازل الحليفان عن مطلبهما وفتحا الباب لتشكيل الحكومة.
وسيجلس رئيس الوزراء إلى جانب ماتاريلا السبت لحضور العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني. وسيمثل كونتي الذي كان لا يزال يواصل صباح الخميس محاضراته في جامعة فلورنسا، إيطاليا في قمة مجموعة السبع الأسبوع المقبل في كندا.
لا شك في أن هذه الحكومة هي أبغض الحلال بالنسبة لرئيس الجمهورية ولمراكز القرار الوازنة في إيطاليا مثل الفاتيكان وقطاع المصارف والشركات الكبرى. وهي أيضا تجربة تحمل في طيّاتها، إذا نجحت، مخاطر على المشروع الأوروبي الذي تحاصره القوى المماثلة في فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا، ومؤخرا في ألمانيا. لكن المفاضلة بالنسبة للرئيس الإيطالي كانت واضحة: تشكيل حكومة سياسية مستقرة تتمتع بالدعم البرلماني اللازم بين الحليفين اللدودين المستجدّين واللذين تتضارب برامجهما في مجالات كثيرة، تبقى أخفّ وطأة من حكومة تكنوقراطية انتقالية تمهّد لانتخابات بعد أشهر لا يشك أحد في أن النصر فيها سيكون معقودا مرة أخرى لحركة النجوم الخمس والرابطة، لكن بأغلبية أقوى ومع احتمال الانهيار التام للأحزاب التقليدية. وتتألف الحكومة من 18 وزيرا بينهم خمس نساء فقط وموزعين بشكل شبه متساو بين الحزبين.
وعُين لويجي دي مايو (أيار) زعيم حركة خمس نجوم وماتيو سالفيني زعيم الرابطة نائبين لرئيس الحكومة، على أن يتولى الأول وزارة التنمية الاقتصادية والعمل والثاني وزارة الداخلية. تم تعيين جيوفاني تريا أستاذ الاقتصاد السياسي المقرب من رؤية الرابطة لكنه مؤيد لبقاء البلاد في منطقة اليورو، في منصب وزارة الاقتصاد والمالية الحساسة.
وبعد أن كان باولو سافونا (81 عاما) خبير الاقتصاد الذي يعتبر اليورو «سجنا ألمانيا»، مرشحا لحقيبة الاقتصاد، تم تعيينه في الحكومة الجديدة وزيرا للشؤون الأوروبية.
ويتولى وزارة الخارجية اينزو موافيرو ميلانيزي المؤيد لأوروبا والذي عمل طيلة 20 عاما في بروكسل وكان وزيرا للشؤون الأوروبية في حكومتي ماريو مونتي وانريكو ليتا (2011 - 2014).
كثيرة هي العِبر التي يستخلصها المراقب عن كثب للتجارب المعقّدة في المختبر السياسي الإيطالي. أولّها الحذر الشديد والتحفظ في التقديرات والتوقعات، ثم القراءة العميقة والمتأنية للمواقف والمناورات التي يبرع في نسجها أحفاد ماكيافيلّي، وترك الباب دوما مفتوحاً على المفاجآت التي لا تخطر على بال أحد. هذا أيضا ما تعلّمه المراقبون من الأزمة المنتهية حيث فشلت كل التقديرات وسقطت كل التوقعات والترجيحات يوما غبّ الآخر حتى اللحظة الأخيرة.
رئيس لا يُعرف عنه سوى أناقته، وعدم خبرته في المسالك السياسية المعقّدة لأكثر البلدان الأوروبية مزاجية، يجلس بين نائبيه اللذين يمسكان بقرار عزله كما أمسكا بقرار تسميته، أحدهما في الحادية والثلاثين والآخر في الخامسة والأربعين، ويريدان، بكل بساطة ومنتهى الإصرار «تغيير أوروبا».
العواصم الأوروبية تراقب بحذر وتتريّث بانتظار الخطوات الأولى للحكومة الإيطالية العتيدة التي رفعت سقف الوعود إلى أعلى المستويات الممكنة رغم المحاذير الاقتصادية والمالية الواضحة. أما في روما التي لا يلهيها شيء في الدنيا عن الاستسلام لملذاتها، فلا شك أن المكائد بدأت تُحاك لإسقاط الحكومة السابعة والستين منذ العام 1945 عندما أُعلنت الجمهورية البرلمانية في إيطاليا.
وفي أول رد فعل هنأ دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي أمس الجمعة رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، قائلا إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى «الوحدة والتضامن أكثر من أي وقت مضى». وقال توسك في رسالة «تعيينك يأتي في وقت حاسم بالنسبة لإيطاليا والاتحاد الأوروبي بأكمله». وأضاف: «نحتاج للوحدة والتضامن أكثر من أي وقت مضى حتى نتغلب على التحديات المشتركة».
وأعلنت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مينا أندريفا الجمعة أن رئيس المفوضية جان كلود يونكر «له ملء الثقة بقدرة وإرادة الحكومة الجديدة من أجل التزام بناء مع شركائها الأوروبيين والمؤسسات الأوروبية بهدف الحفاظ على الدور المركزي لإيطاليا في المشروع الأوروبي المشترك». ورحبت زعيمة حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) الفرنسي مارين لوبن بتشكيل الحكومة في إيطاليا معتبرة أنه «انتصار للديمقراطية على تهديدات» بروكسل.
إيطاليا كابوس أوروبا الجديد... حكومة شعبوية يمينية متطرفة
بروكسل تهنئ وتراقب بحذر
إيطاليا كابوس أوروبا الجديد... حكومة شعبوية يمينية متطرفة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة