الاستعدادات للطعون تحاصر مرسوم التجنيس

TT

الاستعدادات للطعون تحاصر مرسوم التجنيس

فتح مرسوم التجنيس الذي وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون، باباً واسعاً على مواجهة قوى سياسية أعلنت أنها ستتقدم بطعن ضد هذا المرسوم، فيما رأت مصادر نيابية قريبة من عون أن الحملات «تتضمن استهدافاً سياسياً له»، بالنظر إلى أن كل رؤساء الجمهورية السابقين وقعوا مراسيم تجنيس لأفراد لا يشكلون أي خطر على الكيان.
وفي ظل صمت رسمي عن تقديم معلومة حاسمة، لم تستقر المعلومات على عدد ثابت للأشخاص الذين شملهم مرسوم التجنيس، إذ تضاربت المعلومات بين 258 و300 و400 شخص، تتنوع جنسياتهم الأساسية بين الفلسطينيين والسوريين وآخرين من جنسيات عربية وأجنبية، فضلاً عن آخرين من «مكتومي القيد» في لبنان.
ونشر النائب نديم الجميل أمس بيانات لـ52 مجنساً شملهم المرسوم، بينهم فلسطينيون، وتحدث عن معلومات تفيد «بتحضير مرسوم لتوطين عدد من العائلات التابعة للجنسيتين السورية والفلسطينية»، معتبراً أن الموضوع «تحضير لمشروع توطين وهو أمر مرفوض».
وحُوصر القرار أمس بإعلان «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» عن توجههما لطعن سيتم تقديمه أمام المجلس الدستوري في مرسوم التجنيس الذي تحوم حوله الكثير من علامات الاستفهام في التوقيت والمضمون والدلالات والأهداف، وذلك بعد نشره في الجريدة الرسمية. ووصف عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب وهبه قاطيشا تجنيس نحو 400 شخص في بداية عهد الرئيس عون بأنه «خطير ولن نتسامح به»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القوات» ستطعن به «لأنه تصرف غير قانوني وغير دستوري».
وقال قاطيشا: «عادة ما يعطي الرؤساء في آخر عهودهم جنسيات لبنانية لأفراد قدموا خدمات للبلاد، أو في قضايا محددة، وكانت تعطى الجنسيات بشكل صريح ومعلن عنه»، لكنه أشار إلى أن «مرسوم التجنيس الأخير هربوه عن أعين اللبنانيين، وسكتوا عنه، إلى أن افتضح أخيراً».
وقال: «هو ليس عملاً دستورياً، بل سيكون اعتداء على الدستور عندما يتم اللجوء إلى أسلوب التهريب في ملف يرفضه اللبنانيون».
وقال قاطيشا إن «معارضتنا لمرسوم التجنيس تنطلق من موقف مبدئي ولا علاقة له بالمناكفات الأخيرة بين القوات والتيار الوطني الحر»، مشيراً إلى «إننا ضد هذا المرسوم وضد كل الممارسات غير القانونية بالبلد»، معتبراً أن هناك «ممارسات لا تبشر بإيجابية في البلاد».
كما أعلن «اللقاء الديمقراطي» الذي يرأسه النائب تيمور جنبلاط أنه بصدد الإعداد للطعن. وسأل اللقاء عن «المعايير التي اعتُمِدت لمنح الجنسية اللبنانية للأشخاص الواردة أسماؤهم في المرسوم والأسس التي تم الارتكاز إليها في اتخاذ القرارات». كما «سأل عن أسباب تهريب هذا المرسوم لو كان فعلاً منح الجنسية يتم لمستحقيها». ودعا اللقاء الجهات الرسمية المختصة لتوضيح جميع ظروف إصدار هذا المرسوم أمام الرأي العام اللبناني الذي يطرح الكثير من التساؤلات المشروعة حياله.
وفيما توسعت الحملات وصولاً للإعداد لتقديم طعون بالمرسوم، إلى جانب انتقاد واسع للخطوة، قال مصدر نيابي إن مضمون الكلام «يتضمن استهدافاً سياسياً»، لافتاً إلى أنه «تضخيم لإجراءات بسيطة بأضرارها، علماً بأنهم أنفسهم لم يتطرقوا إلى مرسوم التجنيس الأكبر في العام 1993، ومرسوم التجنيس الذي وقعه الرئيس السابق ميشال سليمان»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هؤلاء الذين يستهدفون الرئيس من وراء المرسوم، هو أنفسهم لم يتحدثوا عن الوجود السوري بمئات الآلاف في لبنان، ويواجهون المطالب بالعودة الآمنة والمطمئنة للسوريين إلى بلادهم، ويحاولون الإساءة لصورة رئيس الجمهورية الذي لم يستطع أحد أن يؤثر على صورته».
وكان رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وقَّع على مرسوم لتجنيس أكثر من 600 شخص غير لبناني. وتقول مصادر لبنانية واسعة الاطلاع إن «معظم الرؤساء وقعوا مراسيم تجنيس لمجموعات صغيرة أو أفراد، وهو حق يمنحه القانون للرئيس»، لافتة إلى أن المشكلة الكبرى «تمثلت في قانون التجنيس في العام 1993 الذي وقعه الرئيس الراحل إلياس الهراوي، وشمل 200 ألف مجنس، وتعرض لطعون لاحقة من قبل نواب التيار الوطني الحر» في مشروع تقدم به النائب السابق نعمة الله أبي نصر.
ويعد القانون الصادر في 1993 أكبر موجة تجنيس في تاريخ لبنان، منحت الجنسية لقسم كبير من المسلمين مثل أهالي القرى السبع في الجنوب، ووادي خالد في الشمال، ومكتومي قيد.
ومنذ الثلاثينات من القرن الماضي، وقع رؤساء لبنانيون مراسيم تجنيس لكثيرين، بدءاً من النازحين الأرمن الذين هربوا من المجازر التركية إلى لبنان، وطال سوريين من أصحاب رؤوس الأموال، والفلسطينيين الذين وصلوا إلى لبنان بعد النكبة في عهدي الرئيسين بشارة الخوري وكميل شيمعون. ومع انحسار الموجة لتصدر مراسيم تجنيس فردية وقليلة في الستينات والسبعينات، تجددت الحركة على نطاق واسع في الثمانينات في عهد الرئيس أمين الجميل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.