الشاهد: لست متمسكاً بالكرسي ونجل الرئيس دمّر الحزب الحاكم

رئيس الحكومة التونسية اعترف بوجود أزمة سياسية ودعا لإصلاحات عاجلة

TT

الشاهد: لست متمسكاً بالكرسي ونجل الرئيس دمّر الحزب الحاكم

كشف الخطاب الذي وجهه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إلى المواطنين، ليلة أول من أمس، عن عمق الأزمة بين قيادات الحزب الفائز في انتخابات 2014. وأكد مجددا حدة الصراع على الحكم بين الشاهد وحافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية الحالي.
وهاجم الشاهد نجل رئيس الجمهورية والمدير التنفيذي لحزب النداء بصفة مباشرة هذه المرة، واتهمه بتدمير الحزب الحاكم (نداء تونس)، وتصدير أزمة الحزب إلى مؤسسات الدولة.
وجاء هذا الانتقاد بعد أيام من دعوة حافظ السبسي بإقالة حكومة الشاهد بحجة فشلها في إنعاش الاقتصاد المنهك. لكن حزب النهضة الإسلامي رفض مطلب إقالة الشاهد، قائلاً إنها «ستضرب الاستقرار في وقت تحتاج فيه الدولة إلى إصلاحات اقتصادية».
وهذا أول انتقاد مباشر من الشاهد، المنتمي لنداء تونس، إلى حافظ قائد السبسي، الذي يتهمه خصومه بالسعي لاستغلال نفوذه العائلي للسيطرة على أجهزة الدولة، وهو ما يرفضه السبسي الابن، بالقول إنه يمارس حقا سياسيا متاحا للجميع.
وخسر «نداء تونس» مركزه كأول حزب في الانتخابات البلدية الأخيرة، التي جرت هذا الشهر، وحل ثانيا وراء حزب النهضة. كما خسر الحزب نحو 900 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، مقارنة بانتخابات 2014 البرلمانية.
واعترف الشاهد في خطاب بثه التلفزيون الرسمي بوجود أزمة سياسية، كال فيها اتهامات لحزبه حركة نداء تونس، داعيا في نفس الوقت إلى الدفع بإصلاحات عاجلة من أجل الإنقاذ. وقال: «حافظ قائد السبسي والمحيطون به دمروا نداء تونس... وأزمة الحزب ليست داخلية، بل أثرت على مؤسسات الدولة». مطالبا بإصلاح الحزب دعما لتوازن الساحة السياسية للبلاد.
كما أكد الشاهد أنه «ليس متمسكا بالكرسي»، ولا يتهرب من المسؤولية التي تحملها لحماية البلاد، وضمان الأمن والاستقرار، مشددا على أنه «من يعتقد أنه بإسقاط الحكومة سيوقف الحرب على الفساد... واهم».
من جهته، عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن وقوفه موقف الحياد تجاه الأزمة السياسية الحالية، إذ قال نور الدين الطبوبي، رئيس نقابة العمال، إن اتحاد الشغل «ينأى بنفسه عن سياسة الكر والفر... ويعتبر في المقابل أن وضع البلاد يتطلب الصراحة المسؤولة بعيداً عن المحاباة والمجاملة».
في السياق ذاته، قال كمال الخميري، المتحدث باسم حركة النهضة، إن الخلاف بين قيادات حزب النداء «شأن داخلي لا دخل للحركة فيه». مجددا تمسك حزبه بيوسف الشاهد على رأس الحكومة، مع إجراء تغيير حكومي جزئي لا يضر بالاستقرار السياسي ويحفظ المصلحة الوطنية، على حد تعبيره.
بدوره، قال عصام الشابي، رئيس الحزب الجمهوري المعارض، إن خطاب الشاهد «كشف عن عمق الأزمة التي تعيشها الأحزاب التي قادت تونس منذ انتخابات 2014... وكلمة رئيس الحكومة جاءت لتقر بعمق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد والصراع المدمر على الحكم».
وبرر الشاهد حديثه عن أزمة حزب «نداء تونس» في الظرف الحالي بأنها «لم تعد شأنا داخليا، بل تسربت لمؤسسات الدولة، وأصبحت تمثل خطرا عليها... وموضوع (النداء) ليس حزبيا بحتا، بل أمسى موضوعا وطنيا بامتياز لأنه بضعف (نداء تونس) يختل التوازن السياسي، وهو ما يهدد المسار الديمقراطي».
وأوضح الشاهد أن المسيرين الحاليين لحزب النداء، وعلى رأسهم حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الحالي «دمّروا الحزب وقادوه إلى الهزائم المتتالية... ودفعوا عددا كبيرا من المناضلين الصادقين والكفاءات لمغادرته». يشار إلى أن الخلاف بين الشاهد ونجل الرئيس الحالي تفاقم منذ مطالبة حافظ قائد السبسي بتغيير جذري للحكومة يشمل يوسف الشاهد نفسه.
وأضاف الشاهد «لقد حان الوقت اليوم لإحداث مسار إصلاحي داخل الحزب حتى يستعيد ثقة التونسيين، ومكانته كفاعل أساسي في خدمة المصلحة الوطنية، دون أن يكون عبئا عليها». مبرزا أن الأزمة السياسية في تونس «كان يمكن أن تكون أعمق لولا صوت الحكمة عند البعض، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، والذين وضعوا مصلحة تونس العليا فوق كل الاعتبارات».
واعتبر الشاهد أن الأزمة السياسية انطلقت مع بداية الصراعات الداخلية في حزب نداء تونس، والانقسامات الكثيرة التي تمخضت عنها. مؤكدا أن وجود المسيرين الحاليين على رأس «نداء تونس» سيهدد التوازن السياسي في البلاد.
وكان حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب النداء، قد قرر الدخول في قطيعة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وحمّله مسؤولية الفشل في المرحلة الحالية، إضافة إلى تحميله مسؤولية فشل حزب النداء في تحقيق نتائج جيدة خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، وساند الأطراف السياسية والاجتماعية التي دعت إلى تغييره.
وفشلت الأطراف التي شاركت قبل أيام في اجتماعات «وثيقة قرطاج 2» في الاتفاق حول مصير حكومة الشاهد، وحول مسألة إن كان من الضروري إجراء تعديل جزئي عليها أو التخلي عنها برمتها، وهو ما جعل الرئيس يوقف النقاشات السياسية التي لم تفض إلى حل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.