الخصومات السياسية تقتحم ملاعب ليبيا

الاعتداء على «اتحاد طرابلس» في بنغازي فجّر الأزمة

من استقبال جماهير «اتحاد طرابلس» لفريقها أثناء عودته من بنغازي («الشرق الأوسط»)
من استقبال جماهير «اتحاد طرابلس» لفريقها أثناء عودته من بنغازي («الشرق الأوسط»)
TT

الخصومات السياسية تقتحم ملاعب ليبيا

من استقبال جماهير «اتحاد طرابلس» لفريقها أثناء عودته من بنغازي («الشرق الأوسط»)
من استقبال جماهير «اتحاد طرابلس» لفريقها أثناء عودته من بنغازي («الشرق الأوسط»)

تصاعدت المخاوف من تداعيات اعتداء بعض «المتهورين» على بعثة فريق اتحاد طرابلس (غرب البلاد) لكرة القدم بالضرب، خلال توجههم إلى ملعب بنينا (شرق البلاد) لمواجهة فريق أهلي بنغازي في الجولة الرابعة من مرحلة التتويج بالدوري الليبي الممتاز، مساء الأحد الماضي، بعد اتهام اتحاد الكرة الليبي «محسوبين على الأجهزة الأمنية والعسكرية» بارتكاب الواقعة.
وأثر الانقسام السياسي في ليبيا منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 على جميع مناحي الحياة في عموم البلاد، ولم تنج كرة القدم، آخر رهان الليبيين، من السقوط في «هذا الفخ».
وقال الكاتب والمحلل الليبي محمد عقيلة العمامي، إن «من ارتكبوا هذه الأفعال لا يريدون ليبيا واحدة موحدة»، مستغلين الشغب الجماهيري في إحداث تلك الفوضى لأغراض أخرى.
وأضاف العمامي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أشخاص يمثلون آيديولوجية معينة، ويستثمرون في هذه الأحداث لعرقلة البلاد»، في إشارة إلى بيان أصدره حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، اتهم فيه القوات الخاصة (الصاعقة) بالضلوع في الاعتداء على اتحاد طرابلس.
ورغم تفسير العمامي للاعتداء بأنه «شغب جماهيري وسوء فهم». إلاّ أن الاتحاد الليبي لكرة القدم، الذي عبَّر عن أسفه بشأن الواقعة، قال إن مرتكبيها من «المحسوبين على الأجهزة الأمنية والعسكرية»، التابعة للجيش الليبي، مشيراً إلى أنهم «أساءوا بفعلتهم هذه لمؤسساتهم، وتسببوا في احتقان واستياء كبيرين في الوسط الرياضي».
ووصف الاتحاد، في بيان أصدره مساء أول من أمس، تلك الأحداث، بـ«غير المسؤولة، ولا تمت للرياضة بأي صلة»، مؤكداً أن «العلاقات الأخوية المتينة التي تربط الشباب الرياضي والأندية في ليبيا أكبر من أن تتأثر بمثل هذه الأفعال المشينة». وطالب الاتحاد الليبي كافة الجهات المختصة بأن تضطلع بمسؤوليتها لـ«إيقاف ومحاسبة كل المتورطين في هذه الاعتداءات».
وكان حزب العدالة والبناء قد استهجن الاعتداء على بعثة الاتحاد، وقال إن القوات الخاصة (الصاعقة) التابعة للجيش الوطني، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، هي من ارتكبته. ومضى حزب العدالة يقول في بيانه: «نرجو أن تستمر الروح التنافسية الراقية بين الرياضيين، ونحن نستهجن الاعتداء الذي وقع من قبل قوات تدعي انتسابها للمؤسسة العسكرية، ما يعكس غياب الانضباط والفوضى وحجم الانفلات الأمني في مدينة بنغازي». ودخلت رابطة «ضحايا وجرحى الإرهاب في بنغازي» على خط الأزمة، وقالت إنها تابعت «باستغراب وقلق شديدين مقطع فيديو لعدد من جماهير نادي الاتحاد، وهم يرددون من داخل مقر النادي في طرابلس شعارات تنادي بـ(الجهاد) في مدينة درنة، التي يحتلها تنظيما (القاعدة) و(أنصار الشريعة) تحت مسمى (مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها)»، وذلك رداً على خلاف الجماهير مع نادي أهلي بنغازي. وقالت الرابطة، في بيانها، إنها تعبر عن «صدمتها تجاه ما جاء في التسجيل، الذي يأتي تزامناً مع احتدام المعارك، التي تخوضها قوات الجيش الوطني ضد هذه الزمرة الإرهابية في درنة»، مشيرة إلى أن «نادي الاتحاد يتلقى تمويلاً من الخزانة العامة ممثلة (بما يسمى) حكومة الوفاق».
وفيما لفتت الرابطة إلى أنها تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأندية في البلاد، نفى مصدر مطلع في نادي اتحاد طرابلس، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، علمه بمقطع الفيديو المتداول، وقال: «نحن كرياضيين نتمسك بروح المنافسة الشريفة بعيداً عن أي خصومة سياسية». وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن «جميع المصابين خضعوا للعلاج، وحالتهم الصحية مستقرة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم